مقتل خمسة أطفال إثر انفجار قذيفة من مخلفات مليشيا الحوثي بتعز اليمنية    ادانات حقوقية لانتهاكات الحوثي بحق دور العبادة وخطباء المساجد بالبيضاء اليمنية    سوق الصرف الموازية خلال يومين.. ثبات في صنعاء وتذبذب في عدن    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد في الجنوب واليمن    وزارة التربية تعلن السابع والعشرين من أغسطس المقبل موعد انطلاق العام الدراسي الجديد 2025/ 2026    للتخلص من حصوات الكلى... 5 علاجات طبيعية يمكنك اتباعها في المنزل    التغيرات المناخية تجتاح العالم.. كوارث طبيعية مدمرة تدق ناقوس الخطر    إب تسجل اعلى نسبة في كمية الامطار ب 40.3ملم    السعودية والإمارات سبب معاناة المواطنين ومبادرة مياه الحوبان تواجه بتقاعس    40.6 مليون نسمة سكان اليمن في 2030    مناقشة خطة جامعة البيضاء للعام 1447    اليمن يعيد رسم خرائط النفوذ والسيطرة في المنطقة    خلايا جذعية لعلاج أمراض الكبد دون جراحة    القوة الأسيوية والطموح النازي الغربي    الانهيار الكارثي للريال اليمني: أزمة تهدد وجود المواطنين    "صالح" أم الإخوان.. من أسقط اليمن في الفوضى؟    مبعوث أمريكا يهدد لبنان: تسليم سلاح حزب الله أو ضمكم لسوريا    السكان يضربون 5 لصوص حتى الموت    سلطة شبوة تفتقد للوفاء والإنسانية ... مات الدكتور الصالح دون اهتمام    حقيبة "بيركين" الأصلية تسجل أغلى حقيبة يد تباع في التاريخ، فكم بلغت قيمتها؟    إيجا تُدخل بولندا قوائم أبطال ويمبلدون    تاريخ مواجهات تشلسي وسان جيرمان قبل مواجهتهما بنهائي كأس العالم للأندية    عقوبات تنتظر الهلال حال الانسحاب من السوبر    بعد 98 عاما.. بريطانيا تكسب «زوجي» ويمبلدون    اقرار دولي بمشروعية العمليات اليمنية في البحر الاحمر    - بلاغ من سكان صنعاء للضبط المروري بشأن إزعاج الدراجات والسيارات المعدّلة    - جريمة مروعة في محافظة إب: طفلة بريئة تتعرض للتعذيب على يد خالتها وزوجة أبيها    يا بن بريك.. من لا يملك حلاً فعليه أن يتنحّى    لقاء سوري إسرائيلي مرتقب في اذربيجان    ما وراء الكواليس: تفكيك لغز الصراع اليمني    عُهرٌ سياسيٌ بذاكرةٍ مثقوبة.. من الذي لم يَفعل..!    باقزقوز يهاجم الحارس القضائي ويطالب بإيقافه وتسليم مهامه إلى لجنة حكومية    تغاريد حرة .. عصر فاقد للوعي والموقف والضمير    ألكاراز يتأهل إلى نهائي ويمبلدون للمرّة الثالثة توالياً    صنعاء .. البنك المركزي يكشف مواصفات العملة المعدنية الجديدة    مودريتش لريال مدريد: إلى لقاء قريب    إدارة المبادرات المجتمعية في إب تتسلم خزان مياه للشرب في ذي السفال    سعر الدولار في عدن وحضرموت اليوم السبت 12يوليو 2025    نيوكاسل الانجليزي يعلن تعاقده مع إيلانغا في صفقة ضخمة    رئيس الوزراء يدشن الجولة الأولى من الحملة الوطنية الطارئة للتحصين    خاطرة عن الفضول في ذكراه    شيرين وفضل شاكر في دويتو غنائي جديد    متوسط أسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 12 يوليو/تموز 2025    وسط تحذيرات من انهيار الوضع الصحي.. تزايد حالات الإصابة بالأوبئة في ساحل حضرموت    اليوم بعدن.. انطلاق الجولة الأولى من الحملة الوطنية الطارئة للتحصين ضد مرض شلل الأطفال    قمة أوروبية في نهائي مونديال الأندية    الضالع.. عناصر أمنية تعبث بموقع أثري وتطلق النار على فريق من مكتب الآثار بالمحافظة وتمنعه من الدخول    القبض على عنصرين متورطين في 3 تفجيرات بعدن    "الأيروجيل".. إسفنجة شمسية تحول ماء البحر إلى عذب من دون طاقة    مات كما يموت الطيبون في هذا البلد..!    العثور على نوع جديد من الديناصورات    العثور على كنز أثري مذهل يكشف أسرار ملوك مصر قبل الأهرامات    عن بُعد..!    يهودي من أبوين يهوديين.. من هو الخليفة أبو بكر البغدادي؟    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء الكواليس: تفكيك لغز الصراع اليمني
نشر في شبوه برس يوم 13 - 07 - 2025

في دهاليز السياسة الدولية حيث تتلاقى المصالح وتتداخل الأجندات لتشكل حبكة معقدة، غالباً ما تكون على حساب الشعوب المستضعفة. واليمن، هذا البلد الذي يعاني ويلات صراع لم تتضح بعد أبعاده واسبابه الحقيقية، يقدم لنا نموذجاً صارخاً لمسرحية دولية هزلية عبثية، تتكشف فصولها أمام أعيننا، لكننا نصر على تصديق السيناريو المعلن، رغم تناقضاته الصارخة ومنطقه المقلوب.

دعونا نبدأ من الحروب الست الدموية التي خاضها الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد جماعة الحوثي في السنوات الأخيرة من حكمه. حيث قُتل الآلاف من الطرفين، من قادة عسكريين وجنود ومواطنين، في صراع بدا وكأنه حرب وجودية والغريب في الأمر أن الحوثيين، في تلك المرحلة، كانوا مجرد فئة هامشية محصورة في منطقة جغرافية ضيقة من صعدة، ولم يكن لها ذكر أو تأثير قبل ظهورها المفاجئ. فكيف لهذه الجماعة المحدودة، والتي كانت معزولة تماماً في بيئة لا تشكل حاضنة حقيقية لها، أن تصمد كل تلك السنوات أمام جيش نظامي ضخم ومنظم، يمتلك أسلحة ثقيلة ومتطورة وكيف لم تُهزم هذه الجماعة رغم استحالة وصول أي دعم عسكري خارجي حقيقي إليها في ظل ذلك الحصار والأهم من ذلك، ان هذه الجماعة لم تكن لها قضية واضحة أو مشروع سياسي مفهوم يمكن أن يحشد دعماً شعبياً واسعاً حولها وهذا المشهد الأول بحد ذاته يثير تساؤلات عميقة حول القدرة الحوثية على الصمود، ويضع علامات استفهام حول طبيعة تلك الحروب ودوافعها الحقيقية.

ننتقل إلى المشهد الثاني، بعد الإطاحة بنظام صالح بموجب المبادرة الخليجية. فمن بديهيات انتقال السلطة في أي نظام سياسي في العالم، أن تنتقل السيطرة والقيادة على الجيش بصورة تلقائية إلى الرئيس الجديد الذي يتسلم دفة الحكم حيث لم يحدث في تاريخ كل أشكال انتقال السلطة، سواء كانت سلمية أو ثورية او انقلابية، أن يبقى الجيش تحت إمرة الرئيس الساقط أو المخلوع أو السابق، مهما بلغ ولاؤه له فبمجرد تسليم السلطة، يصبح ولاء الجيش للمؤسسة ولرأس الدولة الجديد، لا للشخص الذي غادر كرسي الرئاسة. وفي الحالة اليمنية، تسلم الرئيس عبد ربه منصور هادي زمام الحكم من صالح بشكل سلمي وودي، وهو ما كان يفترض أن يضمن انتقالاً سلساً وتلقائيا لولاء القوات المسلحة اليه بشكل كامل

لكن ما حدث بعد مرور أكثر من سنتين على حكم هادي، كان صادماً ومناقضاً لكل منطق. فعندما اقتحم الحوثيون صنعاء دون أي مقاومة تذكر، تفاجأنا جميعاً بإعلام يمني وإقليمي ودولي يبرر ما حدث بأن "عفاش والحوثي اتفقوا وتآمروا سراً فيما بينهم على الإطاحة بالرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي". وزعموا أن صالح، رغم سقوطه من الحكم، قبل عامين فقد بقي مسيطراً على الجيش منذ ذلك الحين ثم وضعه في آخر المطاف تحت تصرف الحوثي.

وهنا تكمن ذروة العبث واللا منطق. اذ كيف يمكن أن يتفق عفاش والحوثي بتلك السهولة، وهما اللذان قتلا الآلاف من أتباع بعضهما البعض لسنوات طويلة وهل يعقل أن تتحول عداوة دموية طويلة الامد وحروب طاحنة إلى تحالف سري بهذه السرعة واليسر والأكثر غرابة هو أن عبد ربه منصور هادي، الذي استلم الحكم من بعد صالح، كان أقرب إليه بكثير جداً من الحوثي ولم يكن هادي نائباً لصالح فحسب، بل كان قيادياً بارزاً في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح، وكان متأثراً به ووفياً له. فكيف يعقل أن يتآمر عفاش ويتحالف مع أعدائه اللدودين (الحوثيين) للإطاحة بمن اختاره بنفسه لاستلام الحكم من بعده وهذا عمل لا يتماشى البتة مع أي منطق سياسي أو حتى شخصي.

ولنفترض جدلاً، ومن باب المجاز المستحيل، أن ذلك قد حدث فعلاً بين صالح والحوثي، وأن صالح ظل محتفظاً بالجيش لمدة تزيد عن عامين بعد تسليمه للحكم، رغم استحالة ذلك عملياً فهل يعقل أن يضع صالح الجيش كله تحت سيطرة وتصرف الحوثيبن، وهي الجماعة التي لا تملك أي شرعية ولا تأثير أو سطوة على مؤسسة الجيش ولا على الشعب قي ذلك الوفت بل كانت عدواً لها ولماذا قد يقبل هذا الجيش ان يكون تحت تصرف الحوثي ومواليا له ، في حين لم يستجب للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وبقي موالياً لصالح، ثم فجأة يسلم نفسه للحوثي بكل سهولة دون قيد أو شرط ولم يحتفظ بولائه لصالح الذي قتل على يد الحوثيين دون ان يحرك هذا الجيش ساكنا حياله هذا التناقض الصارخ لا يمكن أن يصدقه جاهل أو غبي، ومع ذلك فقد تم تمريره ببراعة على الشعب اليمني برمته.

وليزيد المشهد غرابة، ويُضفي عليه لمسة من الفنتازيا التي تُشاهد في الأفلام الهندية لا في الواقع السياسي، يأتي مشهد "هروب" الرئيس عبد ربه منصور هادي من قبضة الحوثيين المحكمة في صنعاء. فهل يعقل لرئيس محاصر، ومستهدف من قبل كل قوات خصومه في منزله وتحت رقابة عالية وتركيز شديد، أن ينجو بهذه السهولة المدهشة، ويقطع مئات الكيلومترات ليصل إلى عدن، ثم تلاحقه القوات الحوثية بالغارات الجوية والقوات البرية لتُحتل عدن فسيناريو الهروب هذا، وتوقيته، وما تلاه من أحداث، لا يمكن تفسيره إلا في إطار كونه جزءاً من مخطط مرسوم، يُراد منه إعطاء الشرعية للمرحلة التالية من الصراع، وتبرير التدخلات القادمة.

إن هذه السلسلة من التناقضات والقفزات غير المنطقية، التي تتجاوز حدود العقل والمنطق السليم، ليست مجرد أخطاء في السرد أو سوء فهم للأحداث. بل إنها دليل قاطع على أن الأطراف التي تمثل الخصومة والاتفاق في اليمن، هي أطراف تعمل في الحقيقة لصالح جهة دولية واحدة، أو بتوجيه من "مُخرِج دولي" واحد هو الذي يقف خلف الكواليس، ويحركها ويوزع الأدوار عليها وفقاً لما تقتضيه معطيات وظروف كل مرحلة من مراحل المخطط الأكبر الذي بتم تنفيذه فالعداوات تتبدل إلى تحالفات بلمح البصر، والجيوش تسلم نفسها لأعدائها، والرؤساء يُطاح بهم على يد حلفائهم المفترضين، كل ذلك يتم في إطار سيناريو محكم يخدم أجندة خفية وأهدافاً جيوسياسية تتجاوز بكثير مصالح اليمنيين أنفسهم.

إن الشعب اليمني، الذي دفع ثمناً باهظاً لهذه المسرحية الدموية، يستحق أن يعرف الحقيقة. فاستمرارية ترويج روايات غير منطقية، وتمرير أحداث لا يصدقها عاقل، لا يخدم إلا استمرار حالة الفوضى والضبابية التي تسمح ل"المخرج" بالاستمرار في تحريك دمى الصراع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.