في وقتٍ يئن فيه الشعب تحت وطأة الجوع والفقر وانعدام الخدمات، وفي حين يبحث الآلاف من المواطنين عن لقمة العيش في صناديق القمامة، لا تزال ملايين الدولارات تُصرف شهريًا من خزينة الدولة لمجموعات في الخارج لا شغل لهم سوى الاستثمار في بلاد المهجر والتنعم بحياة الرفاهية، بعيدًا عن معاناة الوطن وأوجاعه. الأدهى من ذلك أن هناك أصواتًا ترتفع وتصرّ على الدفاع عن استمرار صرف هذه المبالغ بالعملة الصعبة، متذرعين بأنهم "نازحون" بحكم الأوضاع. وهنا نقف لنسألهم بمرارة:
بأي عملة صعبة نصرف للنازحين الحقيقيين، الذين أُجبروا قسرًا على ترك بيوتهم وقراهم، وهم بالملايين داخل الوطن؟
بأي عملة صعبة نصرف لأسر الشهداء الذين قدّموا أرواحهم الطاهرة فداءً للوطن، وهم بالآلاف ينتظرون لقمة كريمة تحفظ لهم الحد الأدنى من الحياة؟
أليس من العار أن تُهدر العملة الصعبة في جيوب قلةٍ من الموظفين في الخارج، بينما تُترك أسر الشهداء تواجه قسوة الجوع؟ أليس من الظلم أن يُنفق على حياة الرفاهية لمن لا يعملون، بينما النازحون يعيشون تحت الخيام، وأطفالهم يتضورون جوعًا وبردًا؟
لقد أصبح من المخجل أن يبرّر البعض استمرار هذا النزيف بحجج واهية، متناسين أن الوطن ينزف، وأن الملايين مشردون، وأن مئات الآلاف قضوا شهداء من أجل أن يبقى الوطن. فأي منطق أعوج هذا، وأي ميزان مقلوب ذاك؟
إننا اليوم أمام معادلة صارخة: إن كانت هناك عملة صعبة تُصرف، فأولى بها أسر الشهداء والنازحين، لا أولئك الذين يعيشون في فنادق المهجر ويتذرعون بالهروب من الأوضاع.
وعليه، فإننا نرفع صوتنا عاليًا بالمطالبة بوقف هذه الممارسات فورًا، وتحويل تلك المبالغ إلى صندوق خاص بأسر الشهداء والنازحين، فهذا هو الوفاء الحقيقي لمن ضحّوا بأرواحهم، وهو أقل واجب تجاه الملايين الذين شُرّدوا قسرًا من ديارهم.