إلى جانب القرى المنتشرة في منطقة برط برزت مدينتان صغيرتان أصبحتا اليوم مركزين إداريين مهمين الأولى هي سوق العنان الذي يقع في أراضي ذو محمد والثانية رجوزة التابعة ل ذو حسين وتبعد عنه مسافة تقارب عشرة كيلومترات شرقًا بين السوقين ويمتد خط حدودي واضح يبدأ قرب رأس وادي النيل ويتجه عبر الهضبة شمالًا ثم شرقًا ليشكّل فاصلًا تقليديًا بين القبيلتين وتشير بعض الأحكام القبلية الخاصة بحماية الأسواق إلى هذا الخط حيث تنص على أن أي مخالفة يرتكبها أحد أفراد ذو حسين غرب منطقة الفَرَح أي داخل أراضي ذو محمد تخضع مباشرة لقوانين السوق وأعرافه وتُعد الفَرَح الواقعة جنوبًا وشرقًا من برط امتدادًا طبيعيًا لهذا الحد الفاصل إذ يلتقي خطها مع الخط الممتد عبر الهضبة ما يعزز إصرار رجال القبائل على أن هناك حدودًا فاصلة بين القبيلتين شرق الجبل أيضًا وكأن هذه الحدود حصرية ومستمرة في كل الاتجاهات أما المسافة بين برط ونهاية وادي سلبة فتبلغ نحو ستين إلى سبعين كيلومترًا ، لكن في شرق العنان لا نجد فيه خطًا فاصلاً واضحًا بين ذو محمد وذو حسين؛ إذ يدّعي كل منهما ملكية مناطق تقع أصلًا ضمن أراضي دهم وتُعتبر دهم فرعًا رئيسيًا من قبيلة شاكر وتضم بدورها بطونًا أخرى مثل المعاطرة وآل سليمان ولكل منها مساحات محدودة ومتناثرة على امتداد الوديان شرق وشمال برط غير أن ذو حسين يميل إلى توسيع نطاق ادعاءاته بحيث تشمل ما يُفترض أنه كامل أراضي دهم وإذا سُئل بعض أبناء المنطقة عن الحدود القصوى لحدهم يجيبون أحيانًا بذكر بلدة قطر في إشارة رمزية إلى اتساع النفوذ لكن الواقع يؤكد أن التقاء أراضي دهم يتم مع قبيلتي الصيعر وكرب قرب شرورة شمال الحدود اليمنية–السعودية التي رُسمت حديثًا عند خط عرض حضرموت الوسطى . هذا الامتداد من الغرب إلى الشرق ابتداءً من طريق صنعاء–صعدة وحتى عمق الصحراء عبر برط يجمع أنظمة قبلية مختلفة تمامًا ففي الغرب حيث قبائل سفيان تسود أنظمة اجتماعية مرتبطة بمناطق أكثر كثافة سكانية فتتوزع أراضي الوحدات الصغيرة ضمن نفوذ المجموعات الأكبر أما شرق برط فتتداخل الأنظمة مع تقاليد البدو الرحل حيث تُحدد حقوق الانتفاع بالموارد تبعًا للزمن أو الموسم وليس بالمكان وحده وهو ما يجعل الأراضي هناك غير حصرية أو مغلقة على قبيلة بعينها شمال برط نجد قبيلة وائلة التي تُعد فرعًا مستقلًا عن دهم بينما يرى ذو محمد وذو حسين وآل سالم وآل سليمان أنفسهم جزءًا من دهم ويقال إن الكيان المقابل لدهم ضمن شجرة شاكر الكبرى هو عُلة وغالبًا ما يُطلق أبناء دهم على الوائليين اسم رجال عُلة رغم أن هذا المسمى يبدو أنه يخص وائلة فقط دون غيرها أما ذو محمد وذو حسين فيشكلان معًا ما يُعرف ب ذو غيلان ويُذكر أن المسمى المشترك لذو غيلان والعمالسة هو عمري بينما يُرجّح أن المسمى الأوسع الذي يجمع ذو غيلان والعمالسة وآل سالم هو نصري وفي إطار هذا التصنيف يؤكد رجال القبائل في برط وجود حدود واضحة بين المجموعات سواء بين دهم ووائلة أو بين الفروع الداخلية لدهم نفسها . غير أن بعض هذه الحدود يظل غامضًا؛ فعلى سبيل المثال لا يُعرف بدقة موقع الخط الفاصل بين آل سالم وذو محمد وتتضح هذه الإشكالية بشكل خاص في وادي جوار غرب سوق العنان؛ حيث تُنسب أعالي الوادي إلى آل أحمد بن كول من ذو محمد بينما تُنسب روافد أخرى مثل قصبة بن عيشان ومقام ذو مهدي إلى آل سالم وعلى الجانب الغربي والجنوبي من برط تمتد أراضي سفيان بمحاذاة ذو محمد حيث يوجد خط حدودي أوضح يتطابق غالبًا مع قمة عشار لكن التعقيد يظهر في وجود فرع من سفيان يُعرف ب المرانات وهو يقع فعليًا داخل أراضي ذو محمد قرب خراب المراشي وفي وادي مذهب تتجاور مجموعات من ذو محمد وذو حسين في مواقع متفرقة مما يعكس الطبيعة المتشابكة للأراضي القبلية أما جبل المفلوك الذي يطل على الطريق المؤدي إلى صعدة ويبدو للناظر كزوج من الفيلة المقلوبة رأسًا على عقب فقد قُسّم بدوره بين ثلاث قبائل: آل عمار في الشمال سفيان في الغرب وذو محمد في الشرق غير أن هذا التقسيم غير محدد بدقة وربما يختلف بحسب الغرض أو السياق .