سجّل منتخب الجزائر عثرته الأولى أمام نظيره البلجيكي في مباراة كانت قريبة إلى حد كبير من ممثل العرب الوحيد في مونديال البرازيل عقب هزيمته اليوم بنتيجة (2-1) في الجولة الأولى من منافسات المجموعة الثامنة. وعلى ملعب "مينيراو" في مدينة بيلو هوريزونتي، استهلّ "الخضر" بشكل مميّز المواجهة المعقّدة، عقب تمكّنهم من افتتاح النتيجة عبر سفيان فيغولي من نقطة الجزاء (24)، قبل أن تعود بلجيكا من بعيد بواسطة نجميها مروان فيلايني (70) ودرايس مرتنس (80). وبهذه العثرة، يستهلّ الجزائر منافسات المجموعة برصيد خال من النقاط، في حين تتصدّر بلجيكا المجموعة في انتظار ما ستسفر عنه المواجهة القادمة بين روسيا ونظيرتها الآسيوية، كوريا الجنوبية. بداية متحرّرة لأحفاد بلّومي كان من المتوقّع أن تستهلّ موقعة "مينيراو" بضغط بلجيكي وترقّب جزائري في بدايتها، وهو على الأقل ما زاد تأكيده الرسم التكتيكي الذي بدأ به مدربا الفريقين، حيث اعتمد وحيد خليلودزيتش –شكلياً- على أسلوب الحذر والتحفّظ الدفاعي برسم (4-3-2-1)، في حين لجأ نظيره البلجيكي مارك فيلموتس إلى تغيير طفيف بغرض إعطاء نفس هجومي لفريقه بتركيزه لأساسات خطة شبه هجومية (4-2-3-1). ما رسم على الأوراق التكتيكية، كان مجرّد حبر على ورق، فسرعان ما كذّبت حقيقة الميدان ما جاء في القراءات الفنية، حيث ظهر الجزائريون بأداء متحرّر أو على الأقل يمكن وصفه بالمردود المتحرّر من حواجز الخوف والتردّد، على الرغم من أنّ زملاء "الماجيكو" لم يتوفّقوا فعلياً في إقلاق راحة الحارس البلجيكي تيبو كورتوا، وحتى أنّ التسديدة العشوائية لليافع رياض محرز العشوائية، محترف ليستر سيتي الإنكليزي، لم تشكّل أيّ خطر على حارس عرين ال"روخي بلانكوس" الإسباني. فيتسل يعاقب على استفزازه وفيغولي يعانق التاريخ مع عبورنا المساحة الزمنية لمنتصف الشوط الأول، بدأت المواجهة رويداً رويداً تتّخذ منحى أكثر تصعيداً خصوصاً الرصانة الجزائرية التي أدخلت شكوكاً كثيرة في نفوس البلجيكيين، الذين بدوا مثقلي الكاهل بجسامة المهمّة الملقاة على عاتقهم، وعلى الرغم من أنّ أكسل فيتسل كسر حاجز الارتباك بتسديدة مباغتة وقوية، بيد أنّ الحارس رايس مبولحي كان متفطّناً وردّ بتصدّ رشيق (21). تسديدة فيتسل كانت تترجم في ظاهرها، ترقّباً لثورة محتملة من أحفاد الحارس الأسطوري جان ماري بفاف، لكنّ قطعاً العكس هو ما حصل، إذ نجح "الفناك" في غدر منافسه عبر هجمة خاطفة تسرّب فيها جناح نابولي الإيطالي فوزي غولام، من الجهة اليسرى مرسلاً عرضية على القائم البعيد في منتهى الدقة والذكاء ليتسلمها نجم "الخفافيش" الإسبانية، سفيان فيغولي، الذي نجح وبدهاء واضح في إجبار يان فيرتونخين على ارتكاب خطأ العرقلة داخل المنطقة، لتكون بعدها المحصلة ضربة جزاء لا غبار عليها أعلنها الحكم المكسيكي الصارم مارك رودريغيز (79 مباراة، 350 بطاقة صفراء، 51 بطاقة حمراء، 30 ركلة جزاء)، ونجح في تدوينها فيغولي بثبات ويغالط بها كورتوا بكرة في كبد المرمى (24). هدف فيغولي لم يكن مجرّد هدف في كأس العالم، بل كان له دلالات تاريخية فارقة، حيث إنّه أول هدف للخضر منذ 28 عاماً وتحديداً منذ هدف النجم جمال زيدان في ثاني مشاركات الجزائر المونديالية في نسخة المكسيك عام 1986، مع العلم أنّ هدف متوسط ميدان فالنسيا هو السابع في تاريخ الجزائر مونديالياً، في مقابل قبول عرينها ل12 هدفاً. ردّ فعل خجول وجدار جزائري عازل كان من المتوقّع أن ينفجر الأداء البلجيكي وأن تفعّل نجومه أسماءها وتعود لجنات التألق الذي ميّزتها والتي بوأتها مكانة مرموقة في مختلف الأندية الأوروبية المميّزة ولكن لا نجم تشيلسي إدين هازارد ولا رفيق البريميرليغ ناصر الشادلي و لاحتى فيتسل، أفضل لا عبي بلجيكا "السيئين" في هذا الشوط، والذي عاود مغازلة مرمى مبولحي بتسديدة جديدة تمكّن الأخير من تحويلها إلى الركنية بعسر شديد (34). تمكّنوا من تكوين ردّ فعل محترم في قيمة الصفعة الموجعة التي وجّهها فيغولي من منطقة الجزاء. وعلى الرغم من تحركات هازارد التي اتّخذت صبغة الإزعاج للدفاع الجزائري في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، توغّله الرشيق في أواخر الشوط، الذي مرّر عقبه كرة ماكرة لزميله الشادلي الذي أخفق في مغالطة الحارس الجزائري على الرغم من موقعه المناسب (44). انتهت محصلة هذا النصف الأول على غلبة واضحة لممثل العرب الوحيد في رابع مشاركاته المونديالية، مع تساؤل لا يمكن التغاضي عنه ألا وهو، غياب الألق عن نجوم "الشياطين الحمر" الذي كانوا تائهين جميعاً دون أيّ استثناء يشمل أحدهم. فيلموتس يحوّر ولا جديد يذكر.."مؤقّتاً" في طقس شديد الحرارة في بيلو هوريزونتي، بلغ 29 درجة، عادت آمال الجزائر باستمرار التميّز وطموحات البلجيكيين بالتدارك لقطع شريط النصف الثاني من الحوار الأفريقي- الأوروبي، الذي دشّنه المدرب مارك فيلموتس بتحوير في تشكيلة الانطلاق حيث غادر ناصر الشادلي ليأخذ مكانه "النشيط" محترف نابولي الإيطالي درايس مرتنس. كان هدق فيلموتس من إقحام مرتنس "السريع والمناور" واضحاً، ألا وهو زيادة الضغط على الخط الخلفي للخضر وإدخال حالة من الارتباك على صفوفه المتّزنة، واستغلال تحرّكاته لإعطاء فرصة لمهاجم إيفرتون الإنكليزي روميلو لوكاكو، الذي كان "الحاضر الغائب" في هذه المواجهة، وفعلاً لم ينجح تحوير فيلموتس في تغيير الشيء الكثير في أداء فريقه، الذي اكتفى بتهديد جديد من متوسط ميدان زينيت سان بطرسبورغ الروسي فيتسل، عبر رأسية كانت لتكون خطيرة جداً، غير أنّ خروج مبولحي غير المحسوب مرّ بسلام (49). "محاربو الصحراء" لم يقفوا مكتوفي الأيدي، وحاولوا ردّ الفعل الذي جاء من نفس جنس العمل، ولكن رأسية كارل مدجاني حذت القائم الأيسر لكورتوا بسنتيمترات قليلة بعد استثماره لركنية متقنة هي الأولى للجزائر في المباراة من قدم سفير تايدر (55). دكّة ثقيلة ترجّح كفّة "الشياطين".. مع عقم مبدئي لمرتنس بعد دخوله، لم يكتف فيلموتس بهذا التغيير، حيث واصل اجتهاده الخططي بإقحام كل من المهاجم الشاب أوريجي مكان روميلو لوكاكو (58) ومروان فيلايني بديلاً لموسى ديمبيليه (65)، بدوره خليلودزيتسش حاول تفعيل دكّته بإقحام كل من المهاجم إسلام سليماني مكان زميله العربي هلال سوداني (66) ومدحي لحسن مكان رياض محرز (71). هذه التحويرات الذي حدثت من الجانبين سرعان ما أعطت تفسيراً واضحاً للفوارق الكبيرة على مستوى قيمة البدلاء فنياً في الجانبين، وهو ما انعكس لاحقاً على واقع اللقاء ونتيجته النهائية. عقب وقت طويل تاه فيه البلجيكيون كما أرادو في هذه المواجهة الصعبة عليهم، قُدّر لهم أن يستفيقوا على رأسية مروان فيلايني متوسط ميدان مانشستر يونايتد الذي تفوّق على محور الدفاع رفيق حلّيش واقتنص عرضية رائعة من كيفن دي بروين، هدّاف بلجيكا في التصفيات المونديالية، نجح فيها فيلايني من تدوين هدف التعادل في زاوية مستحيلة (70)، بعد إنذار مسبق جاء بقدم أوريجي السريع واستأسد في ردّه مبولحي (66). كان من الواضح حالة التعب الشديد الذي طغت على الدفاع الجزائري الذي تكبّد عناء قبول ضغط بلجيكي رهيب منذ بداية المباراة، وهذا التعب والإرهاق خلّف حالة من ضعف نسب التركيز، وهو بدوره ما أفرز هدفاً بلجيكياً ثانياً من مجهود جماعي مميّز ابتدأ بافتكاك الكرة بواسطة دي بروين من فيغولي لتصل الكرة بعدها لهازارد الذي أهدى كرة على طبق من ذهب لمرتنس الذي أطلق تسديدة صاروخية في سقف المرمى (80)، معلناً تقدّم أبناء فيلموتس الذي وإن كوفئ على اجتهاده، فإنّه لم يعكس البتّة أيّ سوء جزائري، فالفوارق على مستوى الدكّة والخيارات الفنية الواسعة هي من أحدثت الفارق. ما تبقىّ لم يكن سوى سيطرة بلجيكية مشفوعة بخطورة مستمرة على مرمى مبولحي في مقابل استبسال جزائري أمام المرمى، لتنتهي أولى صدامات "الخضر" في مونديال 2014 على هزيمة لا تعكس السّوء إنّما تبعث على التفاؤل، لا سيما أنّ ما تبقّى من منافسين، والحديث عن روسياوكوريا الجنوبية، لن يكونوا في الغالب اليقين أقوى "فنياً" من بلجيكا "الثقيلة".