كتبت صحيفة غارديان البريطانية في افتتاحيتها أنه مع رفع جنرال آخر لمنصب رئيس الدولة بعد عملية انتخابية معيبة وإشكالية تكون مصر قد عادت إلى نقطة البداية. وقالت الصحيفة إن كل ما كان مأمولا من ديمقراطية وتفكيك الدولة الأمنية المنتفخة والتوصل إلى تفاهم تاريخي بين الأطياف السياسية المختلفة من الإسلاميين والليبراليين والمحافظين، ذهبت كلها الآن أدراج الرياح، وبدلا من ذلك جاء إلى سدة الحكم رجل عسكري على غرار الرؤساء الثلاثة السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، بالرغم من عدم امتلاك الأخير من هذا الثلاثي المكانة والهيبة التي كانت لسابقيه. وأضافت الصحيفة أن المشير عبد الفتاح السيسي حاول جاهدا خلال حملته الانتخابية، بمعاونة حكومة مسيطر عليها أو إعلام موجه، إبراز صورة الرجل الذي جاء به القدر ليكون على رأس الدولة. "مع رفع جنرال آخر لمنصب رئيس الدولة بعد عملية انتخابية معيبة وإشكالية تكون مصر قد عادت إلى نقطة البداية" وترى الصحيفة أن دعوى السيسي بأن أغلبية كبيرة من المصريين يريدونه زعيما لهم قوضتها طريقة انتخابه، ليس فقط لأنه لم يواجه منافسا جادا للرئاسة ولا لأنه كان قادرا على تسخير موارد الدولة والموارد الخاصة لتمويل حملته ولا لأن بإمكانه الاعتماد على إعلام مطواع، ولكن لأن العناصر الأكثر أهمية قُمعت أو أُرهبت. وأضافت أنه رغم كل هذه الامتيازات التي كانت بين يديه لم يستطع إقناع الناس بالذهاب إلى مراكز الاقتراع. وختمت الصحيفة بأنه إذا استطاع السيسي كبح جماح نزواته الاستبدادية والتراجع عن القرارات القمعية التي أصدرها وإنهاء وحشية الشرطة التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص في مظاهرات سلمية والتوفيق بين الليبراليين العلمانيين ونبذ الخطاب الإرهابي والتوصل إلى نوع من الهدنة مع أنصار جماعة الإخوان المسلمين وإنعاش الاقتصاد المصري دون استغلال المعاناة الطويلة للطبقة العاملة، فقد يُسجل اسمه في التاريخ كحل لمشاكل مصر، وإن كان ناقصا جدا، ولكنه حل ممكن. ابتهاج في إسرائيل
إلى ذلك يبدو أن إسرائيل تنتظر الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات في مصر لتبارك للسيسي انتخابه، وهي تتطلع لاستمرار الالتزام بمعاهدة كامب ديفد والتعاون الأمني وإبداء مواقف سلبية تجاه حركة حماس، في حين كانت الأوساط غير الرسمية والإعلامية أسرع بالابتهاج بنجاح السيسي. وترفض الحكومة الإسرائيلية والشخصيات الرسمية التعليق على انتخابات الرئاسة في مصر، في وقت تبدي أوساط غير رسمية وإعلامية ابتهاجها بانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر. وتتطلع مصادر سياسية عليا وجهات غير رسمية لاستمرار الالتزام بمعاهدة كامب ديفد والتعاون الأمني وإبداء مواقف سلبية من حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ويبدو أن إسرائيل تنتظر الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات في مصر لتبارك للسيسي انتخابه، حيث رفض الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية أوفير جيلدمان التعقيب ولو بكلمة على سؤال الجزيرة نت حول الانتخابات المصرية. ولا يستغرب رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون يورام ميتال ذلك، مشيرا إلى أن إسرائيل مبتهجة بانتخاب السيسي. ويؤكد أنها تفضل نظاما استبداديا على نضال المصريين من أجل الديمقراطية، مرجحا أن نسبة التصويت في مصر أقل من المعلنة. ويعزو ميتال ذلك لحالة الانقسام في الشارع المصري وللامبالاة بالانتخابات الرئاسية نتيجة الإحباط في الشارع من فشل الثورة في تغيير نظام مبارك ونتيجة تدهور الأحوال الاقتصادية والأمنية. ويؤكد ميتال للجزيرة نت أن إسرائيل تستقبل بابتهاج وفرح انتخاب السيسي لأنه بنظرها استمرار لنظام مبارك، لافتا إلى أن إسرائيل تنظر للسلام مع مصر عبر العدسة الأمنية بالأساس وهي ترى في السيسي أبرز رموز المؤسسة الأمنية المصرية. ويستذكر ميتال أنه "تم إسقاط حكم الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري من قبل الجيش، وهو الجهة الأكثر إيجابية بالنسبة لإسرائيل". ويتفق الصحفي المختص في الشؤون العربية شاؤول ميناشيه مع ميتال على أن إسرائيل تتوقع مواصلة السيسي مكافحة ما وصفها بالجماعات المتشددة في سيناء والمضي في انتهاج سياسة قاسية تجاه حركة حماس وبالتعاون الأمني بين الدولتين. وردا على سؤال الجزيرة نت، يتابع ميناشيه "نشطت إسرائيل في الشهور الأخيرة في العالم من أجل إسكات الانتقادات الدولية لتدخل الجيش بقيادة السيسي في السياسة في مصر، رغم معارضة الرئيس الأميركي باراك أوباما لذلك". بالمقابل يشير المعلق آفي سخاروف إلى تناقض سياسات السيسي، ويقول إن وعوده بتصفية الإخوان المسلمين هي سيف ذو حدين، مشيرا إلى أن محاربته للجماعة ربما تضعفها لكن ذلك يقلل احتمالات تأمين الاستقرار الذي وعد الناخبين به. وردا على سؤال الجزيرة نت، يشكّك سخاروف في قدرة السيسي على قيادة مصر لمستقبل آمن ولوضع اقتصادي متين من دون الإخوان المسلمين. ويتابع "صحيح أن الدول العربية الغنية وعلى رأسها السعودية ستدعم السيسي، لكنه يحتاج لعدد كبير من المستثمرين من الخارج وهؤلاء يخشون الاستثمار في مصر خوفا من الإرهاب الإسلامي، وهذا يضر بالسياحة أيضا". وينقل زميله المعلق في القناة الإسرائيلية العاشرة موآب فاردي اليوم عن أوساط سياسية عليا في إسرائيل رضاها التام عن انتخاب السيسي وعن المعركة التي يديرها بعزم ضد الإسلاميين في سيناء وضد عمليات التهريب لغزة. كما ينقل فاردي عن مصدر إسرائيلي كبير قوله إن الإسلاميين سيلاحقونه إن لم يلاحقهم، لكنه يرجح أن تكون هذه معركة طويلة الأمد، محذرا إسرائيل من "معانقته علانية". ويتفق فاردي مع سخاروف بأن السيسي سيتحاشى علاقات رسمية علنية مع إسرائيل رغم أنه يحث أجهزته الأمنية على توثيق التعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية. ويكشف فاردي أن السيسي تحدث بنفسه مع مسؤولين إسرائيليين كبار مرات عدة منذ بدء العام الجاري، بينهم وزير الدفاع موشيه يعلون، لكنه يستبعد زيارته إسرائيل قبل توقيع سلام مع الفلسطينيين. لكن الأهم -في رأيه ورأي معلقين آخرين- هو اتفاق السلام مع إسرائيل، مرجحا أن يواصل السيسي احترامه. من جهتها تقول محررة الشؤون العربية سمدار بيري في تعليق بعنوان "سيسي رئيسي" نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم إن فوز السيسي كان متوقعا جدا رغم كونه نظاما دكتاتوريا. وتعبيرا عن حالة الترقب في إسرائيل، تتساءل "هل ستتم دعوة سفير إسرائيل في القاهرة لاحتفال القسم والولاء للرئيس الجديد الأسبوع القادم؟".