الرئيس الزُبيدي يهنئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد النصر    وزير العدل يوجه بسرعة البت في قضايا التخابر مع العدوان    - توقيع اتفاقية دعم اعلاني بين اللجنة الاعلامية باتحاد كرة القدم وشركة هيملايا الهند    مشائخ ووجهاء وأعيان قبائل العلوي بردفان والضالع يبعثون ببرقية عزاء وموساة إلى القائدان مختار النوبي ، وعلي النوبي بوفاة عبدالله احمد قاسم النوبي.        ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية في غزة الى 52,810 شهداء و 119,473 مصابا    الوقود.. أزمات حوثية مصطنعة لنهب المواطنين    الراعي يتفقد أنشطة الدورات في عدد من المراكز الصيفية بمديرية التحرير    باكستان تعلن إعادة فتح مجالها الجوي بشكل كامل أمام كافة الرحلات الجوية    إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    مناقشة أوضاع مينائي الحديدة وخطط تعزيز قدراتها لاستقبال السفن    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    إصابة 9 جنود وضباط صهاينة بانفجار عبوة ناسفة في الشجاعية بغزة    تحذير أممي من استخدام المساعدات طعما لنزوح الغزيين    بدء المحادثات التجارية بين الصين وأميركا في جنيف    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    الأرصاد ينبه من الأجواء الحارة في الصحاري والسواحل    وسط توتر بين ترامب ونتنياهو .. واشنطن تلغي زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل    عاجل ومحزن لساكني عدن: سفينة وقود مقررة لكهرباء عدن تذهب جهة أخرى    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 10 مايو/آيار 2025    حاشد يتسأل عن توجيهات بمنع ظهور السامعي وباقزقوز في قناة حكومية والأخير يفند والتميمي يوضح    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    حمير أبين تهجر مواطنها... في نزوح جماعي إلى عدن!    المقاتلون السعوديون يسطرون ليلة بطولية في حلبة "أونيكس" جدة    "كذبة ترامب: حين صدّق العالم أن واشنطن تخلّت عن إسرائيل في حربها مع اليمن    ألونسو يخلف أنشيلوتي.. وسولاري يظهر أمام الهلال    السعودية تعيد هيكلة اللاعبين الأجانب في البطولات المحلية    استشناف الرحلات الى مطار صنعاء خلال اسبوع    شبوة تحذّر العليمي.. "نفط شبوة خط احمر"    النجاح لا يُقاس بالمنصب، بل بما يُنجز على أرض الواقع    لا تمتحنوا صبرهن.. ثورة النساء قادمة    # مفاتيح حقول شبوة    الرسائل التي قدمها اعلام الجماعة في تغطيته لزيارة الفريق السامعي إلى مطار صنعاء الدولي    اليمنية توضح عن المسافرين العالقين في الأردن    اضعاف للشعب اليمني وتدمير لامكانياته البشرية والمادية    صحيفة: إسرائيل تخطط لتوسيع عملياتها في اليمن واستهداف إيران    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    صلاح يفوز بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الثالثة    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    لماذا نقيم مراكز تقديم الخدمة للمواطنين ؟    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    حتى أنت يا بروتوس..!!    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطنٌ ومواطنةٌ معاً
نشر في شهارة نت يوم 17 - 10 - 2010

إن مفهوم المواطنة مشتق من مفهوم الوطن . والوطن ليس جغرافيا، وموقع مهم وثروات فحسب، بل إن الوطن ذلك الحيز المكاني الذي تمارس فيه الحقوق والحريات، وأداء الواجبات . كما أن المواطن هو ذلك الشخص الذي يتمتع بحقوقه وحرياته، ويشعر بكرامته الإنسانية .
إن ثمة إشكالية نعاني منها في غالبية الوطن العربي (واليمن في القلب منه)؛ حيث يحضر ما يمكن تسميته ب (الوطن الجغرافيا) والوطن الواجبات)، ويتوارى أو يغيب مفهوم (الوطن الحقوق والحريات) . صحيح أن كل حق يقابله واجب، ولكن المحزن، أنه في بلد كاليمن يحضر الواجب والظلم ولا تُمارس كثير من الحقوق والحريات .
وفي هذا السياق، وكي لا يكون الكلام على عواهنه، سأضرب مثلاً صارخاً على ما سبق؛ لأنه بالمثال يتضح المقال . إنه في مساء يوم الثلاثاء الماضي (12/10/2010م) وعندما كنا نسير في مظاهرة دعماً لمهجري الجعاشن (هم مجموعة مواطنين يمنيين، من منطقة الجعاشن التابعة لمحافظة إب اليمنية، نزحوا من عدة سنوات باتجاه العاصمة صنعاء) ومساندة لفئة مُستضعفه في مجتمعنا اليمني، ومظلومة من قبل شيخها القبلي، ردد بعض أبناء الجعاشن شعارات كثيرة، منها: "صح النوم صح النوم لا مشايخ بعد اليوم"؛ في هذه اللحظة وجدت لساني ينطق ويردد هذا الشعار معززاً بقناعة فكرية وسياسية؛ لأن بعض شيوخ قبائل اليمن قد استمرؤوا ظلم بعض رجال ونساء وأطفال قبائلهم .
ورغم أنني أحد أبناء شيوخ القبائل اليمنية، فقد غدوت أكثر قناعة من ذي قبل بضرورة الوقوف في وجه الظلم والاستبداد ولو كان مصدره بعض شيوخ القبائل؛ فقد غدونا تواقين لوطن خال من الظلم والاستبداد، من أية جهة كانت .
لقد ضاق الوطن اليمني بكثير من أبنائه، وخاصة مهجري الجعاشن، كما أن العاصمة صنعاء أخفقت في استضافتهم في بعض أماكنها، رغم أنها عاصمة دولتهم! إذا كان الإمام الشافعي (رضي الله عنه) قد أطلق عبارته المشهورة "لا بد من صنعاء وإن طال السفر" بحثاً عن العلم والعلماء، عندما كانت صنعاء آنذاك منبعاً للعلم وموئلاً للعلماء؛ فإن بعض المواطنين اليمنيين (بما فيهم مهجري الجعاشن) قد صرخوا "لا بد من صنعاء" بحثاً عن العدالة ورفع الظلم الواقع عليهم من قبل شيخهم، ولكنهم بعد مضي قرابة أحد عشر شهراً مازالوا يقطنون في خيام نصبت في ساحة مجاورة لجامعة صنعاء في العاصمة، بل إن الخيام قد ضاقت بهم وغدت بمثابة "وطن" وسكن لهم وبعد أن فقدوا الثقة في حاكمهم وحكومتهم رفعوا صيحات رددتها حناجر بعض نساء الجعاشن وأطفالها ورددناها معهم "يا حكومة صح النوم الجعاشن بلا نوم" . "يا للعار يا للعار نساء وأطفال الجعاشن بلا دار" . وفي هذا السياق، وبعد أن ضاقت أغلب ساحات العاصمة صنعاء بمجموعة من أبناء الجعاشن المهجرين، واحتضنت السجون بعض رجالها فإني أنصح نساء الجعاشن وأطفالها أن يتنقلوا مع ما تبقى من خيامهم وينصبوها أمام مقرات الأحزاب السياسية اليمنية المعارضة (أحزاب تكتل اللقاء المشترك تحديداً)؛ كي يذكّروا هذه الأحزاب ببعض وظائفها الغائبة في الساحة اليمنية (لأن من وظائف الأحزاب حماية الحقوق والحريات، والتعبير عن المصالح والدفاع عن المظلومين) وهذا ما لا يقوم به كثير من هذه الأحزاب .
وفي هذا الصدد، كنا قد توصلنا عبر إحدى دراساتنا . إلى أن شرعية بقاء القبيلة اليمنية مستمدة من لا شرعية الحاكم السياسي، وأن قيام نخبة حاكمة حديثه وعادلة في الدولة اليمنية، متطلب سابق وضروري لوجود قبيلة أكثر فاعلية (اجتماعياً) ونظام سياسي أكثر استفادة وإنجازاً؛ إلا أن الظلم الواقع على مهجري الجعاشن من قبل شيخ قبيلتهم يومئ إلى أن أزمة الشرعية قد انتقلت من أزمة حكم ونخبة حاكمة على مستوى النظام السياسي إلى أزمة شرعية يعاني منها بعض شيوخ القبائل أيضاً . حيث يلاحظ أن كثيراً من شيوخ القبائل اليمنية أصبحوا بمثابة حُكام صغار فاقدي الشرعية، في إطار علاقتهم بأفراد قبائلهم .
وهنا، يتعين التفريق بين شرعية القبيلة لدى أفرادها، وبين شرعية شيخها في النظام القبلي، فشرعية القبيلة اليمنية لدى أفرادها مستمرة ما بقيت أعرافها وقيمها، بينما شرعية شيخ القبيلة مؤقتة ومشروطة باقترابه من قبيلته، وحفاظه على كيانها وتلبية احتياجاتها وعدم استغلالها وظلمها، إضافة إلى ضرورة توفر الوعي لدى أفراد القبيلة بظلم شيخهم لهم، وتوفر إرادة مقاومة الظلم، وهذا يبدو قد تحقق في حالة مهجري الجعاشن المسالمين وغير المسلحين .
أعترف للقراء أن مشاركتي في هذه المظاهرة التضامنية مع مهجري الجعاشن وما تحمله من دلالة سياسية ووطنية واجتماعية قد أثارت في نفسي تساؤلات عدة منها، لماذا نعيش كأكاديميين في أبراجنا العاجية؟ ولماذا التعالي على آلام كثير من أبناء وطننا اليمني وأوجاعهم؟ ولماذا نهرب إلى التنظير - رغم أهميته - بدلاً من مواجهة الظلم والاستبداد . عبر الحركة والفعل؟ ولماذا نتدثر بعباءة الموضوعية الباردة عندما تنتهك كثير من حقوق اليمنيات واليمنيين وحرياتهم؟
لقد تولد لدي شعور عقب مداهمة رجال الأمن للمظاهرة وإطلاق أعيرة نارية (رصاص حي) في الهواء والاعتداء على المشاركين بالضرب وإطلاق مادة حارقة نحو بعضهم، أصيبت الصحافية الشجاعة اليمنية بشرى الصرابي بجروح، وكذا اعتقال الناشطة الحقوقية والمناضلة اليمنية توكل كرمان رئيسة "منظمة صحافيات بلا قيود" لعدة ساعات، إضافة إلى اعتقال كثير من مهجري الجعاشن الأحرار ومازالوا رهن الاعتقال حتى كتابة هذا المقال .
تُرى إلى متى ستظل سطوة السيف وأهله؟ ولماذا استئساد الأجهزة الأمنية على المواطنين العُزل، وعلى أصحاب القلم؟ بينما لا يصمد هذا السيف وأهله أمام الجماعات التي تملكت السيف، وأمام الخارج؟ ولماذا غدت اليمن دولة أمنيه (بوليسية) بدلاً من أن تكون دولة آمنة؟ ولماذا حضرت القيود وغابت الحقوق؟ لماذا غدت القوة فوق الحق؟
رحم الله شاعرنا اليمني الكبير المرحوم عبدالله البردوني القائل: "يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن" .
إن استمرار الظلم وانتهاك حقوق وحريات كثير من المواطنين اليمنيين وفي مقدمتهم أبناء الجعاشن المهجرين لدليل إدانة ضد حكوماتنا المتعاقبة التي أدمنت ممارسة العسف والقمع، وشاهد على عجز ثوراتنا عن تحقيق العدالة والمساواة، وانتشال اليمنيين من الظلم والاستبداد . بل إن استمرار غياب دولة الحق والقانون لشاهد على أن ثوراتنا اليمنية مجهضة، بل ومؤشر على أنها تحولت إلى احتفالات طقوسية، وذكرى يتدثر بها الفاسدون والمستبدون معاً .
ختاماً: إننا ننشد وطناً بلا ظلم؛ لأن "الظلم مؤذن بخراب العمران" وفقاً للعلامة ابن خلدون . فبُغيتنا وطن ومواطنة معاً، وطن مسيج بالحرية والعدالة والمساواة . أيها اليمانيون إما أن نعيش حياة عزٍ أو نموت كراماً .
"الخليج"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.