اللفظ: لفظ عاشوراء ينطق ويكتب بالمد على المشهور، أي آخره ألف تليها همزة، وحكى أبو عمرو الشيباني فيه القصر، أي عاشورا بألف من غير همزة في آخره، ويرى ابن دريد أنه اسم إسلامي، أي لم يعرف في الجاهلية، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم لفظ خابوراء، وذكر أبو منصور الجواليقي: أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا، وضاروراء وساروراء ودالولاء، من الضار والسار والدال. وقال القرطبي: عاشوراء معدول أي متحول عن عاشرة، للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، أي حذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر.
واختلف أهل الشرع في تعيينه؛ فقال الأكثر أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وقيل هو اليوم التاسع، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية.
الحدث: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وتكسو فيه الكعبة، وهذا يفيد أن الجاهليين كانوا يعظمون الكعبة قديمًا بالستور ويقومون بها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، أي قبل أن يهاجر إلى المدينة. وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف، وعن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية، فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك. قال القرطبي لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير.
وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رأى اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، وفي رواية أنهم قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا لله تعالى فنحن نصومه تعظيما له. وكان يهود خيبر يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، أي هيئتهم الحسنة.
ولم يكن ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بصيام عاشوراء بعد الهجرة، بل كان يصومه قبل ذلك، ولا مخالفة بينه وبين أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه؛ إذ لا مانع من توارد الفريقين، اليهود والمشركين على صيام عاشوراء مع اختلاف السبب في ذلك، فلما هاجر النبي ووجد اليهود يصومونه وسألهم، وصامه وأمر بصيامه، احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود، كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك، وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك.
وذكر الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عاشوراء هو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا. وأورد من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنه زيادة في سبب صيام اليهود له، حاصلها أن السفينة استوت على الجودي فيه، فصامه نوح وموسى شكرا، وكأن ذكر موسى دون غيره هنا لمشاركته لنوح في النجاة وغرق أعدائهما.
فتحصل مما سبق في سبب يوم عاشوراء أنه يعود لثلاثة أحداث: الأول استواء سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي، أي نجاة من اتبعه وغرق من خالفه، والثاني نجاة موسى عليه السلام وقومه من فرعون وغرقه مع جنده، والثالث: صيام قريش وتعظيمهم له تلقوه من آثار الحنيفية التي كانت سائدة في عرب الجاهلية، والحنيفية هي (بقايا دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام).