من الاجتياح إلى التحرير.. قصة جيش الجنوب الذي لم يُكسر    بن سلمان دمّر السلفية التكفيرية ودفنها ونشرها اليمنيون للسيطرة على الجنوب    انتقالات الدوري الإنجليزي.. أرقام قياسية في اللحظات الأخيرة    حقيقة واضحة: لا يمكن للفاسد أن يحارب الفساد.    محافظ العاصمه عدن بزياره خاصة الى منزل الموسيقار احمد بن غودل    تواصل حملة رفع مخلفات المنخفض الجوي في التواهي بعدن    الاتحاد التعاوني الزراعي يدين ويستنكر الجريمة الصهيونية باستهداف رئيس الوزراء وعدد من رفاقه    مسيرة ضوئية بذماراحتفالا بالمولد النبوي    ذمار .. استكمال كافة التجهيزات الخاصة بالفعالية المركزية للاحتفاء بالمولد النبوي    ابتكار ياباني يستعيد نمو الأسنان    غرق شابين في إحدى برك المياه بتريم    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يتفقد مستشفى زنجبار ومركز معالجة الإسهالات    كسر الهدنة.. الطريق إلى صنعاء والجنوب معًا    القطيبي ربح 10 مليون دولار في يوم الاحتيال والباقي للحوثي وتجار القات والخضار    البنك المركزي اليمني والمؤامرة على أموال المواطنين    «فلاشينج ميدوز».. إيجا الأصغر في ربع النهائي    64 دقيقة تقود نعومي إلى ربع النهائي    بن حبريش... يُحوِّل القبيلة من حامية إلى أداة صراع    حرب غزة تؤثر على نفوذ إسرائيل في الكونغرس الأميركي    العمليات البحرية اليمنية تثير دهشة وقلق الغرب    القائم بأعمال رئيس الهيئة وعدد من أعضائها يزورون اسرة الشهيد القاضي مجاهد احمد عبدالله    مستشار المجلس السياسي الترب: لا مجال للحسابات السياسية بعد اغتيال رئيس الحكومة ورفاقه    بلجيكا: سنعترف بفلسطين ونعاقب إسرائيل    عدن... انقطاعات الكهرباء تجبر النيابة العامة على دفن عشرات الجثث مجهولة الهوية    الصلاحي: اليمن بحاجة إلى خارطة طريق تنفذها تنقذها من ضلال النخب والوعي الزائف    المبعوث الأممي: اليمن لا يمكن أن يصبح ساحة لصراع جيوسياسي أوسع نطاقاً    من أئمة الزيدية إلى وريثهم الحوثي.. الفوضى واستدعاء الحروب شرط البقاء    الجاوي: هل يتكرر نموذج لبنان في اليمن..؟    تقرير اممي: مسارات متباينة لأسعار الصرف والوقود والغذاء في اليمن    المنتخب الأولمبي ينهي معسكره الخارجي ويغادر للمشاركة في التصفيات الآسيوية    إب .. مسلحون يعتدون على موظفة في منتجع سياحي    الحكومة تحذر من خطورة نهب الحوثيين لبيانات اليمنيين وتسليمها لطهران    تحذير يمني لاتحاد ملاك السفن من خطورة التعامل مع الموانئ الإسرائيلية    محافظة شبوة تُحيي ذكرى المولد النبوي الشريف    رسالة عاجلة إلى الحكومة.. مهندس الاقتصاد .. نسخة لا تتكرر    احتجاجات في عدن ولحج تنديدا بتلاعب شركات الصرافة بأسعار العملة    إيساك ينتقل إلى ليفربول مقابل مبلغ خرافي    وفاة الأمين العام للاتحاد اليمني لألعاب القوى عبيد عبود عليان    من يقف خلف اضطراب سوق الصرافة في عدن؟! ومن المستفيد مما حصل؟!    البنك المركزي ينفي صحة وثيقة مزورة بشأن تحديد سعر الصرف    بعد شهر من البحث.. الأمن يضبط الشابة المفقودة في ليلة زفافها بذمار    على هامش الذكرى.. إشهار كتاب "ثوار في رحاب الله" وزارة الثقافة وهيئة الكتاب تُحييان الذكرى ال26 لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني    الحليب كامل الدسم.. متى يشكل خطرا على الكبد؟    رئيس جامعة ذمار ل»26سبتمبر»:استعدادات مكثفة لانطلاق الفعالية المركزية للمولد النبوي الشريف    بشرى النبوة    مرض الفشل الكلوي (19)    برشلونة يقع في فخ التعادل مع رايو فاييكانو ويفقد الصدارة    آن الأوان أن نقرأ البردوني كاملاً، لا أن نختزله في الشعر وحده    اشهار كتاب ثوار فى رحاب الله للبردوني    الرئيس الأمريكي كارتر يزور الصحفي بن سميط في منزلة بشبام    بعد 1500 عام.. حل لغز أول جائحة في التاريخ من مقبرة جماعية في الأردن    يا سر الوجود.. لولاك ما كان قدرٌ ولا إسراءٌ ولا دنيا    ترييف المدينة    إغلاق 10 منشآت طبية وصيدليات مخالفة في مأرب    عظمة الرسالة المحمدية وأهمية الاحتفال بالذكرى العطرة لمولده الشريف    مشروع الطاقة الشمسية.. كيف نحافظ عليه؟    معاذ السمعي الشاعر المنسي في جغرافية النص    إغلاق 18 منشأة صحية وصيدلية مخالفة للتراخيص والأسعار بشبام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كسر الهدنة.. الطريق إلى صنعاء والجنوب معًا
نشر في شبوه برس يوم 02 - 09 - 2025

ليست المشكلة في اليمن أن الحرب طالت، بل إن الوهم طال أكثر، الوهم بأن الهدنة المعلنة في 2022 كانت مخرجاً من النزيف، بينما هي في حقيقتها غطاء لإعادة إنتاج النفوذ الحوثي، وتجميد للجبهات، وتعطيل لقوة كان يمكن أن تغيّر المعادلة في وقت أبكر.

منذ ذلك التاريخ، شُلّت الجبهات العسكرية، وضُخت أموال في البنك المركزي بعدن لضبط السوق النقدي، وحاولت الحكومة إيهام الشعب أن هناك إدارة للأزمة.

لكن الواقع كشف أن الجوع يتسع، وأن الاقتصاد يترنّح، وأن الحوثي وحزب الإصلاح هما منّ يستثمران "السلام المؤقت" ليعيدا ترتيب الأوراق، وليفتحا معارك أخرى لتثبيت وقائع تخادم القوى الإسلاموية.

اليوم، باستهداف مليشيات الحوثي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، تنكشف اللعبة بوجهها الحقيقي، لم تعد المواجهة محصورة في جبال صعدة أو أزقة صنعاء، بل تمددت إلى الممرات الدولية، الحوثي يعلن صراحة أنه لاعب على مسرح البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، وأنه قادر على تعطيل شريان الطاقة الذي تعوّل عليه الحكومة لإعادة تصدير النفط والغاز من المناطق المحررة. بهذا المعنى، تصبح الهدنة بلا قيمة، مجرد ورقة ذابلة في يد مجتمع دولي يبحث عن "هدوء شكلي" ولو على حساب استقرار شبه جزرة العرب.

لكنّ الجديد ليس في فعل الحوثي وحده، الجديد أن إسرائيل قررت كسر الخطوط الحمراء، والذهاب مباشرة إلى عمق صنعاء، الضربة التي استهدفت اجتماع حكومة الحوثيين لم تكن مجرد رسالة عابرة، بل إعلانا صريحا بأن صنعاء مكشوفة، وأن بنك الأهداف لم يعد مقتصراً على منصات الصواريخ أو مخازن السلاح، بل وصل إلى الصف الأول والثاني من قيادات الجماعة.

حين يُقتل رئيس حكومة الحوثي أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه في لحظة واحدة، فهذا يعني أن لعبة "القداسة السياسية" التي حاول الحوثي تسويقها داخلياً وخارجياً قد سقطت.

التاريخ يقول إن إسرائيل لا تدخل حرب اغتيالات إلا وتذهب فيها إلى آخر الطريق، فعلتها مع حزب الله في لبنان، حين راكمت عملياتها حتى وصلت إلى قادة الصف الأول، وفعلتها في سوريا والعراق حين استهدفت أذرع إيران بضربات متتالية أنهكت منظومتها الأمنية والعسكرية.

واليوم، يبدو أن شمال اليمن في الطريق ذاته: بنك أهداف يتدرج من الوزراء والمشرفين إلى القيادات العقائدية، وصولاً إلى رأس الهرم نفسه: عبدالملك الحوثي، لا مبالغة في القول إن احتمال تصفيته أصبح جزءاً من النقاش الواقعي لا من الخيال السياسي، فإسرائيل حين تبدأ لا تتوقف عند نصف الطريق.

في المقابل، تقف الحكومة الشرعية كأنها متفرّجة، ألوية العمالقة الجنوبية ترابط في الساحل الغربي، وقوات المقاومة الوطنية في المخا، وتشكيلات ما يسمى" الجيش الوطني" موزعة بين مأرب والجوف وتعز ووادي حضرموت.

لكنّ القرار السياسي ما زال مكبّلاً بوصاية إقليمية دولية تُسمى هدنة، أيّ منطق يقبل أن يفتح الحوثي جبهات البحر والملاحة ويهدد النفط العالمي بينما تُمنع الشرعية من تحريك جبهة واحدة باتجاه صنعاء؟، هذه ليست إدارة حرب، بل استسلام تحت اسم السلام.

الخليج كذلك أمام لحظة حاسمة: استهداف السفن في البحر الأحمر ليس شأناً يمنياً فقط، بل تهديدا مباشرا لأمن السعودية وممرات الطاقة العالمية، هنا تبرز معادلة معقدة وصعبة؛ فبينما تسعى الرياض لترتيب المشهد مع طهران عبر قنوات التهدئة، يجد الحوثي نفسه أكثر جرأة على التصعيد، مدفوعًا بالثقة أن الاتفاق السعودي-الإيراني لن يصل إلى قرار حاسم في اليمن.

الخليج كذلك أمام لحظة حاسمة، استهداف السفن في البحر الأحمر ليس شأناً يمنياً فقط، بل تهديدا مباشرا لأمن المنطقة وممرات الطاقة العالمية؛ فالممرات البحرية من باب المندب إلى خليج عدن تمثل شرياناً حيوياً للتجارة الدولية، وأي استهداف لها يعيد الجنوب إلى قلب المعادلة، باعتباره القوة البرية الوحيدة المنضبطة والقادرة على حماية الساحل الطويل من عدن إلى المخا، وهذا يعيدنا إلى التذكير بمكتسبات "عاصفة الحزم" التي يحسب لدولة الإمارات المحافظة عليها وفقاً لالتزاماتها القومية والأخلاقية.

أما واشنطن، فهي تمارس لعبة مزدوجة، من جهة، لا تعارض الضربات الإسرائيلية لأنها تضعف إيران في اليمن، ومن جهة أخرى لا تمنح الشرعية والتحالف العربي ضوءاً أخضر للتحرك البري خشية أن يخرج المشهد عن سيطرتها.

إن الإدارة الأمريكية تريد إضعاف الحوثي دون السماح بنصر كامل يعيد رسم الخريطة على غير هواها، وهنا تكمن خطورة الجمود بأن تتحول اليمن إلى مساحة "إدارة أزمات" بدلاً من الحسم، بحيث يبقى الحوثي موجوداً كشوكة في الخاصرة دون أن يُكسر نهائياً.

هنا يأتي دور المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لا يمكنه البقاء في موقع الغموض إلى ما لا نهاية، الجنوب يمتلك قوة منظمة، جرّبت نفسها في أصعب اللحظات، من تحرير عدن إلى تأمين الساحل الغربي وحتى تحرير المكلا 2016، واليوم، أمامه خيار استراتيجي لا يحتمل المناورة؛ فإما المشاركة في هجوم بري يفتح الطريق إلى صنعاء، مقابل اعتراف سياسي كامل بدولة الجنوب واستعادة وضعها الدولي، أو الاكتفاء بعملية دفاعية تحمي الأرض الجنوبية ومكتسباتها وتترك معركة الشمال لمصيرها.

هذا الخيار لا يخص الانتقالي وحده، بل يضع الإقليم العربي والعالم أمام مسؤولية التعامل مع الجنوب كطرف سياسي شرعي، لا كملف مؤجل إلى حين انتهاء الحرب.

الخيار الأول: يعني أن الجنوب يدخل شريكاً كاملاً في صناعة النصر، لكن بثمن واضح هو الاستقلال السياسي، أما الخيار الثاني فيحافظ على قوات الجنوب من الاستنزاف، لكنه يترك الحوثي متمركزاً في صنعاء، ويجعل اليمن يعيش حلقة جديدة من اللاسلم واللاحرب.

وبذلك، فإن قرار الانتقالي لا بد أن يكون صريحاً وواضحاً؛ فإما أن يكون رأس الحربة في الهجوم، أو أن يُعلن أنه معني فقط بحماية حدوده ومشروع دولته، أيّ غموض في هذه اللحظة التاريخية سيعني أن الآخرين سيقررون نيابة عنه، وهذه مخاطرة أكبر من أي معركة عسكرية.

المعادلة صارت واضحة.. كلما طال الجمود، زاد نفوذ الحوثي في البحر، وتعمق اختراق إيران في المنطقة، وكلما تأخر القرار الجنوبي، بقيت شرعية الجنوب نصف معترف بها، بلا وزن كامل في المعادلة الدولية، لذلك فإن لحظة الاختيار اليوم أخطر من أي وقت مضى، الجنوب يمكن أن يكون رأس الحربة في معركة صنعاء، لكن الثمن يجب أن يكون سيادته المعترف بها، لا مجرد إشادة عابرة في بيانات التحالف العربي.

في المدى القريب، ستتواصل الضربات الإسرائيلية على مراكز القرار الحوثي، وفي المدى المتوسط، سيجد الحوثي نفسه في مواجهة فراغ قيادي إذا طالت الاغتيالات قادته الأساسيين، أما في المدى الأبعد، فإن مشهد اليمن كله سيتغير.. لا الحوثي قادر على أن يظل وصياً على صنعاء، ولا الجنوب قادر على أن يبقى مؤجلاً في حسابات العالم.

وحتى هنا فإن كسر الهدنة لم يعد خياراً نظرياً بل ضرورة حتمية، إن لم يتحرك اليمنيون جنوبيون وشماليون أنفسهم—الشرعية والجنوب والمقاومة الوطنية—فإن إسرائيل وحدها ستكتب مشهد الشمال اليمني، والعالم سيتعامل مع الجنوب كرقم مؤجل، اللحظة تتطلب قراراً جريئاً بتحريك الجبهات، كسر وهم الهدنة، واستثمار الانكشاف الحوثي.

إن صنعاء ليست بعيدة، لكن الطريق إليها لا يُفتح بالانتظار، بل بالاقتحام، وهنا علينا تذكر مقولة الكاتب والمفكر الأمريكي تيرينس ماكينا "إن لم يكن لديك خطة، فستكون جزءاً من خطة غيرك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.