صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في سطور


في ذكرى حادثة استشهاده الاليمة...
تمر اليوم ، التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، ذكرى حادثة استشهاد امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة عام 40 ه على يد عبد الرحمن بن ملجم ، وبهذه المناسبة الاليمة نستعرض مقتطفات يسيرة من سيرته الشريفة.
أمير المؤمنين وسيد الموحدين وأخي رسول رب العالمين ، وصاحبه في المواطن كلها ، وحامل رايته في سوح الوغى ، وصاحب لوائه يوم الدين ، وصهره على بضعته البتول سيدة نساء العالمين ، وأبي ريحانتيه سيدي شباب أهل الجنة ، الحسن والحسين ، وخليفته بالحق ومولى المؤمنين من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام.. والوفاء ببعض ذلك ليس بالأمر اليسير.. إنه علي عليه السلام تجفّ الأقلام دون ذكر خصاله ولا تصل إلى منتهاها.. بل الاحاطة بواحدة من مفردات سيرته عليه السلام أو خصائصه تتطلب بحثاً مطولا يستغرق وقتا طويلا ، ذلك أنها تفتح أمام الباحث آفاقاً رحبة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك ، بما يتصل بواقع الحياة في جميع مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتى موضع مولده ، ليجمع له مع طهارة مولده شرف المحل ، محل الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.
هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.
وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة . قبل البعثة بعشر سنين . حوالي عام 600 م (23 قبل الهجرة) ، وقيل : « ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل » .
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين ، قد وُلِد الألوف من البشر ، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار ، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبدية ، فقد وضعت فاطمة وليدها في جوف الكعبة الشريفة! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا.
وأجمعت الروايات عند كافة الطوائف الاسلامية على أنَّه لم يتقدّم من عليٍّ شرك أبداً ، ولم يسجد لصنم قط ، وتكرَّم وجهه منذ أول وهلة ، فلا طاف حول صنم ولا سجد له ، فكانت نفسه خالصة لله تعالى ، وكان عنواناً للشرف والاستقامة ، لقد صاحبته منذ الصبا صراحة الإيمان ، والثقة العالية بالنفس ، والشجاعة الضرورية لكل إرادة حقة ، فكان إيمانه هو الحاكم المطلق ، والمسيطر الأوحد على جميع حركاته وسكناته. فلا مجال لأن يتوهّم من عبارة أنه أول الناس اسلاماً كونه على خلاف ذلك قبل البعثة.
والحقُّ أنَّه كان أوفر الناس حظاً ، بل هو الاصطفاء بحق ، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ صباه حتَّى نشأ على يديه ، لم يفارقه في سلم أو حرب ، وفي حل أو سفر ، إلى أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى وهو على ، صدر عليٍّ..
إنّه ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه.
ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فكانت ، ثالثة أهل هذا البيت ، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة ، فكان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله على هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم.
وبُعثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضع في حسابه أنَّ دعوته ستجابه بالرفض والتحدِّي دون أدنى شكٍّ ، فعرب الجاهلية تشرَّبت قلوبهم بعبادة الأوثان ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشغله هموم التبليغ ، وخاصة انَّه كان يتمنَّى أن يسارع في الاستجابة له أهله وعشيرته ، وكلُّ من يتَّصل به بنسب أو سبب ، لأنَّهم آله وعشيرته الذين يشكِّلون قوة مكينة ، لمكانتهم المرموقة في داخل مكَّة وخارجها ، فسيعود عليه إسلامهم بالنصر حتماً ، فيصبح مرهوب الجانب وفي منعةٍ من الأعداء الألدَّاء ، وهذه وسيلة متينة لتثبيت دعائم دعوته.
ومع كلِّ تمنِّياته تلك كان يخشى أيضاً أن يرفضوا دعوته إذا دعاهم لدين التوحيد ، فينضمُّوا إلى غيرهم من الأعداء والمكذِّبين والمستهزئين ببعثته صلوات الله وسلامه عليه..
في تلك اللحظات الحاسمة دوّى صوت جبرئيل ليملأ أُذني النبي بالنذارة ، مبلِّغاً عن الله عزَّ اسمه قوله : ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون ) (1) . ألقاها على عاتقه الشريف ، وليس له مناصر ومعين غير نفر قليل مستخفّين بإيمانهم ، وكان هذا الحدث بعد مبعثه الشريف بثلاث سنين.
قال جعفر بن عبدالله بن أبي الحكم : « لمَّا أنزل الله على رسوله ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين ) اشتدَّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً ، فجلس في بيته كالمريض ، فأتته عمَّاته يعُدنه ، فقال : « ما اشتكيتُ شيئاً ، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين » » (2) ..
بعد ذلك عزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتثالاً لأوامر الله تعالى على إنذار آله وعشيرته ودعوتهم إلى الله ، فجمع بني عبدالمطلب في دار أبي طالب ، وكانوا أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً وكان قد قال لعلي عليه السلام : « اصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن » ، قال علي عليه السلام وهو ينقل هذا الحديث واصفاً قومه : « وإنَّ منهم
____________
1) سورة الشعراء : 214.
2) الكامل في التاريخ 1 : 584.
من يأكل الجذعة ويشرب الفرق » (1) ، وأراد عليه السلام بإعداد قليل من الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريِّهم ممَّا كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه (2) .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي ؟ » قالوا : بلى ، أنت عندنا غير متهم ، وما جرَّبنا عليك كذباً ، فقال : « أني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد » فقطع كلامه عمه أبو لهب ، وقال : تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟! ثم عاد فجمعهم ثانية ، فأعاد أبو لهب مثل قولته الاولى ، فتفرّقوا ، فأنزل الله تعالى عليه ( تبت يدا أبي لهب وتب ) (3) الى آخر السورة المباركة.
ثم جمعهم مرَّةً أُخرى ليكلِّمهم ، وفيهم أعمامه : أبو طالب والحمزة والعبَّاس وأبو لهب ، وغيرهم من أعمامه وبني عمومته ، فأحضر عليٌّ عليه السلام لهم الطعام ووضعه بين أيديهم ، وكان بإمكان الرجل الواحد أن يأكله بكامله ، فتهامسوا وتبادلوا النظرات الساخرة من تلك المائدة التي لا تقوم حسب العادة لأكثر من رجلين أو ثلاثة رجال ، ثم مدُّوا أيديهم إليها وجعلوا يأكلون ، ولا يبدو عليها النقص حتَّى شبعوا ، وبقي من الطعام مايكفي لغيرهم.
فلمَّا أكلوا وشربوا قال لهم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : « يا بني عبدالمطَّلب ، والله
____________
1) تاريخ اليعقوبي 2 : 27.
2) الإرشاد 1 : 49.
3) سورة المسد : 1.
ما أعلم شابَّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به ، إنِّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه » ثمَّ عرض عليهم أصول الإسلام وقال : « فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيِّي ، وخليفتي فيكم من بعدي » ؟.
فلم يجب أحد منهم ، فأعاد عليهم الحديث ثانياً وثالثاً ، وفي كلِّ مرَّةٍ لايجيبه أحد غير عليٍّ عليه السلام ، قال عليٌّ : والرواية عنه « فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وأنا لأحدثهم سناً : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثُمَّ قال : إنَّ هذا أخي ، ووصيِّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ».
قال : « فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » (1) . فقال أبو لهب : خذوا على يَدَي صاحبكم قبل أن يأخذ على يده غيركم ، فإن منعتموه قُتلتم ، وإن تركتموه ذللتم.
فقال أبو طالب : يا عورة ، والله لننصرنَّه ثُمَّ لنعيننَّه ، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربِّك فأعلمنا حتَّى نخرج معك بالسلاح (2) .
ومن بين جميع الأهل والأقارب كان محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحزن والمرارة ، فقد كان وحيداً ، وكان يتمنَّى مناصرة قومه له على قوى الشرك المدجَّجة بالمال والسلاح ، لكنَّ عليَّاً عليه السلام كان قوماً له رغم صغر سنه ،
____________
1) تاريخ الطبري 2 : 217 ، معالم التنزيل في التفسير والتأويل | البغوي 4 : 278 ، الكامل في التاريخ 1 : 586 ، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 1 : 100|137 و138 و139 ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل| الحاكم الحسكاني الحنفي تحقيق محمَّد باقر المحمودي مؤسسة الأعلمي بيروت 1 : 372 373|514 و420|580 ، كنز العمَّال 13 : 131|36469.
2) تاريخ اليعقوبي 2 : 27 28.
وشاءت الأقدار أن ينصر أخاه بسلاحه « فأنا حربٌ على من حاربت » ، بهذه التلبية أثمر الاصطفاء ، وأُرسيت دعائم الإسلام فوق جماجم الشرك..
وهذا البيان الصريح في علي عليه السلام : « أخي ، ووصي ، وخليفتي من بعدي » لابد أن يجد من يبذل كل جهد للالتفاف عليه إما بالتغييب ، وإما بالتكذيب ، واما بالتأويل...
ذكر الشيخ محمَّد جواد مغنية في كتابه ( فلسفة التوحيد والولاية ) بعد أن ذكر المصادر الأساسية لهذه الواقعة : أنَّ من الذين رووا نصَّ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على عليٍّ عليه السلام بالخلافة عندما دعا عشيرته وبلَّغهم رسالة ربِّه : محمَّد حسين هيكل في الطبعة الأولى من كتابه ( حياة محمَّد ) ، ومحمَّد عبدالله عنان في كتابه ( تاريخ الجمعيات ) ، ولكنَّ هيكل في الطبعة الثانية وما بعدها من الطبعات قد مسخ الحديث المذكور وحرَّف منه كلمة « خليفتي من بعدي » في مقابل خمسمائة جنيه ، أخذها من جماعة ثمناً لهذا التحريف (1) .
____________
1) أنظر سيرة المصطفى نظرة جديدة| هاشم معروف الحسني ، منشورات الشريف الرضي : 130 ، وكذا ذكره في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر 1 : 157 ، وأضاف قائلاً : بعد أن ساوموه على شراء ألف نسخة من الكتاب فوافق على ذلك ، ورواه في ط2 وما بعدها بدون كلمة « خليفتي من بعدي ».
____________
قصَّة استشهاده :
قال أنس بن مالك : مرض عليٌّ فدخلت عليه ، وعنده أبو بكر وعمر ، فجلست عنده ، فأتاه النبيٌّ صلى الله عليه وآله وسلم فنظر في وجهه ، فقال له أبو بكر وعمر : يانبيَّ الله ما نراه الا ميِّتاً. فقال : « لن يموت هذا الآن ، ولن يموت حتى يُملأ غيضاً ، ولن يموت الا مقتولاً » (1) .
وممَّا رواه أبو زيدٍ الأحول عن الأجلح ، عن أشياخ كندة ، قال : سمعتهم أكثر من عشرين مرَّةً يقولون : سمعنا عليَّاً عليه السلام على المنبر يقول : « مايمنع أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدمٍ » ؟ ويضع يده على لحيته عليه السلام (2) .
واشتهرت الرواية عن عُثمان بن المغيرة ، قال : كان عليٌّ عليه السلام لمَّا دخل رمضان يتعشَّى ليلةً عند الحسن ، وليلةً عن الحسين ، وليلةً عند عبدالله بن جعفر ، زوج زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان لا يزيد على ثلاث لُقم ، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك ، فقال : « يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ ، إنَّما هي ليلةٌ أو ليلتان ». فلم تمضِ ليلة حتى قُتل (3) .
سبب قتله : (4)
وكان سبب قتله أنَّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكَّة ، فتذاكروا أمرالناس وعابوا عمل ولاتهم ، ثُمَّ ذكروا أهل النهر فترحَّموا عليهم ، وقالوا : مانصنع
____________
1) المستدرك 3 : 139 ، إعلام الورى 1 : 310 ، الكامل في التاريخ 3 : 254 باختلافٍ يسير.
2) الإرشاد 1 : 13 ، وانظر الكامل في التاريخ 3 : 254.
3) الكامل في التاريخ 3 : 254 ، الإرشاد 1 : 14 17 ، إعلام الورى 1 : 309 ، أُسد الغابة 4 : 35.
4) أنظر قصَّة قتله عليه السلام في سير أعلام النبلاء 2 : 284 وما بعدها ، الكامل في التاريخ 3 : 254 258 ، إعلام الورى 1 : 389 وما بعدها ، إرشاد المفيد 1 : 9 ، وغيرها من كتب التاريخ والتراجم.
بالبقاء بعدهم ؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!
وقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله : أنا أكفيكم عليَّاً ، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبدالله التميمي الصُريمي : أنا أكفيكم معاوية. أمَّا عمرو بن بكر التميمي ، فقال : أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وتعاهدوا على ذلك وأخذوا سيوفهم فسمُّوها ، واتَّعدوا لسبع عشرة من رمضان ، وقصد كلٌّ منهم الجهة التي يريد.
فأتى ابن مُلجم الكوفة كاتماً أمره ، فبينما هو هناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب ، فصادف عندهُ قطام بنت الأخضر التيميَّة.. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ،فلمَّا رآها أخذت قلبه فخطبها ، فأجابته إلى ذلك على أن يُصدِقها : ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً ، وقتل عليٍّ!!
فقال لها : والله ، ما جاء بي الا قتل عليٍّ ، فلكِ ما سألتِ!
قالت : سأطلب لك من يشدُّ ظهرك ويساعدك ، وبعثت إلى رجلٍ من قومها اسمه : وردان وكلَّمته فأجابها..
وروي أنَّ الإمام عليه السلام سهر في تلك الليلة التي قُتل فيها ، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت ، وإنَّها الليلة التي وُعدتُ بها » ثُمَّ يعاود مضجعه ، فلمَّا طلع الفجر شدَّ إزاره وخرج وهو يقول :
« أُشدد حيازيمك للموت * فإنَّ الموت آتيك
ولا تجزع من الموت * إذا حلَّ بواديك » (1)
____________
1) إعلام الورى 1 : 311.
وأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب بن بَجَرة ووردان ، وجلسوا مقابل السدَّة التي يخرج منها عليٌّ عليه السلام للصلاة.. فضربه ابن ملجم أشقى الآخرين لعنه الله ، ليلة تسعة عشر من شهر رمضان ، سنة أربعين من الهجرة ، في المسجد الأعظم بالكوفة ، ضربه بالسيف المسموم على أُمِّ رأسه.
فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها ، وليلة الحادي والعشرين الى نحو الثلث من الليل ثُمَّ قضى نحبه شهيداً محتسباً صابراً وقد مُلئ قلبه غيضاً..
بتلك الضربة الشرسة التي ارتجَّ لها المسجد الأعظم ، دوى صوت الإمام المظلوم بنداء : « فزت وربِّ الكعبة » لم يتلكَّأ ولم يتلعثم في تلك اللحظات التي امتُحن قلبه ، وهو القائل « والله لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » هذا الإمام العظيم الذي طوى صفحات ماضيه القاسية بدمائه الزكية الطاهرة ، أدرك في لحظاته الأخيرة أنَّه أنهى خطَّ الجهاد والمحنة ، وكان أسعد المخلوقين في هذه اللحظات الأخيرة ، حيث سيغادر الكفر والنفاق والغشَّ والتعسُّف.. سيترك الدنيا لمن يطلبها؛ ليلحق بأخيه وابن عمِّه ورفيق دربه في الجهاد في سبيل الله صابراً مظلوماً ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..
وقيل : كان عمره يوم استشهد ثلاثاً وستِّين سنةً ، وتولَّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين بأمره ، وحملاه إلى الغريَّين من نجف الكوفة ، ودفناه هناك ليلاً ، وعمَّيا موضع قبره بوصيته إليهما في ذلك ، لما كان يعلم من دولة بني أُميَّة من بعده ، وإنَّهم لا ينتهون عمَّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال ، فلم يزل قبره مخفيَّاً حتى دلَّ عليه الصادق عليه السلام في الدولة العبَّاسية ، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر المنصور وهو بالحيرة .
اللَّهمَ احشرنا معه واجعلنا من أتباعه والمتوسِّمين خطاه.. آمين.
/ 2811/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.