تمرُّ بلادنا اليوم بمخاضٍ عسير، يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لا تقبل القسمة على اثنين. إن ما نشهده اليوم، وتحديداً في محافظاتنا الجنوبية والشرقية، ليس مجرد تدافع سياسي أو عسكري، بل هو صراعٌ وجودي يمس "الوعي" و"السيادة" و"المرجعية". وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة، يبرز دور الخطاب الديني كعاصمٍ من الفتنة وموحدٍ للصف لا مفرقاً له. 1- زلزال المرجعية.. اختبار المنهج والوطن وضعت المستجدات الأخيرة الجميع على المحك، ومنها دعوة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لتوحيد الصف، وما يقابلها من قراءات لمرجعيات دينية أخرى، ومنها فتوى الشيخ السلفي عبد الله البخاري من المدينةالمنورة؛ هنا يصبح الكل أمام مرآة الحقيقة. فالمقصد الأسمى يجب أن يكون الاعتصام بحبل الله والحفاظ على كيان الدولة اليمنية الموحدة لقطع الطريق أمام مشاريع التفتيت. إن القوات التي نشأت على احترام مرجعيات مكةوالمدينة تجد نفسها في "يوم التمايز": * إما التمسك بالثوابت الشرعية التي تحرم الخروج على ولي الأمر، وتوجب السمع والطاعة، والتي تهدف -قبل كل شيء- إلى عدم تمزيق الأوطان وتدعو لوحدة الكلمة. * أو الانزلاق نحو التوظيف السياسي الذي تسعى من خلاله قوى إقليمية لتحويل المنهج السلفي النقي إلى أداة لتنفيذ مشاريع التجزئة والصدام مع العمق الاستراتيجي لليمن. إننا نراهن على وعي منتسبي "قوات العمالقة" وغيرهم، بأن يظلوا حماةً للثغور، رافضين أن يكونوا أدوات لتمرير أجندات تخدم في نهاية المطاف المشروع الصهيوني. 2- مآلات التصعيد.. بين الشعارات والواقع الاقتصادي يكشف المشهد المأزوم في عدن سقوط الرهانات على الحلول الجزئية. إن المشاريع التي ترفع شعارات الانفصال دون سيادة حقيقية على المقومات الحيوية في حضرموت والمهرة هي مشاريع تنتحر سياسياً. وهنا نؤكد من واقع مسؤوليتنا في لجنة توحيد الخطاب الديني: أن الوحدة اليمنية، بصيغتها العادلة، هي الملاذ الآمن والوحيد الذي تتحطم عليه المشاريع المشوهة؛ "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ". 3- ملامح "الشرق الأوسط الجديد" من باب المندب إلى سقطرى إن التحركات المشبوهة في "أرض الصومال" وعسكرة جزرنا من "بريم" إلى "سقطرى" ليست أفعالاً معزولة، بل هي فصول من كتابنا (الشرق الأوسط الجديد بأجندة صهيونية). الهدف هو إطباق الحصار على اليمن من ضفتي البحر الأحمر، والسيطرة على باب المندب عبر أدوات محلية. إن الصهيونية العالمية لا تريد يمناً قوياً موحداً، بل تريد شظايا جغرافية يسهل التحكم بقرارها. 4- مستجدات اللحظة وتطورات المشهد.. عسكرة البحار وخديعة المسارات البديلة إن ما نرقبه اليوم من تسارع في عسكرة الجزر اليمنية، ومحاولات تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة مغلقة بإشراف قوى دولية ترعى المصالح الصهيونية، هو التطبيق العملي لمرحلة "قضم السيادة" التي حذرنا منها. إن الحديث عن ممرات تجارية بديلة أو مشاريع ربط إقليمي تتجاوز جغرافيا اليمن الموحد ليس إلا فصلاً جديداً من فصول حصار الوعي قبل حصار الأرض، مما يفرض على القوى الوطنية في عدن وصنعاء على حد سواء، إدراك أن العدو لا يستهدف فصيلاً بعينه، بل يستهدف الموضع الجيوسياسي لليمن ككل. ختاماً.. رسالة إلى كل القوى الوطنية إننا من منطلق مسؤوليتنا، نمد أيدينا لكل الأطراف للالتفاف حول القواسم المشتركة: السيادة، والاستقلال. إن اليمن لن يكون لقمة سائغة، وكما قال البردوني: "تملك الآن عجن أمري، ولكن.. سوف يُعييكَ آخرَ الأمر أكْلي" الحوار اليمني-اليمني المباشر هو السبيل الوحيد لوأد الفتنة وحماية الجسد اليمني من التمزق والارتهان للأجندة الصهيونية. "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".