تثير القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الكثير من علامات الاستفهام، ليس فقط حول توقيتها، بل حول مضمونها واتجاهها وأهدافها الحقيقية. قرارات من قبيل التلويح بفرض حالة الطوارئ، والحديث عن إنهاء الشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الخطوات التي جاءت دون أسباب واضحة أو مبررات وطنية مقنعة، وفي توقيت بالغ الحساسية تمر به البلاد. وما يثير الدهشة والاستغراب أن هذه القرارات المتشددة لم تُتخذ يوماً تجاه مليشيات الحوثي، رغم ما ارتكبته من انتهاكات صريحة وخطيرة تمس جوهر السيادة والاقتصاد الوطني. فقد أقدم الحوثيون على وقف تصدير النفط، وضربوا أهم شريان اقتصادي تعتمد عليه الدولة، ولم نسمع حينها قراراً حازماً أو موقفاً سيادياً صارماً من رئيس مجلس القيادة.
الأمر ذاته تكرر في ملف البنك المركزي، حين جرى تقويض قراراته وتهديده بشكل مباشر، دون أن يقابل ذلك رد فعل يعكس حجم المسؤولية أو خطورة ما حدث. بل إن الذروة كانت عندما هدد الحوثيون بقصف مطار عدن وبقية المطارات المحررة في حال عدم إعادة الطائرة المدنية اليمنية إلى مطار صنعاء، وهو تهديد إرهابي مكتمل الأركان، ومع ذلك قوبل بالاستجابة لا بالمواجهة.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: لماذا تُكسر هيبة الدولة أمام الحوثي، بينما يُلوّح بالقرارات والتصعيد في وجه الجنوب وشركائه؟ ولماذا يُمارس منطق الضغط على من قدّم التضحيات، ويُستبدل بمنطق التنازلات أمام من انقلب على الدولة وأشعل الحرب؟
إن الحديث عن هذه القرارات لا يمكن فصله عن حقيقة جوهرية طالما جرى تجاهلها، وهي أن الجنوب ليس الحلقة الأضعف كما يحاول البعض تصويره، بل هو مصدر الثروة الحقيقي في اليمن، بما يمتلكه من نفط وغاز وموانئ وموقع استراتيجي بالغ الأهمية. ومن هذا المنطلق، فإن كثيراً من هذه القرارات غير المبررة تثير شبهة الدوافع الاقتصادية، خصوصاً في ظل ما يُتداول عن استثمارات لرشاد العليمي ونجله في قطاع النفط، الأمر الذي يجعل من هذه القرارات وسائل لضمان استمرار التحكم بالثروة ونهبها، لا إجراءات وطنية تصب في مصلحة الشعب أو الدولة.
وعليه، فإن استهداف الجنوب بسلسلة من القرارات السياسية والضغوط غير المبررة، في مقابل الصمت أو التنازل أمام الحوثيين، لا يمكن تفسيره إلا في إطار حماية مصالح ضيقة، وضمان استمرار تدفق الثروة بعيداً عن الرقابة والمساءلة، حتى وإن كان ذلك على حساب معاناة المواطنين وانهيار الخدمات واستقرار الجنوب ومستقبل أي شراكة وطنية حقيقية.
إن ما يحتاجه اليمن اليوم ليس قرارات مرتجلة ولا تصفية حسابات سياسية، بل موقفاً وطنياً شجاعاً يعيد الاعتبار لهيبة الدولة، ويواجه الخطر الحقيقي دون ازدواجية أو انتقائية، ويُدرك أن الجنوب ليس خصماً، بل ركيزة أساسية، وأن ثرواته يجب أن تكون لخدمة الشعب لا جيوب المنتفعين.