لعل افتقار فكرة إنشاء مليشيات «الجنجويد» أو قوات «الدعم السريع» بقيادة «محمد حمدان دقلو» الشهير ب«حميدتي» إلى الحدِّ الأدنى من الأسس القانونية وراء ما يلاحظ عليها من تمرد على أية ضوابط أو مرجعيات إدارية، ووراء تجردها من القيم الإنسانية ومن المشاعر الوطنية، فكان من السهل عليها -ممثلة بقيادتها المليشاوية- الارتهان للنظام الإماراتي وللدولة الصهيونية مقابل ما يقدمانه لها من ترويج إعلامي ودعم عسكري واستخباراتي. تناغم بل تماهٍ إعلامي تكاد تكون وسائل الإعلام الصهيونية والإماراتية والسعودية منابر ترويج وتلميع لخطاب قادة «الدعم السريع» الذين يُسوِّقون أنفسهم أمام العالم الغربي الإمبريالي حاجز صدٍّ يحول دون تمدد أتباع الإسلام الراديكالي الأشد عداءً لمشاريع الغرب الصليبي التي يتصدرها «الكيان الصهيوإسرائيلي»، وذلك ما يُفهم من قول «عماد عنان» في سياق مقاله التحليلي التساؤلي ما يلي: (في 24 أبريل 2024، وفي مقابلة مع قناة «كان» الإسرائيلية، شبّه مستشار حميدتي «يوسف عزت» القوات التي يقودها البرهان -أعني جيش السودان- بالفصائل الفلسطينية التي اعتبرها إرهابية التي تقاتل إسرائيل، في محاولة لاستمالة تل أبيب لصالح معسكر الدعم السريع، مؤكّدًا أنَّ البرهان متواطئ مع الحركة الإسلامية لضرب المدنيين).. ومع أنَّ «محمد حمدان دقلو» ومعاونيه ومستشاريه كانوا -قبل أن يمتهنوا مهنة الإجرام ويستمرؤوا سفك الدم الحرام- مجرد رعاة إبل وأغنام، ولا يعرفون أبجديات التعامل مع صناعة الإعلام، إلا أنَّ خطاباتهم وبياناتهم تتلقف من قبل الإعلام الصهيوني والإماراتي والسعودي بكل شغف، فلا تلبث أن تحقق من الذيوع والانتشار ما تحققه أهم وأخطر الأخبار، وقد أشير إلى تماهي وسائل إعلام تلك الأنظمة مع تمرد حميدتي وتبرير جرائمه في حقِّ المدنيين السودانيين في سياق التقرير التحليلي المعنون [تديرها الإمارات والكيان الصهيوني.. الآلة الإعلامية ل"حميدتي" تروّجه ك"محارب للإسلاميين" في السودان!] الذي نشره «مركز إنسان للدراسات الإعلامية» يوم الثلاثاء ال25 من أبريل 2023 على النحو التالي: (لكن بمتابعة "مركز إنسان للدراسات الإعلامية" لمن يروج ل«حميدتي» ولحربه وينشر تصريحاته وبيانات قواته، تبيَّن أنَّ وسائل إعلام الإمارات والكيان الصهيوني تتوليان ذلك. وكشف رصد لمركزنا أنَّ الصحف والفضائيات الممولة من الإمارات -بالإضافة إلى فضائيات الكيان الصهيوني وصحفه- هي أبواق «حميدتي» الإعلامية التي يلجأ لها ليدلي هو ومستشاره الإعلامي بتصريحات تستدر تضامن الغرب، وتساندهم في ذلك -بقدرٍ من الجدية- الصحافة السعودية). دعم عسكري سري من المعروف عن «الكيان» استثماره في البلدان بصفة عامة في الأنظمة أو التيارات التي تنتهج سياسات متصادمة مع قضايا ومصالح الأمة التي تجعل البلد ساحة مفتوحة لتغول مصالحه، وقد وجد في مليشيات «الدعم السريع» أسلك طريق لاختراق وتمزيق نسيج «السودان الشقيق»، ومن هذا المنطلق يحظى بدعمه الأمني والعسكري بشكل سري، وذلك ما أشير إليه في مستهل التقرير التحليلي المعنون [أسلحة وأحدث الأجهزة العسكرية.. ماذا وراء الدعم الإسرائيلي ل حميدتي] الذي نشره «مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر» في ال18 من نوفمبر الماضي بما يلي: (تصاعدت الأنباء والتقارير في الآونة الأخيرة حول وجود دعم عسكري وتقني تقدمه إسرائيل لقائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو الشهير ب حميدتي. وتؤكد مصادر إعلامية واستخباراتية من السودان وإسرائيل أن حميدتي حصل على شحنات من الأسلحة وأجهزة التجسس والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة).. كما أشار إلى ذلك «عبد الغني دياب» في سياق تقريره المقالي التساؤلي المعنون: (من الدعم السريع إلى حركات التمرد.. كيف رعت إسرائيل تمزيق أفريقيا بالصراعات؟] الذي نشرته منصة «جيسكا» في ال26 من يوليو على النحو التالي: (كشفت مجلة "أفريقيا العسكرية" المتخصصة في قضايا الدفاع جانبًا مهمًّا من تفاصيل العلاقة السرية التي نشأت بين إسرائيل وقائد الدعم السريع، والتي نشرت تقريرًا لها بعد أشهر قليلة من اندلاع الصراع السوداني، أكدت فيه رؤية مدفعية إسرائيلية مع قوات الدعم السريع السودانية..وقالت المجلة إنَّ مسلحي الدعم السريع استخدموا مدفعية خفيفة إسرائيلية الصنع من طراز لار-160 ضد الجيش السوداني). دعم أمني واستخباراتي لعل إدراك «الكيان الصهيوني» أهمية الجانب الاستخباراتي في ترجيح كفة مليشيات «الدعم السريع» على «الجيش السوداني» وراء التحرك لدعمها في هذا الجانب المؤثر منذ وقت مبكر، ومن قبل أن ينشب القتال بين الطرفين بأكثر من 4 أشهر، فقد كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية -بحسب ما ورد في سياق الخبر التفصيلي المعنون [تداول تقارير حول تسلم حميدتي أنظمة تجسس إسرائيلية لتعزيز نفوذه الأمني في السودان] الذي نشره موقع «صدارة للمعلومات والاستشارات» عصر ال9 من ديسمبر 2022- (أنَّ نائب رئيس المجلس السيادي السوداني وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي" حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس "الإسرائيلي"، وقد تمت عملية نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة جبل «مرة» في «دارفور» التي تسيطر عليها "قوات الدعم السريع"بصورة كاملة). ويؤكد الخبراء التقنيون -وفق ما أشير في سياق تقرير «مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر»- (أنَّ هذه الأجهزة الإسرائيلية التجسسية قادرة على اختراق نظامي "أندرويد" و"آيفون"، وتتبع شبكات ال"واي فاي"، واعتراض الاتصالات عبر شبكة "جي إس إم" و"جي بي إس"، ممَّا يعزز من قدرة "الدعم السريع" على فرض سيطرته الأمنية وتوسيع نفوذه الاستخباراتي).