يعتبر ال27 من مارس تاريخا منسيا من ذاكرة النضال والمقاومة اليمنية بالرغم انه يوم هزيمة واذلالا واندحارا وانكسارا للمحتل الأجنبي وعملائه بعد سبع سنوات من احتلالهم لمدينة الحديدة والساحل الغربي . فمرارة هزيمة المحتل قبل مائة عام لم ينساها فاراد من خلال ادواته ان يشن على اليمن قبل ليلة واحدة من ذلك التاريخ عدوانه في ال26 من مارس 2015م . حقائق الأرقام منذ التاريخ القديم وحتى عدوان 2015م تعرضت اليمن للعديد من الغزاة والمحتلين والطامعين وكان الساحل الغربي وجزره وموانئه بوابة عبور لجحافل الغزاة وكان اخطرهم واشدهم اطماعا واستراتيجية استعمارية المحتل الإنجليزي بوسائله المتعددة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا او عبر وكلائه وعملائه المحليين والإقليميين . ففي عام 1799م احتل الإنجليز جزيرة بريم علي . وفي عام 1820م تعرض ميناء المخا لقصف مدافع الإنجليز. وفي عام 1839 م احتلوا ميناء عدن . ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م احتل الإنجليز منطقة الشيخ سعيد المقابلة لمضيق باب المندب . وعام 1915م احتلوا جزر كمران وفرسان وزقر وجزر ارخبيل حنيش . وفي عام 1918م احتل الإنجليز ميناء الحديدة . وفي عام 1921م سلم الإنجليز ميناء الحديدة للإدريسي . وفي 27 مارس 1925م استطاع اليمنيون تحرير ميناء الحديدة والساحل الغربي من الادارسة عملاء المحتل الإنجليز. وفي 15 مارس 1915م قدم إلى المقيم الإنجليزي في عدن تقرير متكامل عن حالة العثمانيين العسكرية والسياسية والاقتصادية في اليمن حيث اشار التقرير إلى عدة حقائق وفيما يخص الحديدة يوجد ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة جندي بالإضافة إلى مجموعة مسلحة من السكان مع أربع مدافع جبلية ومدفعي ميدان . وفي الزيدية الزهرة اللحية والمناطق المتاخمة لعسير يوجد بها حوالي ثلاثة لآلاف وخمسمائة جندي . في بيت الفقيه و زبيد بها خمسمائة رجل ويوجد على الطريق بين الحديدةوصنعاء مراكز عسكرية عثمانية هامة وفيما يخص منطقة المخا والشيخ سعيد يوجد كتيبة بالمخا واخرى بالشيخ سعيد . ومن هذا التقرير يتضح مدى اهتمام العثمانيين بنشر قواتهم وحامياتهم في المراكز الساحلية وعلى الطرق الرئيسية كطريق الحديدة - صنعاء . سياسيا حاولت الدبلوماسية الإنجليزية مرتين في اواخر 1914م وفي اغسطس عام 1915م أن تجر حكومة صنعاء إلى الحرب ضد العثمانيين ووعدتهم في مقابل ذلك أن تعترف باستقلالها الا ان الإمام يحيى التزم بالحياد طوال فترة الحرب ولم يشارك جنده فيها ولكن كان للحرب اثرها في توقف التبادل التجاري مع العالم الخارجي نهائيا بسبب حصار السواحل اليمنية من قبل الاسطول البريطاني وتحالف الإنجليز مع الادريسي صاحب عسير . وفي يوليو 1917م طالب الإمام يحيى بالاعتراف بسيادته على الاراضي الممتدة من الرأس الخالي ( 60 كم عن منطقة القنفذة ) حتى حضرموت ضمنا واستمرت المفاوضات اكثر من عام دون جدوى ولم تقبل سلطان المحتل الانجليزي بعدن شروط الإمام . وفي أواخر عام 1917م كتب هارولد جاكوب من القاهرة تقريرا عن الحدود المستقبلية لبريطانيا في اليمن (... أما بخصوص المدن الساحلية كالحديدةوالمخا وموانئ الزرانيق فيجب إدخالها في النفوذ البريطاني وخاصة الحديدة التي يجب أن تصبح تحت التأثير البريطاني ... ) وفي 30 اكتوبر 1918م وقع ممثلو الباب العالي اتفاقية الهدنة في مدينة مدروس وقد نص البند السادس عشر من الاتفاقية على استسلام جميع القوات العثمانية وتصفية الادارة التركية تصفية تامة في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والحجازواليمن فوضعت القوات العثمانية المرابطة في لحج السلاح وسلمت نفسها الى سلطات الانجليز في عدن الا ان قسما من القوات العثمانية بقيادة والى اليمن محمود نديم بك حوالى 800 جندي رفضوا الاستسلام للإنجليز والتحقوا بقوات الإمام يحيى وفي نوفمبر 1918م دخل الإمام يحيى العاصمة صنعاء فقد اعترف به محمود نديم رسميا بوصفه الوريث الشرعي للإدارة العثمانية ولم يخف الامام يحيى نيته في توحيد اليمن كله بما فيه المناطق الواقعة تحت الحماية البريطانية فاعلن للسلطات في عدن بانه لا يعترف بالاتفاقيات التي وقعتها الادارة العثمانية مع بريطانيا ولا سيما معاهدة 1914م الانجلو عثمانية التي صادقت على الحدود بين شمال اليمنوجنوبه كما رفض الإمام يحيى اتفاقيات الحماية التي فرضتها بريطانيا على امارات وسلطنات جنوباليمن لكننا نجده بعد ذلك يرتكب خطأ تاريخيا حينما عقد معاهدة 1934م مع الانجليز . احتلال الحديدة لم تكن الاستراتيجية الاستعمارية الإنجليزية راضية اطلاقا بتأسيس الدولة اليمنية القوية الموحدة بزعامة الإمام يحيى ومنذ الايام الأولى بعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م ) قاموا بمحاولات لعرقلة توحيد اليمن فقد تذرعت بريطانيا بأن استسلام القوات العثمانية غير كاملا في اليمن واحتلت في ديسمبر 1918م الساحل اليمني من ميناء اللحية حتي الحديدة التي هي اكبر ميناء في اليمن الشمالي يجرى من خلاله الجزء الأساسي من التداول التجاري الخارجي للبلد وسلم الانجليز ميناء اللحية الى الإدريسي بينما ظلت الحديدة تحت السيطرة الانجليزية . وكان احتلال القوات البريطانية لميناء الحديدة قد حرم المناطق الداخلية في اليمن من المنافذ الى البحر الأحمر وقطع صلاتها التجارية مع العالم الخارجي وواجه اليمن وضعا اقتصاديا صعبا فقد حرمت الحديدة من مؤخرتها الداخلية كما عزلت المناطق الجبلية اليمنية عن اهم ميناء لها وتقلص عدد سكان الحديدة إلى عشرة آلاف نسمة بعد أن كان قبل الحرب ثلاثين الف نسمة وشلت الحركة التجارية والنشاط الاقتصادي والذي كانت مزدهرة سابقا و كان هذا ليس هدف المحتل الإنجليزي فحسب بل عمدا إلى ايجاد دولة ساحلية بحدودها من المخا حتي ميدي وبعض المناطق الداخلية كباجل وبرع وريمة من خلال رفع مذكرة باسم اعيان وسكان تلك المناطق إلى عصبة الأممالمتحدة يطالبون بالاستقلال كدولة منفصله عن حكومة صنعاء وبذلك يتحقق للمحتل الإنجليزي اهدافه الاستعمارية والتي نراها اليوم تعود بعدوان 2015م عبر ادواته الجدد - . وبموجب شروط اتفاقية 1915م الانجلو سعودية غدت امارة ابن سعود بنجد في تبعية لبريطانيا وخضعت امارات الخليج العربي بالكامل لبريطانيا خلال الحرب ولم يحرز الاستقلال شكليا من بين كل الاقطار العربية الا اليمن الشمالي لكن اليمانيين المطوقين والمحاصرون باتباع بريطانيا اضطروا امدا طويلا للنضال من اجل توحيد الوطن واحراز الاستقلال الكامل والتام حرب اقتصادية لقد كانت سياسة بريطانيا في العشرينيات من القرن الماضي تستهدف اخضاع اليمن الشمالي لنفوذها وعزله عن الدول الاخرى فكان من اهداف تلك العزل تسليم الحديدة اهم ميناء في شمال اليمن إلى الإدريسي الموالي للإنجليز آنذاك وتم ذلك وفقا لقرار الحكومة البريطانية في يناير 1921م وجرى رسميا تبرير هذا التسليم بتعزيز الصداقة مع الإدريسي ومكافاته على الخدمات التي قدمها في محاربه العثمانيين بالرغم أن حقيقة اسباب التسليم غير ذلك. وبعد ان سلم الإنجليز الحديدة إلى الإدريسي ركزوا جهودهم الى جر الإمام يحيى إلى فلك نفوذهم وعزله وقطع اتصالاته مع العالم الخارجي فجعلوا من ميناء الحديدة كالطعم للإمام يحيى في المفاوضات فمقابل اعترافه بحدود التقسيم الانجلو عثماني لليمن إلى شطرين يكون هناك تعديل في تلك الحدود بحيث تغض بريطانيا الطرف وتتنازل عن بعض اجزاء من المحميات التي سيطرا عليها قوات الإمام يحيى لكن المحتل الإنجليزي اصر على ابقاء اليمن معزول عن المنافذ الرئيسية على البحر واستحالة التنازل للإمام عن أي جزء من الساحل أي انهم لم يتنازلوا عن الحديدة وتوجيه التجارة الخارجية اليمنية صوب عدن ليكون المنفذ الوحيد لتجارة صنعاء الخارجية والعمل على تجميد التجارة من خلال مرفأ الحديدة . وامام ذلك توغلت قوات صنعاء مسافة تقدر بأكثر من 40 كم في أعماق محمية عدن في منطقة الضالع وتقدمت في منطقة الصبيحة بلحج . ومن ثم دخل الإمام يحيى مع الإنجليز في مفاوضات طيلة اربع سنوات منذ 1921- 1924م دون جدوى فقد كان المحتل الإنجليزي يشترط تسليم الحديدة للإمام مقابل اعترافه بحدود شطري اليمن الذي عقدت مع العثمانيين قبل الحرب العالمية الأولى وهذا ما رفضه الإمام يحيى . ولم يوافق على اي تنازلات واستدع مبعوثه من عدن دون ان يوقع على أي اتفاقية مع المحتل الإنجليزي . المقاومة الوطنية ظلت العلاقات بين الإنجليز والإمام يحيى دون تسويه وخلافا لجهود الإنجليز تزايد نفوذ صنعاء في حين كانت دويلة الادارسة التي انشئت بمساعدة الإنجليز كدولة حاجزه راحت تتلاشي بسبب صراعهم على السلطة بعد وفاه مؤسسها وظهور ابن سعود في نجد وسيطرته على مناطق يمينة في عسير التي كانت تتبع الإدريسي . ففي 1924م اعلن مصطفي الإدريسي الذي كان يسيطر على المناطق الجنوبية من امارة الادارسة بما فيها مدينة الحديدة عن استقلاله وشن حرب ضد ابن اخيه على الإدريسي في صبيا وادت الازمة السياسية لدويلة الادارسة الى اضعاف سلطتهم في الساحل لدرجة كبيرة وتهيأت للإمام يحيى امكانية استعاده ميناء الحديدة بقوة السلاح دون طاولة الحوار والتفاوض مع المحتل وكذلك فك الحصار الاقتصادي على المناطق الداخلية لليمن لذا نشطت العمليات الحربية لصنعاء ضد الادارسة الذين يحتلون الساحل اليمني بعد ان كان الإمام مشغول بإخماد عصيان قبائل وثورات رافضه توليه الحكم .فتمكن من تخصيص قوات كبيرة لمحاربه الادارسة وبنفس الوقت تقوت علاقة صنعاء بإيطاليا التي زودته بالسلاح مما اثار قلقا شديدا ومخاوف الإنجليز في عدن فالذخيرة والسلاح الايطالي ليس سبب ذلك الانتصار وتحرير المناطق الساحلية والحديدة . بل أن السبب الأساسي لانتصار صنعاء هو انتقال قبائل تهامة وبعض قبائل عسير إلى صف جيش الإمام يحيى فقد كان استئناف عودة الشريان التجاري الاقتصادي التقليدي والاساسي الذي قطعة المحتل الإنجليزي بصورة مفتعلة بين المناطق الداخلية الجبلية في اليمن وساحل البحر الأحمر هو العامل الرئيسي الذي خفف لدرجة كبيرة من النزاع والصراع الداخلي لليمنيين وجعلهم يدركون خطر المحتل والغازي ليقفوا في خندق واحد بتلاحم وطني ضم جميع قبائل وشعب اليمن لمواجهه مخططات المحتل الإنجليزي . فقد قطعت احدى قبائل تهامة مواصلات الادارسة التي تربط بين ابو عريش والحديدة وبذلك قدمت دعما نشيطا للإمام يحيى وفي الوقت ذاته تمردت على الادارسة قبيلة الشيخ مصطفي النعيمي وكفت القبائل اليمنية القريبة من عاصمة الادارسة مدينة صبيا عن تأييد الحاكم الإدريسي وانتقل بعض قادة عساكره إلى قوات حكومة صنعاء ولم يبقى على الولاء للإدريسي الا حرسة المكون من العبيد والمرتزقة . يوم التحرر وبتصدع الدويلة الادريسية صنيعه المحتل الإنجليزي من الداخل استطاع الإمام يحيى في بداية عام 1925م ان يطردهم من قسم كبير من اراضي تهامة اليمن واستعادت قوات صنعاء مراكز سكنية كبيرة بما فيها مدينة باجل الواقعة على خط الحديدة – صنعاء . وفي بعض قطاعات الجبهة اخترقت الفصائل اليمنية الحصار ووصلت إلى سواحل البحر الأحمر . الا ان اتجاه الضربة الرئيسية تركز على الحديدة الهدف الأول لحرب حكومة صنعاء ضد الادارسة ومن يساندهم المحتل الإنجليزي . ففي 27 مارس 1925م تم بلوغ هذا الهدف حيث تمكنت القوات اليمنية بقيادة الأمير احمد نجل الإمام يحيى من تحرير الحديدة وبمساندة قبائل تهامة طرد الادارسة من الساحل اليمني وازاحتهم حتى مدينة ميدي . وعلى اثر استعادة صنعاء لميناء الحديدة اتخذت عدة تدابر لاستئناف التجارة الخارجية اليمنية بأسرع ما يمكن . وبقرار من الإمام يحيى خفضت الضرائب الجمركية على البضائع التصديرية من 10% إلى 2% وعلى البضائع المستوردة من 10% إلى 2.5% . ووعد الإمام يحيى اهالي تهامة بتخفيض بعض الضرائب الاخرى التى ارتفعت كثيرا في عهد الادارسة . إلى ... العملاء ! ليس عبر طاولة المفاوضات والحوار مع المحتل حرر اليمنيون ميناء الحديدة المركز الحساس والرئيسي في التجارة الخارجية لليمن وبذلك بدد نهائيا آمال الدبلوماسية البريطانية في استخدام الحديدة كورقة رابحة في المفاوضات بشأن اعتراف الإمام يحيى بحدود عام 1914م بين اليمن الشمالي ومحمية عدن آنذاك . ومع سيطرة صنعاء على ميناء الحديدة والساحل الغربي اخذت الاوساط الاستعمارية البريطانية تفهم حتمية سقوط امارة الادارسة التي خلقوها بصورة مصطنعة ولذا وزنت بريطانيا الأمور عبر برجماتية الفائدة فتركت حليفها الإدريسي الميؤوس منه في كف القدر. ذلك هو مصير العملاء والدويلة المفتعلة التي أدت كل الوظائف التي كلفتها بها حليفها الاكبر ونعيد الى الاذهان كيف استخدمت ايطاليا الادارسة في فترة الحرب العثمانية – الايطالية وكيف تخلت عنهم فيما بعد والآن ادركت بريطانيا حتمية هزيمة الادارسة فقررت الا تنفق الاموال عبثا على استعادة ما تتعذر استعادته . وهنا يعيد التاريخ نفسه بصنع عملاء جدد يعترفون بهم سواء كأمراء وسلاطين او عبر قيادة مليشيات مسلحة ومنحهم مناطق يسيطرون عليها وما ان تنتهي مهمتهم يلقوا نفس مصير الإدريسي وسلاطين جنوب الوطن والشريف حسين والقائمة تطول .