الاتحاد اليمني لكرة القدم يصدر تعميمًا تنظيميًا شاملًا يحدد ضوابط ومواعيد مسابقات الدوري بدرجاته الثلاث    قراءة تحليلية لنص "هروب وعودة" ل" أحمد سيف حاشد"    النائب بشر: لا يوجد "ضيف" محبوس وممنوع من الزيارة    بثلاثية نظيفة.. المنتخب الأولمبي يفوز على "كسكادا المصري" استعدادا للمشاركة في كأس الخليج    ثلاث ميداليات لليمن في بطولة غرب آسيا للجودو    العراق يواجه الفائز بين بوليفيا وسورينام وإيطاليا مع إيرلندا الشمالية في الملحق    الأحد المقبل .. تدشين مخيم للعيون في الزهرة بالحديدة    1000 مقابل 30 .. روسيا واوكرانيا تتبادلان جثث قتلاهما    اللحم غير المطهو جيداً... مسبّب للسرطان؟    باتيس يشيد بدور نقابة المهندسين الجنوبيين بحضرموت في تعزيز العمل الهندسي    قبائل حرض تُعلن النكف وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا للتعبئة    المؤسسة الوطنية لمكافحة للسرطان تحتفي بإنجازاتها وتكرم مجموعة هائل سعيد أنعم كداعم رئيسي للمؤسسة    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    تشكيلات عسكرية.. حضرموت اليوم بحاجة إلى العقلاء، لا إلى مشعلي الحرائق.    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    "استنكار شديد": الأورومتوسطي يدين خروقات وجرائم جيش العدو في غزة    واشنطن: إنهاء حرب اليمن يتطلب وقف تدفّق الموارد إلى الحوثيين    انفجار عنيف يهز منطقة المصينعة في شبوة    الإصلاح يسلّم نفط مأرب للحوثي نكاية بالجنوب ورفضًا لوصول الإيرادات إلى عدن    توزيع هدايا رمزية عينية للأطفال المرضى بمستشفى الثورة بالبيضاء بمناسبة اليوم العالمي للطفولة    تراجع الذهب مع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    الصفقة السعودية ‐الأمريكية.. خطوة استراتيجية تعيد رسم موازين القوة    جرحى تعز يعلنون رفع الاعتصام من أمام الجوازات عقب اتفاق مع قيادة المحافظة    البنك الدولي يحذر من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن    10578 شهيدا وجريحاً من الأطفال في اليمن    الإمارات تتخذ ميناء بوصاصو مركزا للمؤامرة على اليمن والمنطقة    تركيا تتاجر بآلام غزة وتناور بورقة نتنياهو... وكذبة اعتقال النتن ياهو    أحسم الأمر قبل تفاقمه    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    الغيثي: استمرار شراكة الانتقالي مع حكومة الشرعية يدفن القضية الجنوبية    الجنوب بين معاناة الناس الحياتية وتسابق أجندة المصالح الخارجية    استعداد لمنع استيراد الملابس الجاهزة وتوفيرها محليا بجودة افضل    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    متقاعدون معاقون في عدن: راتب 25000 ريال لا يعيل أسرة ولا يغطي أجرة المواصلات    العزي يطلّع على سير العمل في ملعب الظرافي تمهيدًا لافتتاحه    خبير في الطقس: البرد سيبلغ ذروته خلال اليومين القادمين ودرجات الحرارة السطحية تنخفض إلى ما دون الصفر    الاتفاق بالحوطة يتغلب على البرق بتريم في البطولة التنشيطية الثانية للكرة الطائرة بوادي حضرموت    قراءة تحليلية لنص "عيد مشبع بالخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    المبعوث الأممي يناقش في مسقط جهود التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن    تعز.. مسلح يعتدي على قيادي تربوي وزوجته    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    العراق يستفيد من نتائج القارات ويخوض مباراة واحدة في الملحق العالمي    مدينة الوفاء والسلام المنكوبة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    رئيس سياسية الإصلاح: العلاقات اليمنية الصينية تاريخية ممتدة وأرست أساساً لشراكة اليوم    مهرجان "إدفا" ينطلق من أمستردام بثلاثية احتجاجية تلامس جراح العالم    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    تفاصيل اجتماع رونالدو مع الرئيس ترامب    الإعلان عن الفائزين بجوائز فلسطين للكتاب لعام 2025    فريق أثري بولندي يكتشف موقع أثري جديد في الكويت    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحة عن تاريخ الصحابة الحضارمة
نشر في عدن الغد يوم 22 - 09 - 2012


تمهيد
الكثير منا يجهل تاريخ حضرموت خصوصا فيما يرتبط بعصر النبوة والرسالة.. ومساهمة في تنوير النشء ولإفادة الراغب على اللإلمام بتاريخ أرضه وأسلافه أحببت أن أساهم بهذه الإطلالة الموجزة عن تاريخ هذا القطر المبارك، لكي تتحفز فيهم الهمم والعزائم فيتشبّهوا بالأسلاف، ويقتفوا آثارهم في العلوم والأعمال والأحوال والمعارف..ولذا سأركز مضمون هذا المقال في النقاط التالية:
· بيان كيفية وصول الإسلام إلى حضرموت.· تعداد الوفود الحضرمية الوافدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.· فوائد متعلقة بتاريخ الصحابة الحضارمة.· ذكر عمّال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حضرموت.· ذكر بعض مناقب مشاهير الصحابة الحضارمة. · ملخص حول حرب الردة في حضرموت.

وصول الإسلام إلى حضرموت:
إنّ أهل حضرموت كغيرهم من أهل جزيرة العرب سمعوا بالإسلام وتطوراته منذ كان مختفياً في وديان مكة إلى أنْ صار صاحب صولة وجولة يفاوضُ قريشاً على الدخول إلى مكة في العام السادس الهجري وكانت مواسم الحج ومواسم التجارة خيرُ وسيلة لسماعِ ونقلِ ما كان يدور ويحدثُ بالإضافة إلى إسلام بعض اليمنيين الذين أصبحوا في مناطقهم يدعون إلى الإسلام بناءًا على خطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتمت الاتصالات بين الدولة الإسلامية وأقيال حضرموت بواسطة الوفود الحضرمية الوافدة في السنة التاسعة والعاشرة من الهجرة مبايعة على الإسلام وقد اشتهرتْ هذه السنة بسنة الوفود([1]).

وفد وائل بن حجر الحضرمي:
ذكر بامطرف في (مختصر تاريخ حضرموت) أنّ وائل بن حجر بن ربيعة وكان أبوه مِن أقيال اليمن ملوكهم وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل المسجد فأدناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه وبسطَ له رداءه وأجلسه معه، ثم صعدَ النبي صلى ا لله عليه وآله وسلم المنبر وقال: أيها الناس، هذا وائل بن حجر سيد الأقيال، أتاكم مِن أرض بعيدة يعني حضرموت راغباً في الإسلام، فقام وائل وقال: يا رسول الله بلغني ظهورك وأنا في ملكٍ عظيم فتركته واخترتُ دينَ الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((صدقتَ، اللهم بارك في وائل وولده))، وفي رواية ابن كثير: ((اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده)).
قال ابن الأثير: استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأقيال مِن حضرموت، وأصعدَهُ على منبره عند وصوله وقال ((هذا وائل سيد الأقيال)) وفي رواية عند ابن الأثير أيضاً: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له ومسح رأسه.
وبعد أنْ أمضى وائل رضي الله عنه مدّةً يسيرة في المدينة المنورة ذاقَ فيها مِن حلاوة الإيمان ما ذاقَ عادَ إلى بلاده ناشراً للدعوة بين عشيرته وقومه، فكتبَ معه الرسول ثلاثة كُتُبٍ له ولقومه ذكرها الطبراني في (معجمه الصغير) فراجعها إنْ شئتَ في الكتاب المذكور.

وفد كندة:
ترأسَ هذا الوفد الصحابي الجليل الأشعت بن قيس الكندي، وقد تألّف هذا الوفد مِن ثمانين أو ستين راكباً كما ذكره الزرقاني في (المواهب اللدنية) ناقلاً عن ابن سعد في طبقاته وابن إسحاق في (سيرته) والإمام البيهقي في (دلائل النبوة) ثم عادوا دُعاةً في بلدانهم بعد أنْ تشرّفوا بشرَفِ الصُّحبَةِ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([2]).

وفد تجيب:
وهي قبيلة مِن كندة وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان عددهم ثلاثة عشر رجلاً، وقد جاءوا معهم بصدقات أموالهم، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم وأكرم مثواهم، وكان منهم غلام أقبلَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أنْ فرغ مِن استقبال جميع أفراد الوفد لأنهم تركوه حارساً على رحالهم لأنه أحدثهم سِنّاً فلما أقبلَ على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: يارسول الله أنا مِن الرهط الذين أتوك آنفاً فقضيتُ حوائجهم فاقضِ حاجتي، قال: وما حاجتك؟ قال تسأل الله عز وجل أنْ يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم أغفر له وأرحمه وأجعل غناه في قلبه)).. ثم أنهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى في الموسم القادم إلا ذلك الغلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟ قالوا: يارسول الله ما رأينا مثله قط ولا حُدثنا بأقنع منه بما رزقه الله فلو أنّ الناس اقتسموا الدنيا ما نظرَ نحوها ولا التفتَ إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله إني لأرجو أنْ يموت جميعاً، فقال رجل منهم أوليس يموت الرجل جميعاً يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعلّ الأجل يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيّها هلك.
قال الإمام العلامة برهان الدين الحلبي في سيرته المشهورة ب(السيرة الحلبية): ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجعَ مِنْ أهل اليمن وحضرموت مَن رجع عن الإسلام قامَ ذلك الغلام في قومه فذكّرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد، وجعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه يذكر ذاك الغلام ويسأل عنه ولما بلغهُ ما قام به كَتَبَ إلى زياد بن لبيد وكان عامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حضرموت يُوصيهِ به خيراً([3]).
وفد الجعفيين:
وقد وفدوا مِنْ بلد جردان بحضرموت وهي مِنْ أقدَمِ بلدان حضرموت كما ذكر السيد مرتضى الزبيدي في (تاج العروس)، وكان رئيسهم الصحابي الجليل قيس بن سلمه الجعفي رضي الله عنه وقد وَفَدَ معه جماعة مِن قومه، وكتبَ له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً جاء فيه ((مِن محمد رسول الله لقيس بن سلمه بن شرحبيل، إني استعملُك على مرّان ومواليها وحريم ومواليها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصدَّق ماله وصفَّاه))([4]).
وفد الصَدِف:
روى ابن سعد عن جماعة مِن الصَّدِف بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين قالوا قدِم وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم بضعة عشر رجلاً على قلائص لهم في أُزر وأردية فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما بين بيته وبين المنبر فجلسوا ولم يسلموا فقال: أَوَمُسلِمونَ أنتم؟ فقالوا: نعم. فقال: فهلا سلّمتم! فقاموا قياماً فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليكم السلام اجلسوا فجلسوا، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أوقات الصلاة فأخبرهم بها([5])، والصدِفُ بطنٌ مِن كندة.
وهناك وفودٌ حضرمية أخرى وفدَتْ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكتفي بذكرها لكي لا يطول بنا الحديث فمنها: وفد القبائل المذحجية الساكنة في وادي حضرموت وبوادي جردان تحديدا، ومنها: وفد صداء، ووفد مهرة، ووفد رهاء، ووفد بني عوذالله([6]) ، ووفد بني أود، ووفد النسيين([7]).
فوائد متعلقة بتاريخ الصحابة الحضارمة:
الفائدة الأولى: وردَ أنّ الأشعث حينَ قدِمَ إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطبَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخته قُتَيلة بنت قيس الكندي غير أنه توفي عليه الصلاة والسلام قبل أنْ تقدم عليه مِن حضرموت كما جاء ذلك في (السيرة الحلبية) في الكلام على زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم قال: ومِن جملتهن قتيلة بنت قيس الكندي أخت الأشعث بن قيس الكندي.. وأوصى عليه الصلاة والسلام بأنْ تُخيّر فإنْ شاءتْ ضرب عليها الحجاب وكانت مِن أمهات المؤمنين وإنْ شاءت الفراق فتنكح مَن شاءت فاختارت الفراق، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل حين نزل حضرموت في الردة([8]).
الفائدة الثانية : ذكرَ أهل التاريخ أنّ الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه تزوج مِن أمِّ فروة بنت أبي قحافة أخت الصديق رضي الله عنه وهي أم محمد بن الأشعث كما ذكر ذلك ابن سعد في (الطبقات) وابن الأثير في (أسد الغابة) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) وقال: وتزويج أبي بكر للأشعث بعد الفتح بثلاث سنين أو أربع([9]).
الفائدة الثالثة: ذكرالسيد المؤرخ العلامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه (الشامل) ناقلاً عن ابن جرير الطبري في تاريخه في سياق ذكره لأخبار الأسْوَدِ العنسي الدجال مُدّعي النبوة نزول الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى حضرموت مع أبي موسى الأشعري فأقامَ معاذ رضي الله عنه في قبيلة السكون مِن كندة وأبو موسى في السكاسك منها، ثم ذكر تزوج معاذاً رضي الله عنه إلى بني بكرة حي مِن السّكون وأنّ زوجته تُسمّى رملة فحدبوا لصهارته فيهم، وكان معاذ رضي الله عنه بها مُعجباً ولقد كان يقول فيما يدعوا الله به ((اللهم ابعثني يوم القيامة مع السّكون)) ويقول أحياناً: ((اللهم أغفر للسكون))، وذكر بامخرمة في (تاريخ عدن) ما نقله صاحب (الشامل) راوياً لذلك عن الجندي في (تاريخه) قال: وكان معاذ يتردد بين مخلافي الجند وحضرموت وعنه أخذ جماعةٌ مِن أهلها وصحبوه وتفقهوا به وخرجوا معه إلى الحجاز ثم إلى الشام وكان عمرو بن ميمون الأودي وأصله من حضرموت مِن خواص أصحابه ولم يفارقه حتى حَثَى عليه التراب بالشام سنة (18ه)([10]).
عمّال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حضرموت:
بعد إسلام أهل حضرموت أرسلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّاله وأمرائه للمهمات التالية:
‌أ- نشر تعاليم الإسلام وبيانها للناس.
‌ب- إصدار الأحكام الشرعية وتنفيذها على الرعية.
‌ج- الإمامة في الصلاة وخطبة الجمعة إذ كان الأمراء في ذلك العهد يؤمُّون الناس للصلاة ويخطبون لهم الجمعة والعيدين.
‌د- جمع الصدقة (الزكاة) بصفتها المورد الرئيسي للدولة الإسلامية وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ((فاعلمهم أنّ الله افترضَ عليهم صدقة تؤخذُ مِن أغنيائهم فترد على فقرائهم)) والحديث في الصحيحين.
وقد ذكرتْ كُتبُ التاريخ أسماء العمّال الذين أرسلهم رسول الله إلى قبائل حضرموت وهم كما قال ابن كثير في (البداية والنهاية): وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد الأنصاري، وعلى السكاسك قبيلة من كندة والسكون ومعاوية بن كنده عكاشة بن ثور بن أخضر وبعث معاذ بن جبل معلّماً لأهل البلدين اليمن وحضرموت ينتقل مِن بلد إلى بلد([11]).
وذكر الحافظ ابن عبد البر في (الاستيعاب): أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعملَ المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة القرشي المخزومي أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صدقات كندة والصدف([12]).
لمحة عن حياة الصحابي زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه :
اتفقتْ كلمةُ المؤرخين على أنّ زياداً كان عامل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على بلاد حضرموت وكان حظ أهالي حضرموت منه حظاً وافراً إذ اقتبسوا مِن أخلاقه وفضلهِ الشيء الكثيرة، ويذكر بعض مؤرخي الحضارمة أنّ أكثر مقامه بتريم وشبام ثم غيرهما مِن المواقع الرئيسية([13]).
أما ترجمة هذا الصحابي الجليل فنكتفي بما ساقه الحافظ ابن حجر في (الإصابة) حيث قال: أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقام معه بمكة حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فكان يقال له: مهاجري أنصاري شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلّها وتوفي في العقد الخامس مِن الهجرة أول خلافة معاوية ([14]).
من مناقب مشاهير الصحابة الحضارم:
يحسنُ بِنا في هذا المقال أنْ نعرّج على بعض محاسن مشاهير الصحابة الحضارمة فنقول: مِن مشاهير الصحابة الحضارم الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه الذي عُرف بأنه مجاب الدعوة والذي خاض البحر بكلماتٍ قالها وذلك مشهورٌ في كُتُبِ الفتوح ، وكان لَهُ أخ يُقال لَهُ مَيْمُون الحضرمي، وَهُوَ صاحب البئر التي بأعلى مكة التي تعرف ببئر مَيْمُون، وَكَانَ حفرها فِي الجاهلية([15]).
ومنهم: الصحابي الجليل قيسبة بن كلثوم التجيبي رضي الله عنه كان ممن شارك في فتح مصر، وقد تبرع بخطته في أرض مصر فزيدت في مسجد الفسطاط وعُوّض عنها فأبَى أنْ يَقبل، وفي ذلك يقول الشاعر لابنه عبد الرحمن:
وأبوك سلّم داره وأباحها ** لجباه قوم ركّعٍ وسجود([16])
- ومنهم شريح الحضرمي رضي الله عنه الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)) :ذاكَ رجلٌ لا يتوسدُ القرآن)) أي أنه لا ينام عن القرآن ولكن يتهجّدُ به ولا يكون القرآن متوسداً معه بل هو يداوم قراءته ويحافظ عليها([17]).
- ومنهم الصحابي الجليل غرفة بن الحارث الكندي نزيل مصر الذي قاتل مع عكرمة بن أبي جهل أهل الردة باليمن شارك في فتح مصروسكنها واختط بها دارا شهد حجة الوداع وكان من كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه([18]).
- ومنهم : ذهبن بن قرضم بن العجيل بن قثاث بن قمومي بن نقلل بن العيدي بن الآمري، المهري، من مهرة بن حيدان، وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان يكرمه لبعد مسافته، لأنه قدم من أرض الشحر، فلما أراد الانصراف أكرمه رسول الله وحمله، وكتب له كتاباً، فهو عندهم([19]).
- ومنهم الصحابي الجليل امرئ القيس بن عابس بن المنذر بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية الأكرمين الكندي رضي الله عنه([20])، شهد يوم اليرموك وكان على كردوس مِن كراديس الجيش، وحضر حصار حصن النجير وشارك في إخراج المرتدين مِن قومه بحضرموت ووثبَ على عمّهِ ليقتله، فقال له عمه: ويحك أتقتلني وأنا عمك! قال أنتَ عمّي واللهُ ربي! فقتله.
وقال بن السكن: كان ممن ثبتَ على الإسلام وأنكرَ على الأشعث ارتداده وأنشدَ له بن إسحاق شعراً يحرّضُ فيه قومه على الثبات على الإسلام ومِن شِعْرِهِ (مجزوء الكامل):
قف بالديار وقوف حابس ** وتأن إنك غير آيس
لعبت بهن العاصفات ** الرائحات من الروامس
ماذا عليك من الوقوف ** بهالك الطللين دارس؟
يا رب باكية علي ** ومنشد لي في المجالس
أو قائل: يا فارساً ** ماذا رزئت من الفوارس
لا تعجبوا أن تسمعوا ** هلك امرؤ القيس بن عابس
وكتب إلى أبي بكر في الردة:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ** وبلغها جميع المسلمينا
فليس مجاورا بيتي بيوتا ** بما قال النبي مكذبينا
-ومنهم ثور بن مالك الكندي رضي الله عنه([21]) ، كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله و سلم، وصحب معاذ بن جبل باليمن واستخلفه على كندة لما بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكرَ ذلك وثيمة في كتاب الردة عن بن إسحاق، وذكر له خطبة لكندة لما عزموا على الردة وذكر ردّهم عليه وما كان مِن أمرهم إلى أنْ أوقع بهم المسلمون، وهو القائل من أبيات:
وقلت تحلوا بدين الرسول ** فقالوا التراب سفاها بفيكا
فأصبحت أبكي على هلكهم ** ولم اكُ فيما أتوه شريكا
- ومن الصحابيات الحضرميات اللواتي اشتهرن بالمحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهناة بنت كليب الحضرمي([22]) التي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كسوة ثم دَعَتْ ابنها كليب بن أسد الحضرمي رضي الله عنه فقالت: انطلقْ بهذه الكسوة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه بها وأسلمَ، فدعا له، وقال كليب حين أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
من وشز برهوت تهوي بي عذافره ** إليك يا خير مَن يحفى وينتعلُ
تجوب بي صفصفاً غبراً مناهله ** تزدادُ عفواً إذا ما كلّت الإبلُ
شهرين أعملها نصّاً على وَجَلٍ ** أرجو بذاك ثوابَ الله يا رجلُ
أنتَ النبي الذي كُنّا نخبرهُ ** وبشَّرَتْنَا بِكَ التوراةُ والرسلُ
حروب الردة في حضرموت:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في 12ربيع الأول سنة (11للهجرة) على المشهور حدَثَ اضطرابٌ وارتباكٌ في أبناء الجزيرة العربية وارتدّ عن الإسلام بعض مَن لم يعهِ حقّ الوعي ولم يتمكن مِن فهمِ مبادئه مِن العرب.
أما في القُطرِ الحضرمي فقد ظهرتْ هذه الفِرَقُ المرتدة ومنهم الملوك الأربعة وهم جمد ومخوس ومشرح وأبضعة وأختهم العمردة كانوا ممن ارتدوا وشربوا الخمر وخلعوا ربقة الإسلام عن أعناقهم فقاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي وذكر المؤرخ علوي بن طاهر الحداد أنّ منازلهم بأعلى حضرموت([23]).
فلما امتنع بعض قبائل كندة مِن تأدية الزكاة للصحابي الجليل زياد بن لبيد، ومنهم الأشعث بن قيس الكندي وجماعة معه، سار إليهم بأهل تريم وكانوا مِن قبيلة حضرموت ومِن السكون والصدف وتجيب وجماعة مِن الصحابة قدموا إلى اليمن لما علموا بامتناعهم بقيادة المهاجر بن أمية وتجمعتْ جماعة الأشعث مِن كندة في موضع لها يُسمّى محجر الزرقان فحاصرهم المسلمون ونشبت بين الفريقين معركة طاحنة أسفرت عن هزيمة المرتدين ونصرة المسلمين عليهم، ثم إنّ كندة فرّت على إثر الهزيمة التي لحقتْ بها إلى حصن النجير فالتجأت به وهو على نحو ثلاثة أميال من تريم فقاتلوهم هناك حتى تم النصر، وبعث زياد رضي الله عنه بالأسرى ومنهم الأشعث بن قيس الكندي إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فاسلم فمن عليه وزوجه أخته أم فروة كما تقدم.
وحسن إسلامه رضي الله عنه ثم شهد اليرموك بعد ذلك بالشام والقادسية وحروب العراق مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنها، وسكن الكوفة وشهد مع علي رضي الله عنه صفين([24]).
وختاما نقول : بالنظر في كتب التراجم المعنية بالترجمة للصحابة تجد أنّ الصحابة الحضارمة مِن الكثرةِ بمكانٍ بحيث لا تتسعُ لبيان أحوالهم أمثال هذه العجالة وإنما تفتقر إلى كُتُبٍ مستقلة، وفي هذا الصدد يقول العلامة علوي بن طاهر الحدد: (لو استقصينا ذكرَ المحدّثين والرواة مِن الحضارم فقط وأردنا تراجمهم لاقتضى ذلك مجلداً وسطاً فكيف بما سوى ذلك) ([25]) .
ولتعلم أخي القارئ الحبيب أنّ هؤلاء الحضارمة قد ساهموا بعد ذلك في كثيرٍ مِن مجالات الخدمة العالمية كتعليم القرآن والسنة في الأمصار، ونشر الإسلام في العالم إذ أنّ الكثير منهم شاركَ في فتحِ الشام ومصر والمغرب وغيرها من البلاد، وقد سبق مقالٌ عرّج على دور الحضارمة في الفتوحات الإسلامية للأستاذ الباحث محمد بن أبي بكر باذيب حفظه الله فراجعه في العدد واحد من مجلتنا هذه.
([1]) انظر تاريخ اليمن في الإسلام حتى نهاية القرن الرابع الهجري ص70 للدكتور عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع والمختصر من تاريخ حضرموت لمحمد عبدالقادر بامطرف ص40.
([2]) انظر شرح المواهب اللدنية (10/160) ودلائل النبوة (5/370).
([3]) السيرة الحلبية (3/231) وقد ذكر القصة كاملة الإمام ابن القيم في زاد المعاد.
([4]) إدام القوت ص113 – 114.
([5]) سبل الهدى والرشاد (6/352).
([6]) ويقال عائذ بالله.
([7]) باذيب،محمد بن أبي بكر، جهود فقهاء حضرموت في خدمة مذهب الإمام الشافعي :1/68-74.
([8]) السيرة الحلبية (3/324).
([9]) الإصابة (4/483).
([10]) ينظر الشامل في تاريخ حضرموت ص140.
([11]) انظر الإصابة (2/494) وأدوار التاريخ الحضرمي (1/87) والمختصر في تاريخ حضرموت ص45 ودخول الإسلام إلى حضرموت ص30.
([12]) الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبدالبر بهامش الإصابة لأبن حجر (3/435).
([13]) أدوار التاريخ الحضرمي.
([14]) الإصابة (2/586) وأسد الغابة (2/273- 274) وأدوار التاريخ الحضرمي (1/87).
([15]) الإصابة (3/339).
([16]) العسقلاني أبو الفضل أحمد بن علي ،الإصابة في تمييز الصحابة: 5/388 ، تحقيق:عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض،الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت،الطبعة: الأولى - 1415 ه.
([17]) ابن عبدا لبر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب :3/1087،لمحقق: علي محمد البجاوي ،الناشر: دار الجيل، بيروت،الطبعة: الأولى، 1412 ه - 1992 م.
([18])الإصابة في تمييز الصحابة (5 / 318).
([19])الاستيعاب لابن عبدا لبر (1 / 340).
([20])الإصابة في تمييز الصحابة (1/112).
([21])الإصابة في تمييز الصحابة - (1 / 420)..
([22]) الإصابة(5/621) ترجمه رقم: 7455،(7/545) ترجمة رقم: 10956.
([23]) صفحات من تاريخ حضرموت 43- 44.
([24]) انظر أدوار التاريخ الحضرمي (1/90) وما بعدها، وصفحات مجهولة من تاريخ حضرموت ص44.
([25])الشامل ص 15.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.