يدرك الاحتلال الصهيوني الأهمية الاستراتيجية لسوريا ولذلك استغل الوضع المضطرب فيها وبدأ على الفور بعد سقوط النظام في ديسمبر من العام 2024م بشن غاراته الجوية على قواعدها الجوية والبحرية وكل أسلحتها العسكرية النوعية التي دمرها بشكل شبه كلي ولا يزال يواصل خرقه للسيادة السورية من خلال التوسع في احتلال المزيد من الأراضي السورية الى جانب الأراضي التي كان قد احتلها في الجولان السوري عام 1967م.. ناصر الخذري الانتصار السهل الذي حصل عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري جعل المجرم نتنياهو يتباهى ويزهو بذلك وبات يتعامل وكانه الحاكم الفعلي لسورية. وبعد ان ايقن الاحتلال انه قد استطاع تدمير البنية التحتية للقوات المسلحة السورية وان الجماعات التي تحكم سورية حاليا غير قادرة على مواجهته او لا تنوي ذلك بدأ رئيس وزراء العدو نتنياهو بالعزف على وتر الطائفية من خلال تدخله السافر في الشأن السوري تحت مسمى حماية الدروز والتهديد بالتدخل العسكري في منطقة جرمانة وقبلها في السويداء. منطقة كبرى عازلة يدعي الاحتلال ان وجوده مؤقت في المناطق التي توغل فيها في الجنوب السوري, لكن هذا الادعاء دائما ما يلجأ اليه العدو عند تمدده في الأراضي العربية سواء كان في فلسطين او لبنان او سورية. وبحسب المخطط فإن الاحتلال يهدف الى احتلال كامل للجنوب السوري والتوسع وصولا الى منطقة حوران. كارثة جديدة لم يستفق العرب بعد من تداعيات كارثة أعوام 48 و56 و67 و78 التي استحوذ فيها العدو الإسرائيلي على أجزاء من الأراضي العربية وفرض بالحديد والنار واقعا مأساويا باحتلال تلك الأراضي ولكن مأساة اليوم لا تختلف كثيرا عما حصل في السابق حيث مثل يوم ال8 من ديسمبر من العام 2024م فرصة جديدة للعدو الصهيوني للتوسع في الجنوب السوري واحتلال سلسلة جبل الشيخ ومساحات واسعة في محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق والبدء ببناء قواعد ومستوطنات فيها ونقاط مراقبة عسكرية بشكل مثل خسارة جديدة للعرب لا تقل عما حصل في عامي 48 و67م. الاختلاف بين الأمس واليوم إبان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والأراضي المصرية في سيناء والجولان كان هناك موقف عربي واضح على المستويين السياسي والعسكري حيث قاوم الجيش العربي السوري والجيش المصري وبدعم من العراق والاردن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وفي منطقتي الجولان وسيناء وسطروا موقفا بطوليا تاريخيا حتى وان كانت هناك بعض الإخفاقات.. لكن ما يحصل اليوم في سوريا وفي فلسطين لا يتصوره العقل كيف صمت العرب وصمت حكام سورية الجدد عن الاحتلال الصهيوني المباشر للأراضي العربية السورية ولم يحركوا ساكنا حتى الادانات اختفت مع انها لا تغير من الأمر شيئاً لأن العدو لن يرضخ إلا بالقوة. التهديد بالتدخل عسكريا لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بما قد استحوذ عليه في العام 67 في الجولان وما استحوذ عليه في نهاية العام 2024م من خلال احتلال سلسلة جبل الشيخ واحتلال مناطق واسعة في الجنوب السوري إلا أنه بات يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الشأن السوري ومنها حماية الأقليات التي يتحدث عنها الاحتلال بشكل وقح وفج يعكس حال العرب الذين صمتوا إزاء ما يحصل حاليا في سورية وقبل في فلسطين ولنبان وفي هذا السياق هدّد وزير دفاع العدو الصهيوني يسرائيل كاتس مطلع الأسبوع بالتدخل عسكريا في سوريا ضد قوات دمشق "إذا أقدم النظام على المساس بالدروز". وقال كاتس في بيان أصدرته وزارته "لن نسمح للنظام الإرهابي الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز". وأضاف "إذا هاجم النظام الدروز فإنه سيتحمل عواقب من جانبنا. لقد أصدرنا أوامرنا للجيش بالاستعداد وإرسال تحذير صارم وواضح: إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه". وأشار البيان خصوصا إلى ضاحية جرمانا جنوب شرق دمشق ذات الكثافة السكانية العالية والغالبية المسيحية والدرزية، حيث قُتل شخص وأصيب تسعة آخرون في اشتباكات بين مسلحين دروز وعناصر من قوات الأمن التابعة للسلطات الجديدة التي تولت الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في نهاية عام 2024م. وكان رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو وكاتس الجيش الإسرائيلي قد أمرا "بالاستعداد للدفاع" عن هذه الضاحية".. هذه التصريحات المستفزة الى جانب العدوان المستمر على الشعب السوري لم تحرك الى حد الآن حكام سورية الجدد ولم يتحرك العرب أيضا حيال هذا الاحتلال والتدخل السافر في شؤون سورية. منطقة منزوعة السلاح مع ان تسليح الجماعات التي تولت الحكم في سورية اشبه بسلاح شرطة محلية الا ان نتنياهو بات يهدد ويرعد بأنه لن يسمح لقوات الإدارة الجديدة من الانتشار في جنوب العاصمة دمشق، ما يوحي بأن نتنياهو بات هو الآمر والناهي وهو وحده من يحدد أين يتواجد "جيش الشرع" بالتحديد في الأراضي السورية. ويهدف نتنياهو من هذه التحذيرات والتهديدات الى جعل جنوب العاصمة دمشق "منزوع السلاح بالكامل. وأشار رئيس وزراء العدو بأنه لن يسمح لقوات النظام السوري الجديد بدخول منطقة جنوب العاصمة دمشق، وريفها، مُطالبًا السوريين بالنزع التام للسلاح من جنوبسوريا، في محافظاتالقنيطرة ودرعا والسويداء". وقال نتنياهو أيضًا "لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوبسوريا". صمت مريب كل هذه التطورات تحدث على مرأى ومسمع من حكومة الشرع التي التزمت الصمت ولم تعلق على تصريحات العدو الاستفزازية ولم تتحمل مسؤوليتها تجاه اغتصاب الأراضي السورية والتدخل في الشأن السوري. وعما يحدث في سورية علق الباحث العميد عبدالله بن عامر في تغريدة له على منصة (x) بالقول: "قبل أسابيع رأى البعض دعوات مواجهة التوسع الاسرائيلي في سوريا على انها مؤامرة للزج بالسلطة الجديدة في حرب خاسرة ليتضح للجميع لاحقاً ان الاحتلال لن يتوقف عن تنفيذ مشروعه مهما قدمت دمشق من تنازلات وضمانات أمنية ورسائل صمت وخضوع وعليها إما القبول بمشروعه او مواجهته قبل استكمال تنفيذه". ذريعة جديدة لم تتفاعل حكومة الرئيس الانتقالي احمد الشرع مع الدعوات الشعبية الرافضة لتصريحات نتنياهو حول تدخله قوات الاحتلال لحماية الدروز الا ان اللافت ان تصريحات الاعلام العبري قد بررت لتلك التصريحات ومنها صحيفة "إسرائيل هيوم" التي قالت إن تصريحات نتنياهو هي بسط لرعايته على المجتمعات في محافظاتالقنيطرة ودرعا والسويداء، وتحديدًا الدروز، وذلك من مُنطلق أن "إسرائيل تقوم بتنمية علاقات مدنية صحية معهم". اما وزير دفاع العدو كاتس فقد برر ذلك بالقول": الطائفة الدرزية تُعد طائفة شقيقة لإخواننا الدروز، الذين يقاتلون معنا في ونحن ملتزمون بتمكينهم من الحفاظ على صلتهم بأقاربهم وشركائهم في تاريخ الطائفة الدرزية العريقة". تقسيم سوريا الى دويلات ما يحدث اليوم في سوريا من اثارة للنعرات الطائفية وتكريس لخطة التقسيم الطائفي والحكم الذاتي للأقليات يذكر بما حدث ابان الغزو الفرنسي لسوريا عندما دخلت سوريا ومعها لبنان في العام 1920م تحت الانتداب الفرنسي والى جانب ذلك تم فصل سوريا عن لبنان وتقسيم سوريا الى أربعة اقسام على أساس طائفي وتميزت الإدارة الفرنسية عن مثيلتها البريطانية بشدة اعتمادها على الطائفية مع عدم اللجوء الى سلطة محلية شبه مستقلة. وفي شهر يونيو سنة 1922م أعاد قورو التقسيم الإداري لسوريا ووقع تقسيم البلاد الى اربع ولايات: دمشق وحلب ومنطقة علوية وأخرى درزية وكانت الأسس التي حددت مثل هذا التقسيم بالأساس طائفية ووقع ضم حلب الى دمشق والمنطقة العلوية في اطار اتحاد فيدرالي وتم ذلك نهاية 1922م ووضعت فرنسا على رأس هذا الاتحاد شخصية سورية متعاملة معها هو صبحي بركات وابتداء من شهر يناير سنة 1925م انسحبت المنطقة العلوية من الاتحاد ووقع دمج حلب ودمشق في اطار واحد الى جانب لواء الاسكندرون واحتفظت فرنسا بالمناطق البدوية الواقعة على ضفاف الفرات تحت رقابة فرنسية مباشرة. إعادة التقسم ومما نلاحظه اليوم من احداث واحياء للطائفية في سوريا تحت مسمى الدروز والعلوية والاكراد والتي تعمل عدد من القوى الاستعمارية الطامعة باحتلال سوريا على دعم وتغذية الصراعات فيما بين تلك الجماعات والطوائف وما تدخل الاحتلال الإسرائيلي في الشأن السوري والعدوان عليه الا بداية توحي بان المخطط القادم لسورية هو التقسيم على أسس طائفية الى اربع او خمس ولايات طائفية تخضع كل منها الى الدول التي تمولها.. هذه الصورة التي تبدو بشكل واضح. وأمام هذه التطورات الخطيرة يبقى الأمل على احرار الشعب السوري في اشعال الثورة في وجه المحتل والدفاع عن الأراضي العربية السورية مثلما دافع عنها اجدادهم ضد الغزو الفرنسي الذي اجبر على الجلاء من سوريا في العام 1946م.