بنيامين نتنياهو الذي أجاد اللعب على المتناقضات، لجأ -في سبيل إطالة بقائه في السلطة أطول ما يمكن من مدة هروبًا من تبعات ما ينسب إليه من تهم متعددة- إلى الاحتماء بأشد العناصر تطرفا، بيد أنَّ تبعات ومترتبات «طوفان الأقصى» وضعته بين سندان الحلفاء ومطرقة الخصماء. بيبي أسير «سموتريتش» و«بن غفير» بالإضافة إلى ما عرف عن الليكودي «بنيامين نتنياهو» -على امتداد مسيرته السياسية- من تطرف، سعى إلى تحصين نفسه من أية ملاحقة مستحقة بتطعيم حكومته السادسة بأشد العناصر تطرفًا، فاستوزر «إيتمار بن غفير» و«بتسلئيل سموتريتش» اللذين تسببا بتحريضهما قطعان المستوطنين على الاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين بانفجار ردِّ فعلٍ مقاوماتيٍّ هو الأعتى أطلقت عليه المقاومة مُسمى «طوفان الأقصى» الذي مكن المقاومة من احتجاز مئات الأسرى وتسبب للمجتمع الصهيوني بما لم تحتمله العقول من الذهول، فلم يسع «نتنياهو» وأركان حربه -مسنودًا بعالم الكفر من شرقه إلى غربه- إلَّا أن يصب جام غضبه على «قطاع غزة» مرتكبًا -في أوساط شيوخه ونسائه وأطفاله- مجازر وحشية لم يعرف التأريخ الحديث مثيلًا له، وكان يهدف من وراء مضاعفة جرائمه -بحسب زعمه- إلى تخليص الأسرى واستئصال شأفة المقاومة. بيد أنَّ فشله في تحقيق أهداف حربه المعلنة بعد 9 شهور من المجازر المتواصلة تسبب لحكومته بنوع من العزلة وخلق شبه إجماع على ضرورة وقف إطلاق النار الشامل واستعادة الأسرى من خلال صفقة تبادل، وهو إجماع مخالف لأجندة العنف والتطرف المتبناة من «سموتريتش» و«بن غفير» اللذين يرفضان فكرة إيقاف الحرب التي يعتبرانها نوعًا من الإذعان تحت أيِّ ظرف كان ويهددان «نتنياهو» إن هو استجاب بالانسحاب، وذلك ما يتجلى في استهلال تقرير «كفاح زبون» التحليلي المعنون [بن غفير يهدد حكومة نتنياهو «إذا رفعت الراية البيضاء»] الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» بتأريخ 20 يونيو المنقضي الموافق 14 من ذي الحِجّة الحالي على النحو التالي: (هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بحل الحكومة الإسرائيلية إذا لم تستمر الحرب على حركة «حماس» في قطاع غزة وعلى «حزب الله» في لبنان. وأكد بن غفير أنه -إذا لم تتواصل الحرب في الجنوب «قطاع غزة» والشمال «لبنان»- لن يستمر في «حكومة ترفع الراية البيضاء»). كما يتجلى -من ناحية أخرى- من احتواء السياق الخبري التحليلي المعنون [بن غفير وسموتريتش يهددان بإسقاط حكومة نتنياهو في حال الموافقة على "مقترح بايدن"] الذي نشر في موقع «روسيا اليوم» في ال1 من يونيو المنقضي على ما يلي: (من جهته صرح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنه "لن يكون جزءًا من حكومة توافق على الإطار المقترح". وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في تدوينة على منصة "X": "لقد تحدثت للتو مع رئيس الوزراء وأوضحت له أنني لن أكون جزءًا من حكومة توافق على الخطوط العريضة المقترحة وتنهي الحرب دون تدمير حماس وإعادة جميع المختطفين"). نتنياهو أضحى في مرمى الخصماء كانت القوى السياسية الصهيونية تدرك -في ضوء إصرار «نتنياهو» على المكابرة والمضي في حرب خاسرة- أنه أسير تطرف «بتسلئيل سموتريتش» و«إيتمار بن غفير»، فسارع زعيم المعارضة «يائير لابيد» -في فبراير الماضي- بمنحه ما أسماه «شبكة أمان» على استمرار حكومته في ممارسة صلاحيتها طيلة المدة المحددة لها دستوريًّا، إن هو سارع إلى إيقاف إطلاق النار وإلى عقد صفقة تبادل تستعيد من بقي من الأسرى وإلى إقصاء «بتسلئيل سموتريتش» و«إيتمار بن غفير» من حكومته من ناحية أخرى. وإذ لم يبدِ «نتنياهو» أيَّ تجاوب مع أيٍّ من هذه المطالب، فها هو الطيف الصهيوني المعارض يستغل زخم مظاهرات أهالي الأسرى التي تزداد أعدادها -مع مرور كل يوم- تكاثرا للعمل على إسقاط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة مغلقين في وجهه كل نوافذ التفاوض، وليس أدلّ على هذا المعنى من استهلال الخبر التفصيلي المعنون [لابيد يشن هجوما شرسا على نتنياهو] الذي نشر في «روسيا اليوم» في ال25 من يونيو المنقضي بما يلي: (هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بشدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتوجه إليه مستنكرًا: "لماذا لا تزال رئيسًا للوزراء؟ كيف لا تصعد إلى هذه المنصة الآن وتطلب الصفح من الشعب وتعود إلى منزلك؟" وأردف متوجهًا بحديثه لنتنياهو: "لقد طردتك من مكتب رئيس الوزراء ذات مرة، وسأفعل ذلك مرة أخرى"). كما يتأكد عزم رموز المعارضة على المضي في إسقاط حكومة «نتنياهو» -على سبيل المثال- في احتواء التقرير التحليلي المعنون [الضغوط تتزايد على نتنياهو.. المعارضة تضع خطة عمل لإسقاط حكومة الحرب] الذي نشره موقع «المهد» في ال29 من مايو الماضي على ما يلي: (للمرة الأولى، اجتمع زعيم المعارضة رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد، وزعيم "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب "يمين الدولة" جدعون ساعر، لتنسيق المواقف لإسقاط حكومة نتنياهو في التوّ).