وفي أعقاب الإنقلاب الدموي الغادر والجبان الذي شهدته صنعاء ظهيرة يوم الثلاثاء الحادي عشر من أكتوبر عام 1977 م , وذهب ضحيته الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي وشقيقه عبدالله الحمدي قائد مجموعة ألوية العمالقة , واثنين.آخرين من مساعدي رئيس الجمهورية المغدور به هما القائد العسكري علي قناف زهره وعبدالله الشمسي , وذلك بتخطيط وتمويل وإشراف سعودي مباشر على أعلى المستويات , جرى في أعقاب ذلك تنصيب المقدم أحمد حسين الغشمي الذي ينتمي إلى منطقة ضلاع همدان أحد ضواحي صنعاء رئيسا لسلطة الإنقلاب خلفا للحمدي وسط أجواء من الذهول والصدمة والحزن العظيم الذي خيم على أرجاء اليمن بسبب مقتل الحمدي وما ترتب على جريمة اغتياله من نتائج وتداعيات كارثية لاتزال البلاد تعاني منها حتى اللحظة . وقد أستهل الغشمي زعيم سلطة الإنقلاب فترة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز ثمانية أشهر فقط بالتضييق على رجالات عهد الحمدي وملاحقتهم والزج ببعضهم في السجون واغتيال البعض منهم. كما شرع أحمد الغشمي الذي كان يدير الدولة بعقلية المقوت في أعقاب تسلمه مقاليد السلطة بصنعاء بعد التخلص من إبراهيم الحمدي بإغتياله غدرا في محو كل مايمت بصلة إلى عهد الحمدي الزاهي ووقف الحراك.التنموي وعجلته الدائرة حتى أن أحجار أساس المشاريع التي حملت اسم الحمدي لم تسلم من شر الطمس والإستهداف الممنهج وجرى محو اسم الحمدي منها في محاولة عبثية يائسة ومفضوحة لإنهاء تاريخ مجيد لزعيم يمني كالحمدي ارتبط ارتباطا بأبناء شعبه إلى حد العشق والحب الخالد . ولم.تكتف سلطة الغشمي الإنقلابية المدعومة من النظام السعودي بذلك بل مضت دون اعتبار ولا حياء إلى تشويه سمعة وتاريخ الحمدي الناصع البياض بإختلاق الأكاذيب والدعايات الباطلة والمزاعم سعيا منها أو محاولة منها للتشويه والإساءة لرمز وطني سيظل اسمه خالدا ومحفورا في ذاكرة الشعب ووجدانه وفي سجل عظماء رجاله أبد الدهر. بيد أن جماهير الشعب اليمني الوفية لقائدها وزعيمها الرمز إبراهيم الحمدي لم تكن تتقبل ماقام به الغشمي ومن أتوا بعده متسللين إلى سدة الحكم تسلل المغامرين واللصوص مسنودين بغطاء ودعم خارجي وأجنبي مرفوض شعبيا , لم تكن هذه الجماهير المؤمنة بعدالة قضيتها ومشروعية زعامتها الوطنية ممثلة بشخص الحمدي تتقبل بأي حال من الأحوال مشروع الخيانة والعمالة والإرتهان والتبعية للخارج الذي جسده الغشمي وشركائه في جريمة اغتيال الحمدي. وفي دلالة منها على ذلك بل وتأكيد له صادف الغشمي يوم تشييع جنازة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ومعه كبار المسؤولين في الدولة والحكومة إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بحي باب اليمنبصنعاء مجموعة من حرائر اليمن والعاصمة صنعاء يقذفن الغشمي ومن معه بالأحذية , ويصرخن ساخطات حزينات غاضبات بأصواتهن الهادرة يتسائلن قائلات : أين الحمدي ياغشمي ?..”.. ولم تبد تلك النسوة خوف ورهبة من ردة فعل الغشمي الذي بدا يومها متواريا خلف مئات الجنود المدججين بالسلاح كفأر مذعور وبوجه قاتم ممتقع اللون. إن لحظات تاريخية فارقة شهدت تلك المواقف والأحداث وردود الفعل الشعبية العفوية الغاضبة تؤكد ضآلة وتقزم المنقلبين الدمويين الخونة أمام ارادة شعبية ووطنية خالصة وقيادة وسلطة شرعية مسنودة بحب الجماهير والتفافها جسدها شخص الرئيس الشهيد الحمدي وتؤكد تلك المشاهد الإنسانية المعبرة حينها أيضا عظمة شأن فقيد الوطن الغالي إبراهيم الحمدي وحقارة ووضعية من تآمروا واشتركوا في جريمة قتله واغتياله تنفيذا لإملاءات وإغراءات خارجية معروفة ومعلومة للجميع. وغير بعيد من تلك المواقف وردود الأفعال التي توالت ازاء جريمة اغتيال الحمدي وما نجم عنها وترتب عليها من آثار سلبية لاتزال تلقي بظلالها القاتمة على اليمن واليمنيين حتى اليوم.يقول الكاتب والمناضل اليساري المعروف عبدالله الشهاري في كتيبه الذي ألفه بعنوان : “ السعودية تبتلع اليمن “ بنبرة تساؤل ساخرة قائلا: “ وما ذنب الشعب اليمني حتى ابتلاه الله بهذا الزعيم الأصم الأبكم البورزان أحمد الغشمي ?!.. “ .. ولعل هذا التساؤل المنطقي والتعبير المتماهي مع الحقيقة ومنطق الأحداث والتاريخ هو لعمري أنسب مايمكن قوله في موقف عصيب كموقف جريمة اغتيال زعيم وطني يمني كإبراهيم الحمدي لم يكن ذنبه إلا الإنتصار لقضايا شعبه الوطنية والإخلاص لمن وضعوا فيه ثقتهم العظيمة كقائد منقذ ومخلص يعبر عن مايعتمل بصدورهم ويتلمس همومهم.واحتياجاتهم بلا كلل ولا ملل . بل إن ماأشار إليه الشهاري في كتيبه الذي قرأته بإعجاب وانبهار فيما يتعلق بتوصيف الغشمي وسلطته الإنقلابية قد أختزل الكثير من الحقائق في عبارة موجزة ومختصرة عبر بها عن الضمير الجمعي لبقية أبناء شعبه اليمني الذين أمضت قلوبهم جريمة اغتيال زعيمهم الحمدي بطريقة بشعة واسلوب غادر وهي جريمة لاتغتفر ولا يمكن أن تسقط بالتقادم مهما طال بها الأمد !.. ...... يتبع ......