هاتريك ألفاريز يمنح أتلتيكو انتصارا دراماتيكيا    25 لاعبة يدشن أول منتخب سعودي للفتيات تحت 15 عاما    كوش أول ألماني ينضم إلى الألعاب المحسنة    تحذيرات من هجوم إسرائيلي وشيك على أسطول الصمود    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب فنزويلا    الترب يهنئ القيادة الثورية والسياسية بعيد 26 سبتمبر    بذكرى ثورة سبتمبر.. مليشيا الحوثي توسع حملة الاختطافات في إب    المسار الثوري الفلسطيني يشيد بالعملية اليمنية في قلب أم الرشراش    نادي 22 مايو يكرم الشاب محمد وهيب نعمان    قرعة صعبة لآرسنال وليفربول في ثمن نهائي الرابطة    بن بريك وعفرار يبحثان تداعيات تدهور الخدمات وتفشي الفساد    اشتراكي تعز يدعو لمواصلة الاحتجاجات حتى تسليم كافة المتهمين باغتيال المشهري    عاجل.. الرئيس الزُبيدي في مجلس الأمن: يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي عاملاً مساعداً لضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها    الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ترد على تقرير هيومن رايتس ووتش    عمران.. اعتقال شيخ قبلي وشاب في خمر    أسرة عارف قطران تكشف عن وضعه الصحي الحرج وتناشد بالكشف عن مصيره    سريع يعلن عن عملية نوعية جنوب فلسطين المحتلة    زيارة الرئيس الزبيدي إلى الأمم المتحدة تحمل بُعدين متناقضين    نتنياهو يتوعد الحوثيين برد "قاسٍ ومؤلم" بعد سقوط مسيرة في إيلات    في الوقت القاتل.. منتخب الناشئين يخسر أمام الإمارات في كأس الخليج    وثائقي "الملف الأسود" .. يكشف عن نهب ممنهج لنفط اليمن    350 كشاف يشاركون غدا ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بميدان التحرير    مسيرة قادمة من اليمن تستهدف ايلات والاعلام الاسرائيلي يتحدث عن إصابات    مقتل المتهم باغتيال افتهان المشهري.. مسمار جديد في نعش إخوان اليمن    إنشاء مركز ثقافي يمني في نيويورك بالولايات المتحدة    اجتماع للجنة الفنية المشتركة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة بصنعاء    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    وزير النقل يرأس وفد بلادنا المشارك بأعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران بكندا    انتقالي زنجبار ينظم ورشة عمل بعنوان "المعالجات والحلول لمكافحة المخدرات والحد من ظاهرة حمل السلاح.    محافظ شبوة يطلق برنامج تشجيع زراعة القمح في 8 مديريات    جريمة قتل اخرى بتعز ضحيتها امرأة والجاني يلوذ بالفرار    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    حملة لإتلاف المياه المعبأة مجهولة المصدر في المنصورة    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس إعلامية الإصلاح يعزي الكاتب الصحفي حسين الصوفي في وفاة والده    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل هذه الحرب ليست سوى بروفه.
نشر في شبوة الحدث يوم 06 - 06 - 2015

عاد تودنهوفر، الصحفي الألماني الأكثر شهرة، من "داخل الدولة الإسلامية" بقصّة خضّت الأوروبيين. التقى قيادات تنظيم الدولة الإسلامية IS وأخبروه أنهم سيطروا على الموصل بعدد 300 مقاتلاً يحملون أسلحة خفيفة. كان يتجوّل على منصة قاعة محاضرات عملاقة في جامعة إيسّن، البارحة، ويهز رأسه ويغمغم "لقد هزموا جيشاً من 24 ألف جندي مزوّدين بالمروحيات والمقاتلات وكل أنواع الدروع وراجمات الصواريخ ... بثلاثمائة". سمع من "أبو قتاة"، أو فاتح الموصل، جملة "هزمناهم بقوة إيماننا وبحول الله" وبدت له، ولنجله فريدريك، مثيرة للسخرية. في روايته الحيّة توقف تودنهوفر البارحة لثوان وقاطع نفسه قائلاً:
"بعد أن سيطر تنظيم الدولة، مؤخراً، على الرمادي بعدد 200 مقاتل وفرار جيشٍ من 6000 آلاف جندي صدّقت رواية سقوط الموصل".
شاب ملتحٍ وقف وطرح سؤالا: "كنتَ في العراق وسوريا، كيف ينظر سكّان المدن الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية لذلك التنظيم؟".
تأنى تودنهوفر، الرجل السبعيني وصديق هنري كيسنجر منذ عشرات السنين، قبل أن يصدم المستمعين بكلمات حاسمة:
"يحبّونه. يساندونه. بالنسبة لهم هو البلطجي الذي مرّغ أنف عدوّهم في التراب، وهو صديقهم. 13 عاماً من التمييز والقتل والاحتقار مارسه نظام طائفي في بغداد، 13 عاماً من الخوف والفقر والعدوان عليهم. غياب العدالة والظلم هو المصنع الذي ينتج هذه التنظيمات. وأمر آخر: إن أعظم قاتل في العصور الحديثة هو جورج دبليو بوش. ذلك القاتل ذهب يقصف العراق وأفغانستان بحثاً عن 100 متطرفٍ ثم غادر السلطة وقد أصبحوا 100000".
يكفي، دائماً، أن تطلق النار على المُدن وتثير حالة عامة من الخوف والوجل لكي تفاجأ صباح اليوم التالي بالآلاف وهم يحملون السلاح. في كتابه "لا ينبغي أن تقتل du sollst nicht töten" يلتقي تودنهوفر بشاب سوري في الغوطة ويسأله عن سرّ حمله للسلاح فيخبره الشاب إنه لن ينسى اليوم الذي حمل فيه جثة شقيقه في الحقول.
بحسب تقرير لمركز أبعاد، اليمن، فقد قتلت حروب الحوثيين في العام الماضي سبعة آلاف يمني. وقبل شهر أصدر المركز نفسه تقريراً جديداً يتحدث عن 6 آلاف قتيل منذ بدأ عملية "الفتح المؤزر" التي أطلقها عبد الملك الحوثي، والتي ردّ عليها التحالف العربي بعملية "عاصفة الحزم".
البحث عن جبهة القتال في اليمن يكشف بجلاء هذه الصورة: جبهة
القتال ممتدة على أراضي مأرب/الجوف/ شبوة/ أبين/عدن/ الضالع/ لحج/ تعِز. وهي جبهة داخلية يقف سكان المُدن على جهة منها، ويقف الحوثي وصالح على الجهة الأخرى. لا يزال حتى الآن ممكناً القول إن سكّان المدن، وهم الاعتياديون والبيروقراطيون والفلاحون، هم من يقف على الجبهة الأخرى في مواجهة الحوثي. أي أولئك الذين لا يغطون وجوههم، ولا ينفذون إعدامات ميدانية، ويسمّون أنفسهم تبجيلاً "مقاومة". هذه الحقيقة الميدانية لن تصمد طويلاً. يعتقد الحوثي إنه بمزيد من إطلاق القذائف على المدن، ومزيد من التجييش الطائفي والمناطقي، سيفرز واقعاً على الأرض ويجلب المزيد من الأراضي. وقد أخبر الرجلان، حمزة الحوثي ومهدي المشاط، ولد الشيخ قبل أيام إنهم يسيطرون على الأرض وأن الباقي مجرّد أكذوبة، وهم يقصدون المقاومة والحكومة. بيْدَ أن ثمّة أمراً آخر يتخلّق في ظلام المُدن. فبعد أربع سنوات من المذابح التي نفّذها النظام السوري ضد شعبه، معتقداً أن بمقدور الخوف أن يسلب الإنسان عناصر دفاعه، برزت القاعدة إلى العلن في سوريا. ومع مزيدٍ من الحمم والجرائم، وقد اختارت مجلة التايم بشار الأسد سفاح القرن الجديد، بهت بريق القاعدة ودخلت الواقعية السورية في طور "ما بعد القاعدة" أو تنظيم الدولة الإسلامية. وكأن القاعدة لم تكن لترتقي لتصير مكافئاً موضوعياً لنظام وضع 11 ألف رجل في هناجر ومنع عنهم الطعام والشراب وتأمل أجسادهم لأشهر حتى تلاشت وتفتت. جاء تنظيم الدولة وقاتل القاعدة أيضاً، وذهب يصعد في نشر إرهابه الفائق واستطاع جلْب 25 ألف مقاتلٍ من أوروبا.
إذا بحثنا عن أعظم عملية مسح في العصور الحديثة فسنعثر عليها لدى مركز "بايو" الأميركي للعام 2012. يقول المسح، الذي استطلع ديانات وأعراق كل العالم، إن المسلمين بلغوا 1.7 مليار، مقابل 2.2 مليار مسيحي. لا يتجاوز عدد الشيعة 150 مليوناً في العام، وهذا العدد لم أقتبسه من مركز "بايو" بل من مصدر آخر. وذلك هو الخزّان المفتوح الذي يمكن أن تهِب منه رياح بلا انقطاع. وإذا كانت أوروبا، تلك القارة الواقعة في زمن ما بعد الحداثة أو الحداثة السائلة، قد زوّدت تنظيم الدولة الإسلامية ب 25 ألف مقاتل فإن أندنويسيا ستفعل أكثر من ذلك، وكذلك ستفعل أفريقيا.
كان المالكي في بغداد لا يرى في العالم سوى حيّين: الأعظمية والكاظميّة. واعتقد أن بمقدورِه أن يمارس تمييزاً طائفياً عنفيّاً، دونته مئات التقارير الدولية، ولن يكون أمام أهل الأعظمية سوى التسليم. عاش المالكي، وجماعته، في التاريخ البعيد. وبالنسبة لهم فقد كانت بغداد لا تزال في العصر العباسي الثاني، عندما كان حيّ سنّي يستند إلى الأتراك وآخر شيعي يستند إلى الديْلَم. وكانت الحرب بين الحيين، كما دونها ابن كثير بتفصيل مذهل، تنطلق كل عام مع ذكرى عاشوراء وتهدأ بعد أسابيع ثم تبقى كامنة حتى العام القادم. في مؤتمر صحفي للمالكي قال الرجل إن ما يجري في العالم حالياً هو ما جرى سابقاً، وإن العالم هو نفسه كما كان "أصحاب يزيد وأصحاب الحسين". وزاد كلمات أخرى على ذلك "والذين قتلوا الحُسين لا يزالون هم، والحسين لا يزال هو". لكن المالكي تفاجأ بأمر آخر لم يخطر على باله، فقد وفد إلى العراق مقاتلون من السويد وتشيلي وجنوب أفريقيا وأندنوسيا لا علاقة لهم بيزيد، ولم يسمعوا عن اسمه قط. إذ يكفي، دائماً، أن تحاصر مجموعة من الناس مستنداً إلى قوتك وأدواتك المتفوّقة حتى تعصف بك ريح لم تكن في حساباتك. هذه النتيجة اعترف بها صالح في لقائه الأخير مع قناة الميادين. قال الرجل، متحسّراً وبشفتين ناشفتين، إنه لم يكن يتخيّل قط أن تفعل السعودية ما فعلته وتذهب لتدمير الجيش اليمني بتلك الطريقة. وفي القرية تعلمنا أمثولة شعبية تقول "ما أحد يقول لك إيري بُمّك وانت ساكت". وقد اعتقد صالح، والحوثي، أن موقفهم سيبقى دائماً الأقوى. ينفرد تودنهوفر برواية سمعها من هنري كيسنغر. قال له الرجل إنه كان يقود السياسة الخارجية لبلده وإنه رفض الحوار مع "فلاحيين من العالم الثالث" وكان يقصد المتمرّدين الفيتناميين. ولم يكن ليخطر على باله، كما قال، إن يقتل "فلاحو العالم الثالث" 60 ألف أميركي ويصيبوا ما يربو على ثلث المليون.
ثمّة عاصفة في مكان ما، وإذا أردت أن تراها فما عليك سوى أن تخلق الدخان والأصوات وتدفع الناس إلى الركض والصراخ. سيخلق كل هذا عاصفة وستقتلع كل شيء، وستكون أنت واحداً من ضحاياها.
يسألني الأصدقاء "هل عاصفة الحزم هي الحل؟" وياله من سؤال. عاصفة الحزم ليست الحل ولا هي العدوان. هي أمر غير كل ذلك. إنها تلك الأمور التي تحدث عندما يركض الناس في الشوارع ويتصارخون ويكون الدخان والمدافع في الأرجاء. حدثت عاصفة الحزم كما تحدُث الأمور الرهيبة التي تخلقها أمور رهيبة أخرى. توقّعتُ ظهور داعش، ولا يزال هذا الأمر ممكناً، وبدلاً عن داعش ظهرت أحداث رهيبة أخرى. وسمعتُ من العرب حجاجاً منطقياً يقول "كان ظهور داعش على الطريقة العراقية والسورية مجرّد مسألة وقت".
أن تتوغل بدبابتك وبشيخك الديني، قائد المسيرة، في أحياء فقيرة وممتدة على نصف مليون كيلو متر مربّعاً فإن عليك أن تتوقع كل الأمور في الطرقات. وهذه الأرض إذا لم تكُن لكل الناس فلن تكون لأحد. وتنظيم داعش عندما يظهر فهو لا يأتي ليعيد الحياة إلى نصابها بل ليجعلها مستحيلة على الجميع.
وفي عدن يقاوم رجل عسكري معروف اسمُه جوّاس. وفي تعِز يقاتل شيخ قبلي معروف، كان حتى ما قبل عملية "الفتح المؤزر" يبحث عن موضوع لبحث الماجستير في القانون، اسمُه حمود المخلافي. والرجلان حاسرا الرأس ويمكن رؤية وجهيهما. وهذا أمر جيد. وستحل الكارثة الأعظم عندما يغطي الرجلان وجهيهما بقناعين ويفعل الذين يقفون خلفهما مثل ذلك.حينها ستهب رياح سوداء، رياح الأبوكاليبتوس.وسيدرك الحوثي، ويا الفاجعة، أن كل ما سبق لم يكن سوى بروفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.