لماذا سافرت إلى إيران؟ هذا هو فحوى السؤال الذي واجهته بأشكال مختلفة ذات صيغة استنكارية غالبا من قبل أصدقاء عدة، إثر عودتي من طهران، حيث حظرت مؤتمر الشباب والصحوة الإسلامية المنعقد هناك أواخر يناير المنصرم، لكن الرد الوحيد لدي على هذا السؤال يتمثل في سؤال استنكاري آخر هو : ولماذا لا أسافر إلى إيران؟ تعيش إيران في ضل حصار سياسي واقتصادي فرضته عليها الولاياتالمتحدة وإسرائيل والدول الغربية، منذ نحو عقدين، بسبب سياستها الخارجية المناوئة لسياسات هذه الدول في الشرق الأوسط، وبسبب دعمها لحركات المقاومة العربية لتل أبيب، وأيضا بسبب نشاطها النووي في السنوات الأخيرة. ورغم أن لدي شخصيا جملة من الملاحظات على سياستي طهران الخارجية والداخلية، إلا إنني لا أجد سببا منطقيا واحدا لكي أكون حجرا في جدار الحصار المضروب عليها، بل أنه سيكون من الغباء وغير الإنساني في آن أن أكون جزءا من هذا الجدار؛ لعدة اعتبارات إليكم أبرزها. أنا صحفي وليس هناك بلد في العالم محظور على الصحفي زيارته تحت أي ظرف من الظروف، ولأي سبب من الأسباب. ومن قال بغير هذا من الكتاب والصحفيين الذين شنوا حملة تشهير ضد زملائهم الذين زاروا طهران مؤخرا، فقد أثبت بهذا ليس فقط أنه لا يعرف شيئا من أبسط القواعد البديهية لمجاله، وإنما أيضا انه تحول من موقع الصحفي ورجل الرأي إلى موقع أعداء الصحافة من أفراد أجهزة القمع الديكتاتورية التي تضع خطوطا حمراء ومناطق محظورا على الصحافة دخولها، فحتى لو كانت إيران بلدا معاديا لليمن، سيبقى من حقي كصحفي يمني أن أزوره متى أشاء دون أن أخضع لأية مساءلة أو إدانة من أحد، لأنني لن أقوم بذلك بصيغة تمثيلية. إلا يعرف زواحف الكتاب والصحافة اليمنية المتشدقون باتهام وإدانة كل من يزور إيران، أنه حتى البلدان المعادية لهذا البلد كأمريكا وإسرائيل، لا تحظر على صحفييها زيارته، أو تدينهم بسبب ذلك؟! لكن إيران ليست بلدا معاديا لليمن، حيث لم يسجل نشاط أو تدخل عدواني واحد نفذته على الأراضي اليمنية، على حد علمي. ولذا ، حتى لو لم أكن صحفيا، وزرت هذا البلد كسياسي أو كواحد من شباب الثورة اليمنية الذين زاروه مؤخرا، وحضروا المؤتمر، ومثلوا بلدهم فيه، لما وجدت سببا واحدا يمنعني من القيام بذلك بصيغة تمثيلية. مع انتهاء المؤتمر، وصلت بعض أصداء الحملة الإعلامية التشهيرية التي شنتها وسائل إعلام سعودية ويمنية ضد الوفد اليمني المشارك في المؤتمر إلى طهران، حيث دارت نقاشات متفرقة وسط أعضاء الوفد بهذا الشأن، وبدا بعظهم مستاء وخائفا من هذه الحملة وقد تساءل أحد المسئولين الإيرانيين عن المؤتمر أثناء حضوره الحد النقاشات الجانبية، باستغراب وأسى، قائلا : " مالذي فعلناه بكم وببلدك حتى تعتبروا زيارتكم لبلدنا خيانة لبلدكم؟!". بالفعل، ما الذي يجعل من زيارة يمني لإيران خيانة وطنية لبله؟ إذا توقفنا قليلا وأعدنا التفكير في الفوبيا التي تشكلت وسط النخبة السياسية والصحفية اليمنية من زيارة إيران، سنجد أنها تفتقر لأي أساس أو سبب منطقي أو أخلاقي أو وطني واحد، وقد كان هذا على الأرجح فحوى ما حاول المسئول الإيراني إيصاله إلى الوفد اليمني حين أضاف قائلا:" نحن لسنا أعداءكم ولا أعداء بلدكم، وليس بيننا وبينكم صراع، الصراع يجري بيننا وبين إسرائيل وأمريكا بسبب تبنينا القضايا العربية، فهل نستحق عداءكم بسبب هذا؟". لن أخضع هنا مقولة المسئول الإيراني هذه للنقاش و التمحيص، فهذا ليس مجاله، لكنني سأشير إلى أن من أبرز مآخذي على سياسة طهران الخارجية. هو شيطنة الولاياتالمتحدة وتحويل العداء معها إلى قاعدة وركيزة رئيسية من قواعد وركائز سياستها الإستراتيجية، فالشيطنة والعداء المطلق لا يستقيم مع السياسة والعلم. وهذا يقودني إلى واحد من أبرز مآخذي على السياسة الداخلية لطهران، حيث يستخدم الصراع مع إسرائيل وأمريكا من قبل التيار المحافظ في قمع التيار الإصلاحي داخل البلد. غير أن هذه المآخذ وأي مآخذ أخرى سواها لا تبرر في المقابل شيطنة إيران ومعاداتها بالمطلق من قبل أمريكا وإسرائيل وحلفائها في المنطقة، ناهيك عن أن يصبح ذلك سببا لشيطنتها من قبلنا نحن اليمنيين. لقد نجحت وسائل وأجهزة الدعاية التابعة للسعودية وبقية حلفاء الولاياتالمتحدة والغرب في المنطقة، في تكريس شيطنة إيران داخل اليمن، حيث تمكنت من ترسيخ حالة من الحظر النفسي وسط اليمنيين تجاه هذا البلد، في ظل اعتقاد إيراني سائد مفاده أن السعودية وبقية الحلفاء العرب لأمريكا يخوضون صراعا ضدهم بالوكالة عن أعدائهم: أمريكا وإسرائيل والغرب، وبصرف النظر عن هذا الاعتقاد من عدمها، فالصراع الإقليمي الجاري بين طهران من ناحية والرياض وحلفائها من ناحية أخرى، يشكل في الواقع جزءا أساسيا من الصراع الجاري بين الغرب وإيران. مع هذا، قد يبدو الصراع والعداء القائمان بين طهرانوالرياض مفهومين باعتبارهما يجريان بين قوتين إقليميتين تتنافسان على مصالح كبرى في المنطقة، وأن على هامش الصراع الدولي الأكبر بين لإيران والغرب، لكن مالا يبدو مفهوما البتة بالنسبة إلي شخصيا، ناهيك عن الإيرانيين أنفسهم، هو سبب انجرار اليمنيين في هذا الصراع إلى التسليم بشيطنة إيران، وتحولهم إلى جزء من الحصار السياسي والاقتصادي والنفسي المضروب على هذا البلد. إذا سلمنا باعتقاد طهران في الرياض تخوض صراعا إقليميا معها بالوكالة عن واشنطن وبقية حليفاتها الغربيات، فإن صنعاء لم تحتل في هذا الصراع سوى موقع وكيل الوكيل الإقليمي للولايات المتحدة والغرب، أو التابع الأعمى للرياض بعبارة أدق، وبهذا المعنى، تصبح شيطنة إيران من قبل أي يمني عملا غير وطني البتة، بل تأكيدا على التبعية العمياء لقرار وسياسة دولة أجنبية هي السعودية.