قراءة من كتاب البنيان المرصوص لمؤلفه العميد القاضي د\ حسن حسين الرصابي. منذ أقدم العصور والبحر الأحمر يعد شرياناً حيوياً للمواصلات ووسيلة التبادل التجاري والحضاري بين البلدان المحيطة به من جانب , وبينها وبين البلدان الأخرى من جانب اخر.. ومع اتساع نطاق التبادل التجاري خارج النطاق المحيط به وخاصه بين الشرق والغرب ازدادت أهمية هذا البحر , وتطلعت الدول التجارية للسيطرة عليه كطريق حيوي لنشاطها التجاري الذي أصبح يمثل عصب حياتها الاقتصادية فاهتم الأوربيون بتجارة هذه المنطقة وسلعها فقاموا بنقلها إلى أوربا وتر ويجها في بلادهم حتى اصبحت تدر لهم أرباحاً طائلة فزاد ذلك من نشاط الحركة التجارية في البحر الأحمر. قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح كانت تجارة الشرق تنقل عبر ثلاث طرق الطريق الأوسط تنقل فيه البضائع بحراً إلى هرمز, ومنها إلى شط العرب فبغداد وتحملها القوافل إلى حلب وأنطاكيا والشام , وأحياناً القاهرة والإسكندرية, والطريق الجنوبي على البحر الأحمر تحمل فيه البضائع على السفن العربية من الهند والشرق الأقصى إلى سواحل البحر الأحمر , ومنها تنقلها القوافل إلى القاهرة والإسكندرية . أما الطريق الثالث فهو متشعب من الهند والصين ويخرج عن نطاق موضوعنا. الصراع الدولي حول البحر الاحمر والذي تمخض عنه الكثير من المؤثرات التي مازالت منطقة البحر الأحمر تعاني من وطأتها . وفي الحلقات السابقة تحدثنا عن الاطماع الاستعمارية في البحر الاحمر بشكل عام وسنتناول هذا الموضوع بالدراسة لهذا الموقع الذي يعد من أخطر المواقع الجيوبوليتيكية على خريطة العالم السياسي ويلعب دوراً كبيراً وخطيراً في العلاقات الدولية حتى قبل افتتاح قناة السويس ألا وهو البحر الأحمر. وبحكم كونه طريقاً بحرياً استراتيجياً فقد أصبح إحدى بؤر الصراع الدولي, و جزءاً هاماً من الاستراتيجية العالمية ومما حفز الدول الكبرى للسعي لأحكام السيطرة عليه وإيجاد موطئ قدم فيه . ولقد احتلت منطقة البحر الاحمر أهمية كبيرة في الاحداث الدولية عبر التاريخ لأهميتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية . ومن خلال تناول للصراع الدولي حول البحر الاحمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد اخذنا بنظر الاعتبار الخلفية التاريخية لهذا الصراع لاقتناعنا بأن هذه الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها البحر الأحمر لم يكتسبها اليوم بل أنها ضاربة الجذور في اعماق التاريخ بالإضافة أن تناول الخلفية التاريخية للبحر الاحمر يهيئ لنا الفرصة لتتبع أحداث المنطقة مروراً بمختلف المراحل ومختلف القوى الاجنبية الاستعمارية التي دأبت في السعي لوضع يدها على هذا الشريان الحيوي المهم. اليوم وفي العصر الحديث يمر حوض البحر الأحمر بمرحلة لم يشهد مثلها في تاريخه كل هذا الاحتفاء والتحشيد والاهتمام المتضاعف , رغم ان أهمية هذا الممر الملاحي العالمي قد برزت طوال العهود السابقة منذ أن أنطلق ما اصطلح عليه الاكتشافات الجغرافية إلا أن هذه المرحلة اندفعت الحشود الغربية الامريكية لها سمة خطيرة انها تحررت كثيراً من المغالطات السابقة التي كانت تتخفى خلفها ولأول مرة يبدوا الوجه القبيح للأطماع الأجنبية وكذا لخدمة الأجندة الصهيونية .. مما جعل المراقبين يصابون بالخيبة من ان القرار الامريكي والعربي خانع كل الخنوع لخدمة تل ابيب واندفاعها المحموم لتجييش الاساطيل وتحريك البوارج وحاملات الطائرات إلى حوض البحر الأحمر والى خليج عدن في ادعاء حماية الملاحة الدولية مع أن الملاحة الدولية لم تتعرض لأي قلق وتنساب حركة السفن التجارية في ملاحتها عبر البحر الأحمر دون أن يعترضها أحد بل تسير تحت حماية يمنية إلى أن تصل إلى موانئها بعيداً عن الموانئ الصهيونية في فلسطينالمحتلة وقد انطلقت واشنطن في طريق بنا تحالف هكذا اسمته تحالف حماية الازدهار وهو اسم مخاتل ومغالط لأنه تحالف استعماري خارج كل مشروعية دولية أو إقليمية .. ودفعت إليه دول أوروبية ودولة عربية هي البحرين في وقت تحفظت وتمنعت عن الدخول فيه دول مثل مصر والسعودية والكويت , وبل ان فرنسا ابتعدت عنه وكثفت واشنطن بلدان هامشية في أوروبا رغم ضغوطها الكبيرة على أنظمة دول عديدة وهكذا ولدت الفكرة (ميته) وأكتفت واشنطن ولندن للقيام بالمهمة العدوانية ولفرض حالة استعمارية في حوض البحر الأحمر .. واتجهت الى عسكرة البحر الأحمر وبدأت عملياتها العدوانية ضد اليمن في خدمة مكشوفة لمصلحة تل أبيب مما يوحي أن القرار الامريكي والبريطاني مرهون بالذراع الصهيونية بشكل واضح .. وقد نجحت العاصمتان العدوانيتان لفرض قواعد اشتباك مع اليمن رغم أنها تعلم مسبقاً أن كل الاعمال القتالية لن توصل الى إنجاز أي هداف عسكرية أو سياسية وإنما دفعت إلى الحفاظ على الهيبة الصهيونية بعد أن طالت الايادي اليمنيةجنوب الكيان الصهيوني وعندما تمكنت الصواريخ اليمنية والطائرات المسيرة من استهداف السفن الصهيونية والتي ترفع علم الكيان الصهيوني أو التي حددت وجهتها إلى الموانئ الصهيونية .. ولهذا حققت اليمن عدداً من المحددات في موقفها أولاً : أكدت في الواقع أهمية سيادتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وانها سيدة موقفها لن يتعرض لأي مساس . ثانياً : عززت من موقفها العروبي والاسلامي في تاريخ الصراع العربي الصهيوني .. وفضحت المواقف الملونة والملوثة المتواطئة مع الصهيونية. ثالثاً: ساهمت في انعاش المشاعر الوطنية والعربية والاسلامية التي تعرضت مؤخراً للتآكل والاهتزازات . رابعاً : فرضت اليمن قواعد اشتباك جديدة في حوض البحر الأحمر وخليج عدن وجعلت وسوف تجعل أمريكا وبريطانيا تضع في اعتبارها السيادة اليمنية في قادمات المرحلة . خامساً : منعت اليمن من الانهيارات الوشيكة في المنظومة العربية التي تسعى الصهيونية الى انهائها ولو كانت في حدودها الدنيا لكي تفرض حساباتها الصهيونية القادمة.