قراءة من كتاب البنيان المرصوص الجزء الثاني لمؤلفه العميد القاضي د\ حسن حسين الرصابي . في تاريخه الطويل وفي اطار المنظومات البحرية لم تصل الأمور الجيوسياسية والأحداث في حوض البحر الأحمر الى هذا الحد الخطير والى الاحتقان الكامل والصراع الدامي الذي يبدوانه قد خرج عن السيطرة وتحديداً السيطرة الأمريكية الغربية والأول مرة في تاريخ الصراع تشهد مثل هذه المواجهة وتصبح اليمن دولة مؤثرة عسكرياً بعد أن استطاعت أن تستخدم منظومة الصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة وصواريخ الكروز والصواريخ البحرية .. وزاد الأمر تعقيداً القدرات النوعية في استخدام الزوارق المفخخة وادخال الغواصات المفخخة الموجهة والطيران المسير واجادة استخدامها في أول مواجهة مع السفن الأمريكية والبريطانية والالمانية والايطالية .. واستطاعت اليمن أن تفرض معادلاتها العسكرية وقواعد اشتباك بحري على أخطر وأكبر قوة دولية كانت تجوب البحار والمضائق وتفرض إرادتها على دول عديدة وتستأثر بموقف مؤثر .. ولكنها امام اليمن بدأت تكشف عورات عديدة في انظمتها وفي أساليبها حتى انه جرى سحب حاملات طائرات وفرقاطات وبدأت الرواية العسكرية للغرب تكشف عن نواقص عديدة وعن ضعف واضح في التعامل مع التحديات الكبيرة التي وضعتها اليمن امام دول نفوذ عالمي .. وهذه معطيات جديدة جعلت قوة دولية متربصة بالأمريكان تسارع الى دراسة ذلك والى اخذها في الاعتبار .. ونعني هنا .. روسيا والصين وكذا إيران .. فقد تبين للمراقبين في هذه الدول أن أمريكاوبريطانيا مجرد قطط قائمة على الوهم وعلى تضخيم الوهم الدولي وان قدراتها ليست بالصورة التي تظهرها وسائل الحرب النفسية والدعاية والماكنة الاعلامية الغربية التي ضخمت من حجم القدرات الفعلية , فيما هي أقل بكثير مما تدعي وما تعلنه . وقد أكدت المواجهة الدامية على جملة من المسائل يمكن ايجاز أبرزها : 1- ان القواعد المنظمة للملاحة البحرية في البحر الأحمر تتطلب قراءة اخرى واجراءات أكثر فاعلية تضمن للجميع الابحار الآمن وتضمن في ذات الوقت عدم تغول الصهاينة التي ثبت انهم هم من يحرك الاساطيل وهم من يوضعون قوتها لصالحهم ولخدمتهم .. 2- أن دولاً عديدة وقوى دولية واقليمية أخرى اصبحت لا تثق بما تطرحه واشنطن التي هي أداة سهلة بيد الصهيونية .. وحدث ما يشبه التمرد على الدور الأمريكي ويكفي الاشارة إلى الاهتزازات الواضحة التي غلبت على ما يسمى تحالف حارس الازدهار ،،!! 3- تردد واضح المنظومة الاقليمية وتحديداً السعودية والامارات ومجلس التهاون الخليجي الذي تحفظ كثيراً عن المشاركة في تحالف حارس الازدهار , وبدء حراك خليجي تمنع عن الانسياق خلف حسابات أمريكا أو بريطانيا .. وشعرت بذلك واشنطن , مما يوحي بان مرحلة من الشراكات سوف تبدأ تفرض ذاتها على العلاقات الدولية في قادمات السنوات القلائل القادمة.. 4- ان الأساطيل البحرية والفرقاطات والسفن لم تعد وسيلة ضغط كافية في أي صراع أو علاقات شراكة أو علاقات مواجهة وان بمقدور اسلحة الصواريخ والطيران المسير أن يحدث فارقاً في أطار أي مواجهة أو قتال أو صراع في المنطقة وتحيداً في البحر الأحمر وخليج عدن . ومن هذا المنطلق فان الصراع والصراع الدامي والتنافس العالمي في البحر الأحمر قد أسهم في وضع الحروف الأولى لنظام دولي لن يكون أحادياً ولن يسمح بان تتنمر الدول المتغطرسة على غيرها أو تخدم اتجاهات مثل الصهيونية العالمية التي كشفت عن وجه قبيح وعن توحش لم يعد العالم يطيقه أو يتقبله . وهكذا اثبت أن اليمن رغم فقره ورغم محدودية موارده خلال هذه المرحلة قد احدث متغيرات في الاستراتيجية والمفاهيم الدولية وقد وضع امام العالم أجمع اسئلة ستظل تبحث عن اجابات ولن يكون في مقدور الوعي الدولي ان يتجاهلها أو يمر عليها مرور الكرام .. وواضح ان العالم في هذه المرحلة يعيش صدمة أن كل اقتصاده أو جزء مهم من اقتصاده قائم على المجرى الملاحي في البحر الأحمر وخليج عدن وان ما يسمونه سلسلة انتاجيات العديد من الصناعات الحيوية والخدماتية المعرفية التي تحتاجها المجتمعات الاوروبية الغربية بشدة .. وقد تأثرت بما يجري في البحر الأحمر ومن الواضح ان اقتصاديات أوروبا تعيش ترنحاً ويعاني من اعباء كبيرة جراء ما تشهده منطقة البحر الأحمر وخليج عدن .. ومن المؤكد ان العالم واوروبا غير قادرين على فرض أي موقف على تل أبيب أو بمقدورها الجام الجموح الصهيوني وتوحشه الذي يمارس ضغوطه على اوروبا والغرب وعلى منظومات الحكم فيه .. والأول مرة تتكشف مثل هذه الحقائق علناً وتجد من يتحدث عنها , بل ويعبر عن رفضه لها .. ويجعل التساؤل قائماً لعل آن أوان أن يتحرر القرار الغربي من سطوة الصهاينة وتغول الصهيونية .