الحمد لله رب العالمين الذى لا يحمد على مكروه سواه واصلى وأسلم على نور الانور وقمر الأقمار سيدنا ونبينا و إمامنا ورسولنا وقائدنا رسول لله محمد واله الأطهار عندما نتحدث عن مأساة الدين مأساة الأمة قاطبة والفاجعة والذكرى الحزينة والمؤلمة على التي حصلت في التاريخ الإسلامي: إعداد : عبدالملك الوزان وهى حادثة استشهاد أمير المؤمنين وتاج الموحدين وإمام المتقين وإمام المشارق والمغارب ليث لله الغالب وقاتل عمر بن ود وفاتح خيبر وقالع بابه وقاتل مرحب وصناديد الكفرة من اليهود والمشركين والذي افتدى الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه واله الأطهار وأصحابه المنتجين الأخيار بروحه فله من الفضائل والمحامد والشمائل مالا تعد ولا تحصى ولا تسعه بلاغة البلغاء وبحور الأقطار بأسرها جامع الكلم فهذه الفاجعة التي حصلت في شهر رمضان المبارك في ليلة التاسع عشر فهي مأساة استشهاد أمير المؤمنين مولانا الإمام على بن أبى طالب عليه السلام قدس الله روحه في أعلى عليين مع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ولما يمتلك من فضل وسبقة في الإسلام وبعنائه الكبير وجهاده المستمر والمرير في سبيل لله وإعلاء كلمة لله تحت راية سيد الاولين والآخرين رسول لله ومسيرة رسول لله صلوات ربي وسلامه عليه واله الأطهار كيف لا وهو من تربى في مائدة وحجر الرسول الأعظم محمد صلوات ربي وسلامه عليه واله الأطهار فقد فجعت الأمة باستشهاد المؤمن الصابر والمحتسب وقد أبلغه رسول الله بذلك وقال له: ستخضب لحيتك من دم رأسك فقال يا رسول الله أفي سلامة من ديني فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بلا فقال لا ابالي بالموت على او وقعت عليه فهذه الشخصية العظمية في الإسلام فمن منا يتحمل هذا على سبيل المثال أخبرنا أحد سيضربك او يتقطع لك في الطريق فقط كيف ينزعج ويخاف ويعجز الفكر واللسان ويتلعثم فما بالنا بالموت وهو سيد البلغاء والفصحاء والتي تخرس الفطنة ذكر هامته هذا الإمام العجيب الذهب المصفى الطاهر الزكي ربيب الإيمان والمودة صادق الإسلام وحبيب الله ورسوله والمؤمنون ومولانا مولى كل مؤمن ومؤمنة إلى قيام الساعة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو أشجع الناس بعد رسول لله محمد بن عبد لله صلوات ربي وسلامه عليه واله الأطهار الذي لا قبله ولا بعده فحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير فإن ما قام به أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب عليه السلام من تضحيات للإسلام والمسلمين وللدين ولحماية روح الرسول الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه واله الأطهار ولحفظ دين النبي وشرف الأمة الإسلامية وعظمتها كان بحق جهاد يفوف طاقة البشر فلقد بلغ الإمام عليه السلام إن ما قام به الإمام أمير المؤمنين من تضحيات للإسلام وللدين ولحماية روح الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ولحفظ دين النبي وشرف الأمة الإسلامية وعظمتها كان بحق جهاد يفوق طاقة البشر وكان الإمام قد بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، وفي شهر رمضان من تلك السنة كان الإمام يفطر ليلة عند ولده الحسن وليلة عند ولده الحسين وليلة عند ابنته زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر وليلة عند أبنته زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم. وفي الليلة التاسعة عشر كان الإمام (عليه السلام) في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له فطوره في طبق فيه: قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن حامض، فأمر الإمام ابنته أن ترفع اللبن، وأفطر بالخبز والملح، ولم يشرب من اللبن شيئاً لأن في الملح كفاية، وأكل قرصاً واحداً، ثم حمد الله وأثنى عليه، وقام إلى الصلاة، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى، وكان يكثر الدخول والخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي، هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله. ويكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، ثم جلس للتعقيب، ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومته ما هي؟ قال لهم: إني رأيت الساعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى ولم يزل الإمام في تلك الليلة ذاكراً لله قائماً وراكعاً وساجداً ويقول: ويكثر من قول: (أنا لله وأنا إليه راجعون) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ويستغفر الله كثيراً. ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب الأذان فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء، وقام ولبس ثيابه وفتح بابه ثم نزل إلى الدار وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام) فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن، وصحن في وجهه. وكان قبل تلك الليلة لم يصحن فقال (عليه السلام): لا إله إلا الله، صوائح تتبعها نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء. فقلت: ياأبتاه هكذا تتطير؟ فقال: بنية ما منا أهل البيت من يتطير ولا يتطير به. فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول: أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت إذا حل بناديكا كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا ثم قال: اللهم بارك لنا في الموت اللهم بارك لنا في لقائك. وأما عدو الله: عبد الرحمن بن ملجم فكان على رأي الخوارج وكانت بينه وبين قطام حب وغرام، وقطام قد قتل أبوها وأخوها وزوجها في النهروان، وقد امتلأ قلبها غيظاً وعداءً لأمير المؤمنين وأراد ابن ملجم أن يتزوجها فاشترطت عليه أن يقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستعظم هذا الأمر وطلبت منه ثلاثة آلاف دينار وعبداً وقينة (جارية) وينسب إليه هذه الأبيات: فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح وأعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المصمم وسار الإمام إلى المسجد فصلى في المسجد، ثم صعد المأذنة ووضع سبابته في أذنيه وتنحنح، ثم أذن، فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته، ثم نزل عن المأذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره، ويكثر من الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة، يرحمك الله، قم إلى الصلاة المكتوبة ثم يتلو: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر). لم يزل الإمام يفعل ذلك حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه وقد أخفى سيفه تحت إزاره فقال له الإمام: يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان، ونومة أهل النار بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء، أو على يسارك فإنها نومة الحكماء، أو نم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء. فصلى الامام علي فتقدم اللعين واخذ السيف وضربه ضربة على رأسه الشريف فقال أمير المؤمنين: بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم صاح الإمام: قتلني ابن ملجم, وحتى في تلك اللحظة يحافظ الإمام على النظام وعلى حياة الناس، نبع الدم العبيط من هامة الإمام وسال على وجهه المنير، وخضب لحيته الكريمة وصدق كلام الرسول ووقع ما أخبر به فقال الإمام فزت ورب الكعبة! هذا ما وعد الله ورسوله! وصدق الله ورسوله! استولت الدهشة والذهول على الناس، وخاصة على المصلين في المسجد، وفي تلك اللحظة هتف جبرائيل بذلك الهتاف السماوي. لم نسمع في تاريخ الأنبياء أن جبرائيل هتف يوم وفاة نبي من الأنبياء أو وصي من الأوصياء، ولكنه هتف ذلك الهتاف لما وصل السيف إلى هامة الإمام وهو بعد حي، هتف بشهادته كما هتف يوم أحد بفتوته وشهامته يوم قال: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار. فاصطفت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادى جبرائيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى وانفصمت والله العروة الوثقى قتل ابن عم محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) قتل الوصي المجتبى قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء. فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرائيل لطمت وصاحت: واأبتاه واعلياه وامحمداه واسيداه.