ا بتكر علماء في بريطانيا أول عقار غربي لإصلاح الجينات التالفة وعلاج المرضى المصابين بمرض نادر يسبب جلطات في الدم.. لكن العثرة الوحيدة هي في أن سعره مكلف جدا ويقارب المليون دولار. العلاج الجيني لمرض نقص انزيم ليبيز للبروتينات الدهنية - وهو خلل وراثي يضاعف من خطر التهاب البنكرياس لدرجة قد تؤدي للوفاة - من المرجح أن يكلف أكثر من مليون دولار للمريض الواحد عندما يطرح في الأسواق بأوروبا هذا الصيف.
تنال الأمراض النادرة اهتماما غير مسبوق من شركات الأدوية. وخصص أكثر من ربع 39 دواء جديدا تمت الموافقة عليها في الولاياتالمتحدة العام الماضي لمثل هذه الحالات.
بالتالي هناك فترة مقبلة في مصلحة أشخاص يشنون حملات لمرضى الحالات النادرة مثل البريطانية جيل بروير التي تقود مجموعة دعم المرضى بداء نقص ليبيز البروتينات الدهنية وغيرهم ممن يدافعون عن احتياجات الأشخاص الذين يعانون من حالات لا تقل غموضا عن هذه الحالة.
وهي مسرورة بالطبع لابتكار دواء علاج مرض نقص ليبيز البروتينات الدهنية واسمه (جليبيرا). قالت بروير "إنه رائع." وعانت بروير التي تبلغ من العمر 50 عاما وهي أم لثلاثة من الأبناء طوال حياتها من هذا المرض.
وحتى الآن كانت الحكومات وشركات التأمين تقبل أسعارا يمكن أن تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات لمنتجات تعالج أمراضا نادرة. وبما أن عددا قليلا جدا فقط من المرضى هم الذين يحتاجون العلاج فإن إجمالي التكلفة لميزانيات الصحة محدودة نسبيا.
لكن الجهات التي تقدم خدمات الرعاية الصحية أصبح يتعين عليها بشكل متزايد تحقيق التوازن بين الحاجة الماسة لعدد محدود من الناس وبين مصالح أوسع نطاقا للمجتمع في ظل ميزانية تكبلها قيود. وهناك اتجاه متزايد لإعادة النظر في هذه الأسعار الباهظة لهذه الموجة من الأدوية.
قال كارل كلاكستون استاذ علم اقتصاديات الصحة في جامعة يورك "المزيد من الشركات يدخل هذا القطاع لأنها رأت الأسعار المرتفعة جدا التي يمكن فرضها على بعض من الأدوية المعالجة لهذه الأمراض النادرة."
وأضاف "لا يمكن استمرار هذا الوضع. أنظمة الرعاية الصحية في أنحاء العالم تمر بضغط مالي متزايد وجميعها بدأت تدقق بعناية بالغة ما الذي تحصل عليه مقابل الأموال التي تدفعها."
ومع إتاحة المزيد من وسائل العلاج ودراية العلماء على نحو أكبر بأسباب ستة آلاف أو سبعة آلاف مرض يصيب أكثر من واحد في المئة من السكان فإن هناك مؤشرات على أن الجهات التي تدفع مقابل هذه الأدوية تتراجع خاصة في اوروبا التي تعاني تقشفا شديدا.
وبدءا من الأسبوع الماضي أتيح دواء جديد اسمه كلايديكو في جهاز الرعاية الصحية الحكومي لنحو 270 مريضا في انجلترا مصابين بحالة نادرة من المرض الرئوي التليف الحويصلي.
لكن لم تتم إجازته إلا بعد أن خفضت شركة فرتكس للأدوية من السعر الرسمي الذي بلغ 182625 جنيها استرلينيا (297 ألف دولار) سنويا. وحجم التخفيض مسألة سرية.
وفي هولندا ثار جدل في العام الماضي حول ما إذا كان يتعين على مجلس التأمين الصحي (سي.في.زد) مواصلة تمويل وسائل علاج باهظة الثمن بديلة عن الانزيمات لأشخاص يعيشون بمرضي فابري وبومبي.
وفي النهاية وافق مجلس التأمين الصحي على مواصلة الدفع لكن القضية أبرزت صعوبات تقييم قيمة الأدوية للحالات النادرة في ظل عدم وجود الكثير من الأدلة التي يمكن الحصول عليها من التجارب الإكلينيكية التي يشارك فيها عدد محدود جدا من المرضى.
وفي حالة العلاج الجيني فربما لا يمكن تجنب الأسعار الباهظة جدا بما أن جرعة واحدة من الممكن أن تدوم طوال العمر مما يعني عدم إتاحة الفرصة لأي شركة دواء لاستعادة الاموال التي دفعتها إلا مرة واحدة فقط.
وفي الولاياتالمتحدة وفي أوروبا غيرت أدوية للأمراض النادرة أفكارا عما يجعل أي شركة أدوية تجني أرباحا.
وعادة ما كانت شركات الأدوية تعتمد على أدوية تنتج بكميات كبيرة لعلاج امراض مثل ارتفاع الكوليسترول لكن انتهاء فترات براءة الاختراع يتيح للمنافسين صنع نسخ أرخص ثمنا قللت من الأرباح في هذا المجال. وعلى العكس من ذلك فإن الأمراض النادرة تتيح أسعارا خاصة ولا تلقى فيها الشركات منافسة تذكر.
وفي حين أن هذه السياسة حفزت المزيد من الابتكار فإن بعض المستثمرين يشعرون بالتوتر أيضا بشأن الأسعار في المستقبل.
قال ديفيد بينيجر الذي يملك أسهما في شركات تنتج أدوية لأمراض نادرة "قضية استمرارية أسعار أدوية الأمراض النادرة هي حقا الشغل الشاغل للمستثمرين في اللحظة الراهنة."
وأضاف "السؤال هو ما إذا كانت استراتيجية الأدوية النادرة يمكن أن تصبح ضحية لنجاحها؟ في ظل التقشف والضغط على الأسعار فإن هذا المجال سيخضع لتدقيق متزايد."
وأظهر تحليل أجرته تومسون رويترز أن سوق أدوية الأمراض النادرة بلغت قيمتها اكثر من 50 مليار دولار في نهاية 2011 ومثل الإنفاق نحو ستة في المئة من إجمالي مبيعات الأدوية.
لذا فليس من المستغرب أن تبدي شركات الأدوية الكبرى اهتماما متزايدا بالأمراض النادرة وظهر ذلك في شراء سانوفي شركة الأدوية جينزايم عام 2011 وقرار شركات كبرى منها فايزر وجلاكسو سميث كلاين دخول هذه السوق رويترز