فضيحة استخباراتية تهز أمريكا وألمانيا بعد الكشف عن تورط جهازي الاستخبارات للبلدين في عمليات تجسس ضخمة على أكثر من 120 دولة في العالم لعقود طويلة من الزمن. فما تفاصيل هذه الفضيحة وكيف نجحت أجهزة الاستخبارات في فك شفرات أسرار تلك الدول المنتشرة في جميع قارات العالم؟ اذاً تجسست وكالتا الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" والالمانية "بي إن دي" على نحو 120عدوا وحليفا لهما لعقود خلال الحرب الباردة جمعت المعلومات والأموال بشركة واحدة تسمى "كريبتو إي جي" ليبدو المشهد قريباً. لكن وسائل إعلام أمريكية وألمانية وسويسرية كشفت مجتمعة عن واحدة من أضخم عمليات التجسس في العالم من خلالها حصلت الوكالتان الشهيرتان على معلومات ضخمة من بلدان آسيوية ودول عربية وكذلك دول غربية عديدة حول عمليات اغتيال ومحادثات مختلفة سرية. يقول تحقيق استقصائي نشرته صحيفة ال"واشنطن بوست" الأمريكية والتي عنونته ب"ضربة القرن" ومعها صحيفة ال"تي دي إن" الألمانية ان عملية "رويبتو اي جي" إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.. فخلال الحرب صنع المخترع الروسي "بورس هاجلن" آلة تشفير محمولة وزعت الأجهزة الصغيرة على 140 ألف جندي أمريكي في ساحات القتال وبعد انتهاء الحرب انتقل "هاجلن" إلى سويسرا وهنا بدا العمل في تكنولوجيا التشفير تحت مظلة شركة "كيبتو اي جي" التي تربعت بمرور الوقت على عرش قطاع بيع أجهزة التشفير المحمولة وجنت مليارات الدولارات من 130 بلداً موزعاً على قارات العالم شملت كل الدول العربية تقريباً وتعد من أهم زبائن تلك الشركة بل ان السعودية تليها إيران أهم الزبائن على مستوى العالم بالإضافة على ليبيا ولبنان والأردن وسوريا ومصر وكذا الهند وباكستان والفاتيكان ودول أمريكا اللاتينية. بعد عام 1970م كانت المخابرات الألمانية "بي إن دي" والأمريكية "سي آي إيه" في إطار شراكة سرية للغاية تمتلكان أسهم شركة "كريبتو اي جي" للتشفير السويسرية عن طريق شركات مسجلة في دول تعد ملاذات ضريبية. عن تلك الفترة قال مدير مكتب المستشارة الالمانية ان عملية "ربيكون" جعلت العالم أكثر أمناً, وفي العام قررت المخابرات الألمانية الإنسحاب من العملية لتقوم المخابرات الأمريكية بشراء حصتها وواصلت العمل على البرنامج التجسسي الذي انطلق منذ السبعينات حتى العام 2018م. وفي ذلك العام تحولت "كريبتو إي جي" الى شركتين واحدة منهما تحمل نفس الاسم والشعار تقريباً. وعليه فإن المخابرات الامريكية ستستخدم تقنيات هذه الشركة سواءً كان بعلمها او بدون علمها. اذاً الأربعون عاماً والاستخبارات الأمريكية والألمانية تتجسس على 130 بلداً عدوا وحليفا تطلع على اتصالاتها السرية والرسائل الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية المشفرة. تقول ال"واشنطن بوست" ان عملاء الاستخبارات الأمريكية تلاعبوا على مدى عقود بتجهيزات الشركة لمعدات التشفير التي كانت تبيعها لزبائنها بغية فك الرموز التي كانت تستخدمها تلك الدول وبهذه الطريقة تمكنت ال"سي آي إيه" من مراقبة أزمة احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران عام 1979م وكذلك زودت بريطانيا بمعلومات عن تحركات الجيش الأرجنتيني إبان حرب جزر الفوكلاند وكانت الاستخبارات الأمريكية والألمانية على علم بعمليات اغتيال لسياسيين في امريكا اللاتينية وغيرها كما اتاحت هذه الآلية لوكالة الاستخبارات الامريكية كدليل على تورط ليبيا في استهداف ملهى ليلي في برلين عام 1986م وأسفر عن مقتل جنديين امريكيين كما تم التجسس على اتصالات الرئيس السادات بالقاهرة خلال مفاوضات كامب ديفيد للسلام بين مصر واسرائيل وهذا على سبيل المثال لا الحصر اللافت ان اربع دول استثنيت من عمليات التجسس تلك وهي اسرائيل والسويد وسويسراوبريطانيا. بالنسبة للاستخبارات الأمريكية فإن كشف قدراتها على التلاعب في التشفير ل130 بلداً كانت "ضربة القرن" على صعيد العمل الاستخباراتي فأعداء واشنطن وحلفائها يدفعون مبالغ طائلة مقابل تشفير اتصالاتهم لكنهم في الواقع كانوا يدفعون لقاء كشف اسرارهم من قبلها ولنحو خمسة اجهزة استخبارات اخرى هي الاستخبارات البريطانية والاسترالية والكندية والنيوزلندية وشريكتها الألمانية, كما كشفت التحقيق بوجود صلات سرية بين الشركة السويسرية ودول نافذة كروسيا والصين وقطر. تقول ال"واشنطن بوست" ان "كريبتو إي جي" كانت تستغل ثقة زبائنها بسرقة اسرارهم واموالهم وقد ردت وكالة الاستخبارات الأمريكية على التحقيق المنشور بصحيفة "الواشنطن بوست" انها على اطلاع على التقارير الاخبارية عما وصفته بالبرنامج الحكومي المزعوم وقال المتحدث باسمها "تيمثي بارت" ان ليس لدى الوكالة تعليق على الموضوع. من جانب آخر قالت الحكومة الألمانية انها معنية بمعرفة ما حدث من عمليات استخباراتية من خلال شركة "كريبتو" السويسرية للتشفير واضاف المتحدث باسم الحكومة في مؤتمرها الصحفي حول التحقيق ذاته انها تتعامل مع الاجهزة المختصة سواءً في البرلمان الالماني او لجنة مراقبة عمل اجهزة الاستخبارات التي ستبحث هذه القضية بشكل سري. فيما قالت وزارة الدفاع السويسرية انها بدأت تحقيقاً بشأن تقرير ال"واشنطن بوست" الشاهد اليوم ان هناك حرباً تجسسية قائمة على مستوى العالم منذ عقود من السنوات وهي امتداد لذلك بين امريكا والصين وروسيا واسرائيل وايران وحتى دول خليجية والقائمة تطول وهناك تنافس عالمي على امتلاك وسائل الحماية المختلفة لكبح جماح عمليات التجسس ومنع الاختراقات للأجهزة والمعلومات الحساسة للدول والافراد. لكن واقع الحال الآن يقول ان الملعب اليوم اصبح اكثر توازناً من حيث ان كل دول العالم عاجزة عن حماية نفسها من عمليات التجسس رغم انفاق مليارات الدولارات بهدف تحقيق ذلك والسبب يعود الى تقدم وتطور التكنولوجيا في كل ثانية من حياتنا- ان جاز التعبير- وشتان بين تطور يخدم البشرية وآخر يدمر الإنسانية والحياة.