لا يضيف محرر "شبوة برس" جديدا إذا أكد أن السلطة الشرعية للسلاطين والأمراء والمشائخ التي حكمت الجنوب العربي على مدى قرون طويلة تعتبر أنظمة شرعية كغيرها من دول الخليج العربي وتجسيدًا وتعبيرا عن نظام سياسي واجتماعي راسخ في العدالة، حيث امتد عمر بعض السلطنات لأكثر من ثمانية قرون، نالت خلالها شرعيتها من رضا الناس ومباركتهم لأنها لم تظلم أو تبطش، بل حكمت بالقانون والعرف والشرع، فوفرت الأمن والأمان والاستقرار للمواطنين. واجهت هذه السلطنات الغزو اليمني والبرتغالي ثم البريطاني، لكن الغلبة في النهاية كانت لبريطانيا التي لم تتجاوز سيطرتها مدينة عدن كمستعمرة، فيما ظلّ الجنوب العربي متمسكًا بسلطاته الشرعية حتى قيام اتحاد الجنوب العربي كصيغة وطنية حديثة لاستمرار الحكم الشرعي وتنظيمه. استعاد أستاذ التاريخ في جامعة عدن الدكتور "محمود السالمي"، في منشور له على منصة "فيسبوك" رصده محرر "شبوة برس"، وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الإرشاد القومي في حكومة اتحاد الجنوب العربي، تسرد روايتها لأحداث 13 و14 أكتوبر 1963 في مشيخة القطيبي، والتي اعتُبرت لاحقاً الشرارة الأولى لما سُمّيت بثورة 14 أكتوبر.
وبحسب الوثيقة، فإن النائب التقدمي لمشيخة القطيبي آنذاك، "محمود بن حسن القطيبي"، كان يقوم بجولة ميدانية في أرجاء المشيخة لوضع خطط تنموية لتحسين أوضاع المزارعين، غير أن موكبه تعرض لهجوم مسلح في وادي "مِسْراح" من قبل مجموعة وُصفت بأنها "عصابات مرتزقة" عائدة من اليمن، وممولة منها بالسلاح والذخيرة.
وأوضح البيان أن القوات الاتحادية ردّت على الهجوم في اليوم التالي بعملية عسكرية شارك فيها الجيش والحرس الاتحادي، وأسفرت عن مقتل قائد المهاجمين راجح غالب لبوزة الذي وُصف في البيان ب"اللص والمفسد"، إلى جانب أحد مرافقيه، فيما أُصيب أربعة من عناصره دون وقوع أي خسائر في صفوف القوات الاتحادية.
وأكدت حكومة اتحاد الجنوب العربي في بيانها أن العملية كانت بمثابة "ردٍّ حاسم لتشجيع الأغلبية العظمى من القطيبيين الذين يتطلعون إلى إدارة جديدة تقودهم نحو حياة أفضل"، مشيرة إلى أن ما حدث لم يكن سوى تمرد مسلح بتحريض وتمويل من الجمهورية العربية اليمنية، يستهدف زعزعة الأمن في مناطق الاتحاد وإفشال مشروع الدولة الحديثة.
وأشار الدكتور محمود السالمي إلى أن هذه الوثيقة تكشف جانباً مهماً من الرواية التاريخية التي غُيّبت لاحقاً بفعل الدعاية السياسية التي قادتها الجبهة القومية، فرع حركة القوميين العرب، والتي تبنّت لاحقاً النهج الماركسي في الحكم بعد الاستقلال، ما تسبب في مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف من أبناء الجنوب خارج وطنهم.
ويرى السالمي أن المقارنة بين الروايتين – رواية اتحاد الجنوب العربي ورواية الجبهة القومية – تبرز بوضوح أن ما جرى في ردفان لم يكن عملاً وطنياً خالصاً كما رُوّج له، بل صراع نفوذ إقليمي مبكر، استُخدم فيه الجنوب كساحة صراع لتصفية حسابات بين اليمن والجبهة القومية، قبل أن يتحول إلى مشروع شمولي دموي هيمن على الجنوب لعقود.