يأتي مشروع " ممر داوود " ضمن سردية توراتية تعتبر أن حدود كيانهم الطبيعية تمتد " من النيل إلى الفرات " وفق ما عبر عنه قادة صهاينة مرارا , ومن بينهم " بنيامين نتنياهو " في كتابه " مكان تحت الشمس " . ممر داوود وهو مخطط يتجاوز حدود فلسطين التاريخية , ممتدا باتجاه العمق السوري , في محاولة رسم خطوط فصل طائفية وجيوسياسية جديدة . -احتلال سيناء في كتابه " مكان تحت الشمس " تحدث رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي " بنيامين نتنياهو " عن مشروع وحلم إسرائيل الكبرى " من النيل إلى الفرات " وفيما يخص شبة جزيرة سيناء قال : ( إن شبة جزيرة سيناء التي أعيدت إلى مصر في إطار اتفاقية السلام مع إسرائيل , تعتبر ثروة أرضية هائلة وفقا للمعايير الإسرائيلية , حوالي " 65 " ألف كيلومتر مربع , أنشأت إسرائيل فيها مطارات كبيرة , وفنادق فخمة , واكتشفت فيها مصادر نفطية , إن سيناء أكبر بعشرات الأضعاف من الضفة الغربية , وتشكل أكثر من 91% من مساحة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967م , .... فصحراء سيناء هي التي تلقي فيها الشعب اليهودي التوراة ليصبح أمة ) . -ممر داوود تستمد فكرة " ممر داوود " جذورها من أدبيات الحركة الصهيونية , لا سيما أفكار مؤسس الحركة الصهيونية " تيودور هرتزل " الذي تحدث عن أهمية بناء نفوذ ممتد من البحر إلى مناطق استراتيجية داخلية . كجزء من رؤية " إسرائيل الكبرى " . ويقرأ الممر على أنه استمرار عملي لمبدأ السيطرة الجغرافية الأمنية , وتحقيق نوع من العمق الدفاعي خارج حدود فلسطين التاريخية . فمشروع "ممر داوود " تصور إستراتيجي ينسب إلى النخبة الأمنية والسياسية الصهيونية , ويهدف إلى إنشاء ممر بري يمتد من هضبة الجولان السورية المحتلة , كرورا بمحافظات الجنوب السوري كالقنيطرة ودرعا والسويداء , وصولا إلى البادية السورية وحتي معبر التنف الثلاثي عند حدود سورياوالعراق والأردن , ففي هذه المرحلة وبعد سقوط النظام السوري في دمشق, استغل العدو الصهيوني حالة الفوضي المؤسساتية والانقسامات المناطقية لتثبيت موطئ قدم عميق في الجنوب السوري في مشروع يتجاوز الحدود الأمنية ليطال إعادة تشكيل النظام الإقليمي والخريطة الجغرافية في المنطقة . ويعد ممر داوود من أدوات تفتيت وحدة الأراضي السورية عبر سياسات العزل الجغرافي والربط الانتقائي , ويرتبط بتحالفات مع أطراف محلية ناشئة , في مشهد جديد لسوريا ما بعد النظام السابق , حيث ينشط العدو الصهيوني في استغلال الفرص الجيوسياسية وتوسيع حدود تأثيره . -الاهداف الاستراتيجية في ورقة تحت عنوان " ممر داوود : خطة إسرائيلية لإعادة رسم خريطة الشرق الاوسط " اعدها الدكتور " محمد حسن سعد , رئيس معهد وورلد فيو للعلاقات الدولية والدبلوماسية الولاياتالمتحدةالأمريكية , مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية , 10 أغسطس 2025م " . حدد اهم الاهداف الاستراتيجية لمشروع " ممر داوود " حيث اعتبره أحد أبرز تجليات العقيدة الأمنية والسياسة الصهيونية التي تقوم على مبادئ " تفكيك الخصم من الداخل " و " توسيع الحزام الأمني الإستراتيجي خارج الحدود " , ولا يمكن فضل المشروع عن مجمل الرؤية الصهيونية للمنطقة العربية بعد عقد ونيف من الحروب والاضطرابات التي اصابت بنية اغلب الدول العربية . ومن اهم الأهداف الاستراتيجية لمشروع ممر داوود ما يلي : 1- تفكيك سوريا : من أبرز أهداف المشروع بعد اسقاط النظام السوري تقويض سلطة الدولة المركزية السورية الضعيفة في الوقت الراهن , ومنع قيامها عبر تسليط الضغوطات الأمنية والديمغرافية والاقتصادية على أطراف الدولة , فامتداد الممر عبر الجنوب السوري باتجاه الشرق يهدف إلى خلق فراغ جغرافي وسكاني بين العاصمة دمشق وحدودها الجنوبية والشرقية , وإضعاف قدرة دمشق على التحكم بمجريات الأحداث في تلك المنطقة . هذا الشكل من التفكيك لا يتم عبر الاحتلال المباشر بل من خلال تغذية الصراعات الطائفية , وخلق سلطات أمر واقع ترتبط بالخارج . 2- ممر أمني صهيوني - أمريكي : يتيح " ممر داوود " من إنشاء ممر أمني صهيوني – أمريكي متقدم للسيطرة الفعلية أو غير للعدو الصهيوني على منطقة شاسعة تمتد من الجولان إلى التنف , ما يخلق " وسادة أمنية " تحمي الحدود الشمالية للعدو الصهيوني وتشكل حزاما متقدما ضد أي تحركات من قبل إيران أو حلفائها في سوريا ولبنان . كما أن قرب الممر من القواعد الأمريكية في التنف , ووجود قوات " قسد " في الشمال الشرقي السوري , يربط شبكة المصالح الأمنية بين واشنطن وتل أبيب , ما يمكن العدو الصهيوني من المشاركة في إدارة المشهد السوري مستقبلا دون تحمل كلفة التورط المباشر . 3- تحقيق إسرائيل الكبرى :المشروع ليس فقط ذا طابع أمني , بل يحمل في طياته بعدا عقائديا ايديولوجيا يتماشى مع الرؤية التوارتية " إسرائيل الكبرى " التي تمتد من مهر النيل إلى نهر الفرات . حيث ينظر إلى السيطرة على ممر جغرافي يصل الجولان بالبادية ثم بالفرات كمقدمة جيواستراتيجية لبسط النفوذ باتجاه الشرق . فالسيطرة على هذا الممر تسهم في تقطيع أوصال ما تبقي من المحور الجغرافي بين إيرانوالعراقوسوريا ولبنان , بما يخدم مصالح " إسرائيل الكبرى " بأدوات تفكيكية لا بالضرورة عسكرية مباشرة . 4- تشكيل الخريطة : يهدف ممر داوود إلى إعادة تشكيل الخريطة العرقية والطائفية في جنوبسوريا والدفع نحو تعزيز النزعات الانفصالية أو الحكم الذاتي لدي مكونات محلية مثل الدروز في السويداء والأكراد في الشمال الشرقي عبر الدعم المالي واللوجستي أو السياسي . هذا من شأنه أن يؤدي إلى خلق " قوس من الكيانات الهشة " تتكل على الدعم الخارجي , وتكون أكثر استعدادا لعقد تفاهمات أمنية واقتصادية مع تل أبيب لاحقا . 5- احتواء النفوذ الإيراني : من خلال " ممر داوود " يحاول الكيان الصهيوني احتواء النفوذ الإيراني ومحاصرته بريا وإحكام الطوق على خطوط إمداد إيران وحزب الله التي تمر عبر العراقوسوريا , وخاصة تلك التي تصل إلى الجنوب اللبناني عبر البقاع , وبالتالي فإن الهدف الأبعد للمشروع هو حرمان محور المقاومة من حرية الحركة اللوجستية وزرع " كمائن جغرافية " على طول الطرق الممتدة من طهران إلى بيروت 6- تكريس الانفصال : وإن استكمال " ممر داوود " يعني ترسيخ خارطة جديدة لسوريا عبر خلق أمر واقع جديد يكرس الانقسام السوري , حيث تتقاسمها ثلاث قوى رئيسية : مناطق خاضعة لدمشق , ومناطق تحت النفوذ الكردي – الأمريكي , ومناطق خاضعة لنفوذ أمني – استخباراتي صهيوني غير معلن . وبذلك يتحول الجنوب السوري إلى منطقة شبة معزولة عن دمشق , ما يكرش الانفصال بحكم الأمر الواقع ويضعف فرص وحدة الدولة السورية مستقبلا . -التطبيق الفعلي لم يعد مشروع " ممر داوود " مجرد فكرة عقائدية وجيوسياسية أو طرحا نظريا ضمن أدبيات الأمن القومي الصهيوني , بل انتقل إلى مرحلة التطبيق الفعلي عبر سلسلة من الخطوات المدروسة التي يجري تنفيذها تدريجيا على الأرض السورية , سواء بشكل مباشر عبر احتلال الجيش الصهيوني لمناطق سورية ما بعد الجولان , أو غير مباشر عبر الحلفاء المحليين والقوى الدولية المتقاطعة مع المشروع . وهذا ما يحدث اليوم من توغل صهيوني في عمق الأراضي السورية أمام مرأى ومسمع العالم وانتهاك لقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي وانتهاك لاتفاقية وقف اطلاق النار وفصل القوات لعام 1974م , والتعدي السافر وانتهاك سيادة دولة عضو في الأممالمتحدة والجامعة العربية والأخيرة التي لم تحرك ساكنا . -تصريح نتنياهو لذلك ما صرح به الإرهابي نتنياهو حول ما يسمى ب" اسرائيل الكبرى " وتوسيع حدود كيانهم في أراضي دول عربية . حيث اشار إلى رؤيته تتضمن توسيع حدود كيانهم لتشمل مناطق واسعة من الأراضي العربية " مصر وسوريا والأردن ولبنان وجنوب تركيا العراق والكويت والسعودية " فتصريحه ليس بجديد او مفاجئة لم يعرفها حكام العرب والمسلمين وشعوبها إلى اليوم بل ان ذلك هو من صميم العقيدة الصهيونية بغطاء توراتي ايديولوجي و التي تسعي لتحقيقه بحلم ما يسمى " إسرائيل الكبرى " تمتد " من النيل إلى الفرات " .وكل مؤتمرات الصهاينة منذ مؤتمر بال في سويسرا عام 1897م , وإلى آخر مؤتمر بهم الثامن والثلاثون عام 2020م , يرفعون شعار ما يسمى بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .