ليست المرة الأولى بطبيعة الحال التي تتعرض فيها اليمن لقصف أمريكي، ولن تكون الأخيرة فكثيراً ما يتم وصف قرارات ترامب المتعلقة بالسياسة الخارجية بالرعونة والطيش، لكنها في الحقيقة غالباً ما تخدم مخططات استخبارية متكاملة تستهدف تحقيق مزيد من الهيمنة الأمريكية على العالم، فيما يُجمع المحللون على أن الضربات الأمريكية على اليمن تمثل تحولاً خطيراً في مسار الصراع، ويعترفون بأن رئيسهم دخل في مأزق استراتيجي ليس في مقدوره الخروج منه، وفي هذا الإطار كشف تقرير نشره موقع «تاسك أند بيربس» الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية عن واحدة من أكثر الأزمات حرجاً التي تواجه البحرية الأمريكية حالياً والمتمثلة في الاستنزاف السريع وغير المسبوق لمخزونها الصاروخي خلال العمليات الجارية في البحر الأحمر، في ظل تصاعد هجمات القوات المسلحة اليمنية. وفي إقرار مفاجئ اعترف وزير الحرب الإسرائيلي السابق، غالانت، بفشل العدوان الأمريكي على اليمن وعجزه عن تحقيق أهدافه رغم ما وصفه بالهجمات المكلفة التي لم تُحدث الأثر المطلوب، ومعتبراً أن أمريكا لن تتمكن من الانتصار وحدها على اليمنيين، وصنّف اليمن كأحد أخطر التهديدات على إسرائيل، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة يكمن في وقف الحرب على قطاع غزة واللجوء إلى الحل الدبلوماسي.. وجاءت تصريحات المجرم "غانتس" مع استمرار العمليات اليمنية بوتيرة عالية رغم محاولات احتوائها عسكريًّا، كما يعكس ذلك حجم الذعر الذي يعيشه المجرم نتنياهو من حقيقة فشله في حماية المستوطنين اليهود وتخفيف حدة الهلع في أوساطهم جراء استمرار إطلاق الصواريخ من اليمن التي تستهدف عمق الكيان والوصول إلى أماكن حساسة وحيوية في تل أبيب، منها مطار بن غوريون الذي يشهد توقفاً لساعات طويلة؛ مما دفع بالعديد من شركات الطيران إلى إلغاء رحلاتها إلى الأراضي المحتلة. فالهجمات الأمريكية تعكس أيضاً حجم القلق الذي يعيشه الكيان الصهيوني، فاستهداف اليمن بهذا الشكل يؤكد أن هناك مخاوف حقيقية من استمرار تأثيره على مجريات الأحداث في غزة، خصوصاً أن اليمن أصبح رقماً صعباً في معادلة المواجهة مع الكيان المحتل، ما يفسر هذا الاستهداف المباشر الذي يأتي ضمن محاولات بائسة لتركيعه، فالشعب اليمني الذي واجه عدواناً استمر عقوداً يدرك أن الغارات الأمريكية لن تغير شيئاً من واقعه، بل ستعزز من وحدته وصموده، فقد عاش هذا الشعب كل أشكال الحصار والتدمير، لكنه لم ولن يتراجع عن مواقفه، واليوم يثبت مجدداً أن تهديدات ترامب لن تزيده إلا ثباتاً، وأنه مستعد لكل التحديات من أجل قضيته الكبرى فلسطين، والغارات التي تستهدف اليمن تعد إعلاناً واضحاً بأن واشنطن باتت عاجزة عن مواجهة الموقف اليمني بالسياسة فلجأت إلى الضربات الجوية العنيفة دون جدوى. يأتي ذلك بالتزامن مع مواصلة الطيران الأمريكي المتوحش استهداف صنعاء والجوف والحديدة وصعدة وذمار والبيضاء وإب ومارب خلال الايام الماضية مرتكباً المزيد من الجرائم بحق المدنيين، مكرّراً استهداف المصانع والمزارع ومنها مصنع "باجل" شرق محافظة الحديدة الشهر الماضي، وميناء رأس عيسى ومصنع "السواري للسيراميك" في مديرية بني مطر غرب صنعاء بثلاث غارات استخدم فيها العدو قنابل حديثة، ما أدّى إلى تدمير واحتراق المصنع ومقتل 7 عمال وجرح اكثر من 32 آخرين، فلن يكون لهذا العدوان أي تأثير سوى تعزيز الصمود والمضي في طريق دعم المقاومة، لأن هذا الموقف ليس خياراً سياسياً فقط، بل جزءاً من الهوية الإيمانية والوطنية للشعب اليمني الذي يدرك أن معركته ليست فقط للدفاع عن نفسه، بل للدفاع عن كرامة الأمة بأكملها. ختاماً: هي حرب خاسرة وستكون خسائر واشنطن وربيبتها "تل أبيب" فيها كبيرة وفادحة جداً، وبالتالي فإن المُخطِط الأمريكي سيكون مجبراً على مراجعة حساباته عاجلاً أم آجلاً، ولعل ذلك ما يلوح في الأفق من خلال عودة واشنطن وتل أبيب مؤخراً إلى المفاوضات.