أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الشهير بالهمداني من أشهر المؤرخين والجغرافيين في اليمن ويعتبر كتابه الإكليل الذي ألفه في حوالي عام 940-930م من أهم الكتب التاريخية، وفيه لم يتم إتباع الخط التاريخي كما في بقية كتب التاريخ و يمكن للمرء أن يفسر التطور غير المتكافئ لكتابات التأريخ واختلاف الروايات فيها بالرجوع إلى الأوقات المختلفة التي مرت بها الأمة الإسلامية حتى فترة سقوط العباسيين وفقدان سيطرتهم على المناطق المختلفة والطريقة التي انتهت بها هذه الأسرة الحاكمة، لكن مبادئ تصور الزمن والوحدة هي ما يتطلب الاهتمام، إن أنماط تصور الزمن هي تلك الخاصة بتصور المجتمع، ويمكن العثور على منطق يربط أحد هذه الأنماط بآخر ، يذكر الهمداني في كتابه انه بسبب هيمنة الأدب الزيدي نجد أن الطريقة التي تعرف بها القبائل محجوبة إلى حد كبير، ويمكن توضيح هذه النقطة بسهولة بالرجوع إلى ما ذكره وهو يتناول زعماء حاشد. أبناء العباس هم الضحاك ورزام وسعيد الحولي وكلهم قاتلوا في حرب بكيل وفي هذه الحرب أيضا قُتل رزام على يد أبو عيينة العبدي سيد أرحب وأنجب الضحاك محمداً وكان زعيماً لحاشد أيضاً واغتاله ابن مسعود عبد أبي يعفر بأمر الأخير فغضبت همدان من هذا الفعل وقامت حاشد وبكيل مع الدعام بن إبراهيم بن ياس العبدي سيد بكيل وانتقم من المملكة اليعفرية وكانت نهاية المملكة ، كان إبراهيم بن ياس العبدي سيد همدان في زمانه وأعظم من كل أسلافه في قوته ومهارته في السلاح ، إن التناوب في الصراع بين بكيل وحاشد من جهة وبين القبيلتين كجبهة موحدة أمام أي عدوان خارجي استمر لفترة طويلة بين بكيل وحاشد على أن أفعالهما ليست قابلة للقياس، ولا يمكن اختزالها في قصة واحدة تشترك القبائل والطوائف في شروط العالم الأخلاقي ، لكن هذا العالم نفسه كانوا يقسمونه فيما بينهم ومن الواضح أن التجربة غير مشتركة وستكون هناك دائماً روايتان على الأقل لكل ما يحدث كما أن ترتيب الأحداث حسب التسلسل الزمني أو الموازي أمر غريب عن وجهة النظر القبلية، ومن المناسب تماماً على سبيل المثال يجمع الهمداني أخبار القبائل التي قضت على الدولة اليعفرية من روايات مشتركة من مصدرين مختلفين من حاشد وبكيل، وان التعارض بين القبائل هو وحده الذي يعطي لمعظم الأحداث قيمتها ويمكن التعبير عن مثل هذه المعارضة أو تمثيلها ولكن لا يمكن تفسيرها كما أن روايات الصراع لا تشوه تناسق الشرف من خلال إظهار التغيير والتبعية: فالحروب بين حاشد وبكيل أو همدان وخولان أو همدان ومريد على سبيل المثال لم يؤرخ أي منها، ولم يذكر التاريخ أي منتصر أو خاسر في هذه الحروب وبنفس المنطق فإن كل خط من النسب في رواية الهمداني من المحتمل أن يكون مساوياً لكل خط آخر فلا شيء يأتي أولاً أو ثانياً في سرد الأحداث التاريخية. نوف بن همدان بن مالك على سبيل المثال كانت لديه القوة والشهرة لكن عمرو شقيق نوف كان لديه الشرف والسيادة على حد سواء ، كان لا بد من بناء الماضي لإنتاج تقليد متماسك يمكن أن ينشأ منه بعد ذلك نظام حكم متماسك ولا يمكن للقبائل بطبيعتها أن تنتج مثل هذا التماسك في أي من الحالتين على الرغم من أن رجال القبائل قد يكونون بالطبع منخرطين في هذه الأنماط الأخرى لتعريف أنفسهم والعالم من حولهم بهوية البلاد والنظام الاجتماعي و التقليد المكتسب وبذلك فهو يؤسس أشياء لنظام قبلي مميز في هذه المنطقة وهي جزء من محاولة تعزيز النظام الإسلامي وفي المقابل فإن النظام القبلي كما رأينا في كتاب الهمداني لا يسجل عدم المساواة داخل القبيلة ولا بين القبيلة والأفراد من خارج القبيلة وبالنسبة لرجال القبائل أنفسهم فإن تعميم الالتزام بالنظام القبلي يتطلب منهم اللجوء إلى تاريخ الأسر الحاكمة أو التسلسل الزمني بغض النظر عن أهميتها الإثنوغرافية ، ما كان يفعله رجال القبائل لم يكن دائماً غير مرئي على سبيل المثال في فترة حرب القاسمي الكبرى ضد الأتراك في بداية القرن السابع عشر يجد المرء تفاصيل عن الدعم المُخجل من القبائل والنزاعات حول مرافقة الجيش وتأمين الطرق لهم لكن ما خضعت له القبائل من تغيرات ليست بسبب الظروف المحيطة بهم بقدر ما هي اختلافات في السياسة الداخلية في اليمن والمتعلقة بمجموعة مختلفة من الارتباطات بين الداخل والخارج.