لم تكن قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي مفاجأة للشرعية نفسها، بقدر ما كانت مفاجأة أيضاً للميليشيات الانقلابية في صنعاء، التي بدت مرتاحة لما حدث، وكأنها جاءت لخدمتها بشكل مباشر. القرارات الرئاسية التي قضت بتغيير المحافظ اللواء عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك مع إحالة الأخير للتحقيق، مثلت بالنسبة للميليشيات عودة عدن إلى السيطرة الإخوانية والأحمرية، وذلك بناء على أن التعيينات الجديدة جاءت لتحقيق رغبة علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح. وفي وقت رفض أبناء عدن قرارات الرئيس هادي وخرجوا إلى الشوارع رافعين لافتات ضد القرارات، ينكشف بشكل واضح أن ارتياح الميليشيات لتلك القرارات يصب في مصلحتها وليس في مصلحة أبناء عدن الذين شعروا بفارق كبير في تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية في المحافظة خلال الفترة التي تولى فيها الزبيدي منصب المحافظ. وتحاول الميليشيات الانقلابية عبر أدواتها الإعلامية تسويق ما حدث بالصراع بين المملكة والإمارات، ساعية من خلال ذلك إلى إقناع الناس بفرضية بعيدة وغير واقعية؛ فدولة الإمارات العربية المتحدة مع المملكة العربية السعودية تمثلان شريكين أساسيين لدعم الشرعية اليمنية، المعتدى عليها من قبل الميليشيات. ولكن ما يحدث يكشف عن اختراق مؤسسة الرئاسة من قبل حزب الإصلاح، الذي كان قد تضاءل نفوذه في عدن والجنوب بشكل عام، وهو ما دفعه للعب مع التحالف، والسعي وراء تنفيذ أجنداته الخاصة وإن كانت معاكسة لرغبة الشارع الجنوبي. وسعت وسائل الإعلام التابعة للانقلابيين في الترويج لحالة غير موجودة في عدن، وهي أن هناك توترا كبيرا ربما ينتهي بصدام بين المؤيدين للقرارات ومن يرفضونها، مع أن من صدر بحقهم قرارات لم يعلنوا موقفهم حتى الآن، على الرغم من تحرك الشارع لمساندتهم. تتلاقى مصالح حزب الإصلاح ومن يساندهم في مؤسسة الرئاسة مع الميليشيات في رغبتهم بالسيطرة على الجنوب، نظراً لما يمتلكه من ثروات، مكنتهم خلال الفترات الماضية من بناء شركات واستثمارات ضخمة في الداخل والخارج، ولذلك تسعى لمواصلة وصايتها على الجنوب، من خلال التحكم في تعيين القيادات العسكرية والأمنية العليا. وتأتي هذه القرارات في توقيت يجري التحضير فيه لاستعادة وتحرير ميناء الحديدة والساحل الغربي بالكامل من سيطرة الميليشيات، بعدما ساهمت المقاومة الجنوبية بشكل كبير في عملية استعادة مواقع مهمة في الساحل والمخا في غضون فترة قياسية، ما يكشف عن وجود أطراف يمنية في الحكومة الشرعية لا ترغب بهزيمة الميليشيات واستعادة الحديدة ومينائها من سيطرتها. وكما هو واضح في النهاية أن الهدف هو القضاء على المقاومة الجنوبية، التي تحركت لتحرير محافظات الجنوب، وتتحرك بكل قوة لتحرير الساحل الغربي، حيث يراد لها من وراء القرارات أن تنصدم مع التحالف والحكومة الشرعية لتتهم في النهاية بالخيانة، ويتسنى لقوى النفوذ بسط سيطرتها وتوسيع نفوذها المتضائل.