السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    شبوة .. توجيهات بإغلاق فروع شركات تجارية كبرى ومنع دخول بضائعها    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    مساعد مدير عام شرطة محافظة إب ل"26سبتمبر": نجاحات أمنية كبيرة في منع الجريمة ومكافحتها    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران ..متى نكون منصفين !!؟
نشر في المصدر يوم 14 - 11 - 2009

تمر على الانسان الطبيعي أوقات عديدة يفقد فيها القدرة على تمييز الحقيقة من الزيف والحق من الباطل والصواب من الخطأ ، حيث تحول ضبابية المشاهد وتداخل الوقائع دون اتخاذ القرار السليم ، وتزداد مهمة التمييز صعوبة فيما اذا كانت تلك المشاهد والوقائع مبرمجة سلفا وموجهة بحيث توصل الى نتيجة معينة قد لا تكون بالضرورة هي الحقيقة. ويفترض بالانسان المنصف أن يبذل جهده للوصول الى الحقيقة والا يكون إمَعة يساق كالدواب ويحرك كالالات ممن قد لا يريد له الخير .

نعايش هذه الأيام حملة شعواء على جمهورية إيران الاسلامية كنظام وكشعب ، وتتميز هذه الحملة بعدم الانصاف في كثير من جوانبها حيث لم تقف عند حد الاختلاف السياسي بل تعدته الى مسائل التكفير والاتهام بالمجوسية والامبراطورية الفارسية و ... ، حتى أضحى السكوت عما يقال ويكتب بغير حق أمرا لا يجوز.

من الذاكرة

بدأت الحملة الشرسة على إيران بالتزامن مع انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني – رحمه الله – في نهاية السبعينات وسقوط نظام الشاه الذي كان يعد الحليف الأهم لامريكا والغرب في منطقة الشرق الاوسط.

نظام الشاه كان أيضا حليفا ومحل رضا وقبول لدى الممالك العربية في المنطقة ، بينما يذكر التأريخ أن الامام الخميني أقر – بافتخار- بانه كان يتلقى الدعم لمعارضته الشاه من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كانت علاقته مع أيران الشاه متوترة بسبب ارتباط الأخيرة الوثيق باسرائيل وقوى الاستكبار الأخرى.

لم تكن العلاقات الوثيقة بين نظام الشاه واسرائيل تعكر صفو العلاقات مع الممالك العربية المجاورة ولم يثر الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية أي مشاكل لتلك العلاقات ، بل لم يشكل الاختلاف المذهبي بين شيعة إيران وسنة تلك الممالك أي عائق في وجه التعاون مع ذلك النظام .

تغير النظام الحاكم في طهران وانعكس معه ميزان التحالفات ، فتحولت إيران من حليف أمريكا والغرب الأول في المنطقة الى عدو لدود ومجاهر بالعداوة ، وتحولت سفارة إسرائيل في طهران الى مقر لإول سفارة فلسطينية في العالم. تحولت سياسات هذا البلد من خدمة وحماية مصالح الغرب في المنطقة الى دعم ورعاية حركات التحرر العربية والتي تناهض مشاريع قوى الهيمنة والاستكبار العالمية في تلاحم واضح بين تطلعات الشعب وسياسات ومنهج النظام الجديد بعد أن كانت تلك التطلعات تتعارض مع توجهات النظام السابق.

تعاملت الأنظمة العربية المحيطة بإيران سلبا مع التطورات الناشئة في إيران ، وتغيرت أمزجة زعماء تلك الممالك باتجاه الصديق السابق ، واندلعت الحرب العبثية العراقية الأيرانية وسط استعداء شديد وحشد لامكانات تلك الدول المادية والعسكرية والاعلامية والثقافية والطائفية ضد الجمهورية الوليدة.

شاركت معظم الدول العربية في دعم المجهود الحربي العراقي والذي حضي أيضا بدعم غربي وأمريكي غير مسبوق حتى أن بعض الدول العربية بادرت بارسال وحدات عسكرية مقاتلة الى جانب الجيش العراقي.

أدركت القيادة العراقية بعد عدة سنوات عبثية تلك الحرب وأنه تم توريطها لخدمة أجندة ليس للعراق فائدة فيها وأن المعركة مع إيران ليست معركتها ، ولكن اللعبة لم تنته بتوقف الحرب بين العراق وإيران ، لان عراق ما بعد الحرب لم يكن كعراق ماقبلها ، وتكرر خطأ القيادة العراقية باحتلالها الكويت ليلتف حبل المشنقة حول رقبة النظام العراقي.

هبت عواصف الصحراء وتدمر العراق جزئيا وبدأ الحصار الذي استمر 13 عاما و الذي فرضه الغرب وطبقته ممالك العرب ، لتأتي أحداث سبتمبر 2001 ويكمل بوش الأبن ما بدأه بوش الأب في تدمير العراق حيث غزت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني - من خلال قواعدها في ممالك الخليج المجاورة– دولة العراق وتحطم العراق كما تحطمت معه صورة جميلة لقوة عربية تعلقت بها آمال كبيرة.

قبل تدمير العراق ، كان قد تم تحييد مصر وحصار سورية وادخال الفلسطينيين في لعبة المفاوضات اللانهائية ، بينما إشتغلت باقي الدول العربية والاسلامية بمشاكلها الداخلية من باكستان وأندونيسيا والسودان الى اليمن والجزائر و....

انشغل الغرب عموما وأمريكا خصوصا بمعالجة تأثيرات هجمات 11 من سبتمبر 2001م ، وارتداد الفكر الموجه للجماعات التي دعمتها أجهزة الاستخبارات الامريمكية والغربية في مرحلة سابقة ضد المعسكر السوفيتي الشرقي خصوصا في أفغانستان وباكستان والذي كان الهدف منه أيضا تخفيف الاندفاع الاسلامي وموجة النهضة الاسلامية باتجاه فلسطين وضد الصهاينة – على بعد عدة كيلومترات- الى أفغانستان –على بعد الاف الكيلومترات - .

ساهم هذا الانشغال الغربي في تخفيف الضغط والحصار الغربي على إيران وسط تسارع لوتيرة بناء الدولة الايرانية الحديثة في كثير من المجالات ، واستفادت حركات التحرر العربية من ذلك بزيادة عدتها وعتادها وجاهزيتها.

اندلعت في صيف 2006 الحرب الاسرائيلية على لبنان بعد عملية للمقاومة اللبنانية هدفت الى تحرير بقية الاسرى اللبنانيين لدى اسرائيل . أتت تلك العملية لتثير مزيدا من حنق بعض الأنظمة العربية على حركات المقاومة الاسلامية وعلى إيران الداعمة لتلك الحركات وتشكل محور للاعتدال العربي شمل أساسا أنظمة السعودية ومصر والأردن في وجه محور للشر يشمل إيران وسوريا.

أتت نتائج تلك الحرب كارثية لاسرائيل وصادمة لتلك الانظمة العربية التي راهنت وبقوة على عدم بقاء المقاومة بعد الضربة الاسرائيلية ، حيث صمد حزب الله اللبناني لاكثر من شهر في وجه جيش يصنف بانه الأقوى في المنطقة ومن بين أقوى وأشرس جيوش العالم بل ان المقاومة اللبنانية استطاعت تغيير قواعد اللعبة العسكرية في المنطقة باستهدافها لاول مرة عمق الكيان الصهيوني وأدخلت هذا العمق ضمن دائرة المعركة في حين كان هذا العمق سابقا بعيدا عن ضوضاء المعارك الاسرائيلية مع جيرانها العرب .

كان الوضع الجديد الناشئ بعد تلك الحرب تداعياته على أنظمة محور الاعتدال العربي فبدأت أنظمته بشن حملة جديدة على جمهورية إيران الاسلامية وتم فرض مزيد من العزلة على سوريا واللتان جرى تحميلهما الوزر الأكبر في انتاج هذا الوضع الجديد في الصراع العربي الاسرائيلي والذي ينذر بخروج الصراع عن السيطرة وبتجاوزه للخطوط الحمراء لبعض الدول الغربية والأنظمة العربية على حد سواء.

إزداد هذا الواقع الجديد إثارة مع سيطرة حركة حماس الفلسطينية على قطاع غزة وفشل سياسة حصارها واحتوائها بهدف تحجيم أداء حركات المقاومة الفلسطينية في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية ، وجاء الصمود الغزاوي خلال العدوان الاسرائيلي العنيف على القطاع ليوصل درجة الحنق لدى تلك الأنظمة العربية على إيران الى مداه ، فتزداد شراسة الحملة على إيران والتي جاءت انتخاباتها الرئاسية وما رافقها من اشكالات لتعطي فرصة نادرة لتلك الأنظمة العربية وللأنظمة الغربية عموما لتسديد بعض الضربات السياسية والاعلامية للنظام الايراني المشاكس.

نقاط التماس

يتضح جليا أن نقاط الخلاف بين بعض الأنظمة العربية وإيران يمكن إختزالها في النقاط الاساسية التالية :

1. الدعم الإيراني الكبير لحركات التحرر العربية وبما يجعلها خارج نطاق السيطرة ، وانبراء إيران لاتخاذ مواقف سياسية شديدة العداء باتجاه اسرائيل من خلال الانكار العلني للمحرقة ضد اليهود وجرأة النظام الإيراني في الدعوة الى زوال اسرائيل من الوجود ، أدى كل ذلك الى تعرية المواقف والسياسات التي تنتهجها بعض الأنظمة العربية أمام شعوبها ، مما وضعها أمام خيارات صعبة بين تطلعات ومطالب شعوبها وبين مقتضيات البقاء في الحكم وتفادي اثارة الحليف – أحيانا الراعي- الامريكي والغربي.
2. براعة النظام الإيراني في التعامل والتأثير فيما يجري حوله من وقائع جديدة كالإحتلال الامريكي والغربي لافغانستان شرقا وبعده احتلال العراق غربا، وفرض إيران نفسها كلاعب أساسي أرغم الأنظمة الغربية وحتى النظام الأمريكي على الجلوس على طاولة التفاوض معها حول تلك القضايا في مقابل عجز لتلك الأنظمة العربية في التأثير على مجرى أي من الأحداث المحيطة بها كالوضع في العراق مثلا وذلك بالرغم من أن قوات الاحتلال الأمريكي انطلقت لغزوها العراق من أراضي تلك الدول ويجري الدعم اللوجيستي لقوات الاحتلال من خلال القواعد الأمريكية في السعودية والكويت والبحرين وقطر.
3. إدارة إيران الجيدة لملفات الخلاف مع الغرب وخصوصا في الملف النووي ، وفشل سياسات الاحتواء والحصار بل وتنامي علاقات إيران الجيدة مع معظم دول جوارها وحتى دول أمريكا اللاتينية ودول أفريقيا بالإضافة الى القفزات العلمية الهائلة التي تحققها الجمهورية الاسلامية في مختلف أنواع العلوم والمعرفة مثل التصنيع الفضائي (أقمار صناعية وصواريخ فضاء)، التقدم في المجال النووي ، التطور الكبير في الصناعات الثقيلة المدنية والعسكرية ، كل ذلك أدخل تلك الأنظمة العربية في حالة يأس من امكانية السيطرة الغربية على جموح النظام الأيراني سياسيا في نفس الوقت الذي يمنح شعبه إنجازات تنموية هائلة بينما لا تجد تلك الأنظمة المجاورة سوى منتجات وسياسات الشرق والغرب لتقدمها لشعوبها.

أدوات الحملة

استغلت انظمة الحكم في بعض الممالك العربية جملة من الاشارات السلبية والتصريحات المبهمة الصادرة من دوائر ثانوية في النظام الإيراني التي تعلقت بمملكة البحرين وأيضا الرفض الإيراني –في هذه المرحلة- للتفاوض بخصوص الجزر الإماراتية الخاضعة للسيادة الإيرانية ، بل تم استغلال حتى موضوع تسمية الخليج بين العربي والفارسي في زيادة شقة التباعد وحجم الخوف من هذا الجار القوي والأخ اللدود.

إعتمدت الحملة ضد إيران على ماكينة إعلامية سعودية وغربية ضخمة تمثلت في وسائل إعلام موجهة كفضائية العربية وصحف كالشرق الأوسط ومواقع الكترونية ومنتديات عديدة ، وحظيت هذه الحملة بموارد مالية هائلة وجند لها عدد كبير من الأقلام الصحفية والكتاب وأغلبهم ممن يقدس ثقافة "البترودولار" سواء على نطاق العالم العربي أو محليا داخل كل دولة ، كما تم الاستفادة من مطابخ الفتاوي الجاهزة لبعض مشائخ تلك الأنظمة والذين تم استنفارهم للمعارك الدينية الداخلية والتي يجيدونها تماما.

استدعت هذه الحملة في مفرداتها كل ما يمكن أن يقال في المجال السياسي كالتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية ، أو في المجال الثقافي من خلال استدعاء القومية العربية في مقابل القومية الفارسية بل تعدى الأمر الى الجانب المذهبي من خلال الادعاء بوجود حملة تشييع إيرانية داخل بعض البلدان العربية كما تم التطرق الى المسائل المذهبية الخلافية كالموقف من الصحابة ومبدأ ولاية الفقيه وغيرها.

وقد جمعت هذه الحملة -من خلال مفرداتها المذكور بعض منها في الفقرة السابقة- العديد من التناقضات والالتباسات وقلب للحقائق مما يسهل للمرء -بقليل من الحيادية والانصاف- إدراك كيدية معظم تلك المفردات والتي يمكن تصنيفها اعتمادا على الفئة المستهدفة في جمهور الجناحين : العلماني والذي يخاطب طبقة المتحررين في مجتمعات الخليج والمستغربين من طبقة المتعلمين والمثقفين العرب عموما ، أما الجناح الثاني وهو الديني الوهابي فهو يخاطب المواطن البسيط العادي ممن قد يسهل التغرير به.

فسر الجناح العلماني للحملة موضوع التدخل الأيراني بكون إيران تدعم حركات حماس وحزب الله والجهاد الاسلامي وبما يمثل ذلك من انتقاص وانتهاك لسيادة السلطة الفلسطينية ودولة لبنان ، كما يتم تناول الدور الأيراني في العراق بشكل سلبي كونه يؤثر على انجازات قوات الأحتلال الامريكي في بناء الدولة العراقية الحليفة الجديدة في نفس الوقت الذي يفسر فيه الجناح السلفي الوهابي ذلك التدخل بانه يأتي في مصلحة اسرائيل وأنه لا وجود لدعم إيراني للحركات الفلسطينية المقاومة وأن حزب الله اللبناني هو صنيعة إيرانية اسرائيلية والهدف منها تدمير لبنان وأنه لولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق ...

أما فيما يتعلق بالجانب القومي ، وفي حين بدأت حملة لإضهار إيران كمن يسعى الى استعادة أمجاد الدولة الفارسية القوية والمسيطرة على محيطها ، وأن هناك مظاهر اضطهاد للمواطنين العرب كعرب الأهواز مثلا أو من الناحية الدينية بادعاء وجود اضطهاد للمسلمين السنة في إيران وأنهم ممنوعون من بناء المساجد بل وصل الأمر الى إدعاء حدوث مجازر للنظام الإيراني بحق رعاياه السنة ، الا أن هذا الاتجاه في الحملة يلقى معارضة للاستمرار فيه من بعض الجهات المشرفة على هذه الحملات بدعوى أن حجة إيران قوية في هذه النقطة وأن إيران مشهود لها عبر التاريخ بانها من أكثر دول العالم تسامحا مع الأقليات والديانات الأخرى ، بل أن ردة الفعل الإيرانية في هذه النقطة بالنسبة لاوضاع كثير من فئات المجتمعات العربية وخصوصا الأقليات في دول الخليج العربي قد تفتح أبوابا لمشاكل هذه الدول في غنى عنها.

وتبرز شراسة الحملة الدعائية ضد إيران في النقاط المتعلقة بالاعتقاد الديني ونقاط الاختلاف مع الشيعة عموما ، ويظهر التكفير كسلاح في هذه الحملة . وبرغم أن هذا الجانب من الحملة لا يأخذ حيزا كبيرا من خلال المنابر الاعلامية الأكثر انتشارا كالفضائيات والصحف ، الا أن الحملة شديدة جدا من خلال الاعلام الالكتروني المفتوح أو من خلال المساجد والمنتديات المفتوحة.

هذا الجانب من الحملة ، والمعزز بفتاوى تكفيرية تصدر سرا وجهرا من قبل بعض مشائخ السلفية الوهابية ضد من يختلف معهم من المسلمين قد أفرز سابقا –ولا يزال- عشرات العمليات الانتحارية والمزيد من العنف والتوترات الطائفية في العراق وباكستان وأفغانستان وحتى داخل إيران ، الا أن ناقوس الخطر لم يدق بعد لدى تلك الأنظمة الراعية لمثل هذا الفكر والتي تتشدق بالدعوة –باستماتة- الى حوار للحضارات والأديان بينما تستنكف عن الدعوة أو حتى المشاركة في حوار بين المسلمين أنفسهم .

الخلاصة

نصل في الأخير الى حقيقة أن خلفية الحملة على طهران والتي إشتدت مع وصول الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد الى السلطة يأتي بسبب جموح طهران في دعم حركات التحرر العربية والتي تريدها الأنظمة العربية داخل نطاق السيطرة ، وأن الطرف المستفيد من تفاقم الخلاف بين النظام الأيراني وبعض الأنظمة العربية هو القوى الغربية والصهيونية .

إن إيران والأنظمة العربية المختلفة معها مدعوون –على الأقل بلغة المصالح- الى الجلوس الى طاولة واحدة لتناول المسائل محل الخلاف فالثمار التي تنتج عن أي إتفاق بين الجانبين –وإن كانت بسيطة- قد تكون أكثر تأثيرا وفائدة من أي نتائج مرحلية يحصل عليها كل فريق يعمل على حدة.

إن نظام جمهورية إيران الاسلامية مطالب اليوم بمزيد من التنسيق والتعاون مع الدول العربية التي قد تختلف معه وهو مطالب أيضا بتوضيح نقاط اللبس وبالكف عن الإصرار على أن سياسته هي الأنسب دوما وأن على الجميع دوما أن يتناغم مع سياسته ومع سرعة أدائه.

كما أن على الدول التي تدعي تدخل إيران في شئونها الداخلية كما هو الحال مع النظام اليمني والذي يتهم بعض المرجعيات الدينية في إيران بدعم حركة التمرد الحوثية أن يقدم ويعرض ما لديه من أدلة ويعرضها على إيران الرسمية ، حيث أنه الى الآن لم تستطع الدولة اليمنية تقديم أي دليل على الأطلاق لتورط إيران الرسمية أو غير الرسمية في دعم الحوثيين حتى أن البعض يفسر مثل هذا الاتهام لطهران بانه وسيلة لاثارة ذعر المملكة السعودية وبالتالي توفير المزيد من الدعم للمساهمة في إنهاء التمرد ، ولكن في كل الإحوال فان النظام اليمني مطالب في حالة وجود شكوك حقيقية بوجود مثل هذا التدخل الإيراني بإن يتعاطى مباشرة مع النظام الإيراني وأن يعلم بإن دخوله في معركة التحالفات والاتهامات سيزيد من خسائره ليس الا.

الأنظمة العربية مطالبة أيضا بالاستفادة من هذا الاندفاع الأيراني في دعم القضايا العربية بصورة مباشرة ومن الدعم التركي الجديد والذي يأتي بصورة غير مباشرة، في الضغط على الجهات الغربية للحصول على تنازلات في مواقفها تجاه تلك القضايا وعدم الاكتفاء بالتعامل السلبي مع كل ما يصدر من طهران وأن هناك إمكانية للوصول الى قوالب عمل مشتركة، وعليها أيضا التوقف عن تجيير أسباب فشل سياساتها الخارجية على إيران، بل على بعض هذه الأنظمة أن يتذكر دوما بإنه من بدأ باستعداء النظام الإيراني عقب ثورته الاسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.