لا يزال ملف الحكومة الليبية التي كُلف رئيس الحكومة المُنتخب عبدالحميد الدبيبة بتشكيلها، لإدارة المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات المُقرر تنظيمها في 24 ديسمبر القادم، يدور في حلقة مُفرغة رغم اقترابه من تجاوز الإطار الزمني المُحدد ب21 يوما الذي نصت عليه خارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها في جنيف السويسرية. وترافق هذا الأمر مع تواصل الخلافات بين أعضاء البرلمان الليبي حول جدول أعمال ومكان عقد جلسة عامة له كاملة النصاب لمنح الثقة لهذه الحكومة، حيث لا يُعرف لغاية الآن ما إذا كانت ستُعقد في سرت أو صبراتة أو العاصمة طرابلس التي سعى بعض النواب إلى الدفع بها كخيار ثالث رغم إجماع نواب الشرق على أنها ليست آمنة بالنظر إلى سيطرة الميليشيات عليها.
وفيما يتواصل الجدل حول مكان عقد هذه الجلسة البرلمانية العامة وسط اتهامات مُتبادلة بالتعطيل تتقاذفها العديد من الكتل النيابية، تواترت الأنباء التي تُشير إلى أن التشكيلة النهائية لهذه الحكومة اكتملت، وهي تتألف من فريق وزاري كله من الكفاءات المشهود لها، وأن الدبيبة بصدد وضع اللمسات الأخيرة لإخراجها إلى العلن في نهاية الأسبوع الجاري.
وأثارت تلك الأنباء التي يُروج لها مُقربون من الدبيبة مخاوف بدأت تتصاعد لدى العديد من الأطراف السياسية من أن تقوم الحكومة المُرتقبة على قاعدة إعادة تدوير نفس الوجوه والشخصيات السياسية التي تولت مناصب في الحكومات الليبية السابقة وفرضت هيمنتها وسطوتها على مفاصل الدولة، بما يُقلل من مصداقيتها الشعبية على صعيد الداخل الليبي.
72 شخصية رفضت إعادة تدوير شخصيات سبق أن شاركت في حكومات سابقة في حكومة الدبيبة وتعمقت تلك المخاوف من شبح إعادة التدوير الذي يُخيم على هذه الحكومة، في أعقاب تزايد التسريبات التي تُشير إلى أن آلية اختيار الوزراء التي اعتمدها الدبيبة في مشاوراته المُتعددة خضعت لتدخلات وضغوط ومحاصصة بحيث لن تخرج حكومته من دائرة "إعادة تدوير شخصيات" سبق لها أن شاركت في حكومات سابقة وأثبتت فشلها.
ووفقا لتلك التسريبات المنسوبة لمقربين من الدبيبة التي باتت تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا، فإن الفريق الوزاري الجديد الذي سيُعرض قريبا على البرلمان شهد لغاية الآن إعادة تدوير أكثر من ثلاثة وزراء من حكومة فايز السراج، الأمر الذي دفع العديد من الشخصيات الليبية إلى التعبير عن رفضها القاطع لأي حكومة تقوم على سياسة إعادة التدوير.
وطالب أكثر من 72 شخصا من نشطاء ومؤسسات المجتمع المدني في بيان مشترك رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة الدبيبة بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدا عن المحاصصة القبلية والجهوية، وعن إعادة تدوير شخصيات سبق لها أن شاركت في حكومات سابقة تحت أي مسمى أو تزكية من هنا أو هناك.
وأكد البيان على أهمية دعم حكومة تكنوقراط من شخصيات شبابية وقيادية تتحلى بروح الوطنية والشفافية حتى تكون عاملا مساعدا لنجاح الحكومة في مهامها، وعلى أنه لا يحق لأحد أن يدعي تمثيل إقليم من أقاليم ليبيا أو مرشح عنها في أي تشكيل وزاري وعلى ضرورة عدم المساس بموعد الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر القادم.
مهمة الدبيبة تبدو صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة بالنظر إلى المناخ العام في البلاد الذي مازالت تتحكم فيه خارطة موازين قوى متشابكة وتوازنات سياسية مُتداخلة وبالتوازي مع ذلك، لم يتردد الطاهر الغرابلي رئيس ما يسمى "المجلس العسكري صبراتة" في دعوة الدبيبة إلى "إبعاد جميع من تقلد منصبا قياديا في السابق عن تشكيل الحكومة الجديدة"، وذلك في الوقت الذي تم فيه الكشف عن تزكية تقدم بها عدد من النواب للدبيبة لتعيين عبدالرزاق أحمد عبدالقادر المختار سفير ليبيا السابق لدى تركيا لتولي منصب وزير الخارجية.
وقبل ذلك، ترددت أنباء مفادها أن الدبيبة يتجه نحو الإبقاء على فتحي باشاغا وزيرا للداخلية في حكومته، وهو توجه أثار في حينه ردود فعل غاضبة، يُرجح أن تتصاعد في أعقاب "محاولة الاغتيال" المثيرة للجدل التي يُروج باشاغا أنه تعرض لها الأحد الماضي بالطريق السريعة بجنزور عند المدخل الغربي للعاصمة طرابلس.
ويسود اعتقاد لدى جميع المراقبين للشأن الليبي بأن مهمة الدبيبة تبدو صعبة جدا بالنظر إلى المناخ العام في البلاد الذي مازالت تتحكم فيه خارطة موازين قوى متشابكة وتوازنات سياسية وأخرى مناطقية مُتداخلة، إلى جانب استمرار سطوة الميليشيات التي عمقت الانقسامات.