رئيس مجلس القيادة يصل مارب برفقة نائبيه العليمي ومجلي    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    لحظة وصول الرئيس رشاد العليمي إلى محافظة مارب.. شاهد الفيديو    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطنة والمشاركة السياسية للمرأة اليمنية(1-4) بقلم | عارف المعمري
نشر في يافع نيوز يوم 14 - 11 - 2013

مع تنامي هاجس التغيير الديمقراطي في اليمن وفي باقي البلدان العربية، والتطورات الدولية المتسارعة للنظام الدولي الجديد، اتسع تداول مصطلح (المواطنة) لما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن صفة (المواطن) سواءً كان ذكراً أو أنثى لا تعني فقط الانتساب للوطن، والارتباط به كتابع، وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف المجالات، له كيانه المستقل، وقناعاته الخاصة، ومن حقه أن يعبر بحرية عن آرائه واختياراته الشخصية، وأن يضطلع بدور إيجابي في الحياة العامة دون الإضرار بالوطن ومصالح الآخرين.
ولا يستقيم البناء الديمقراطي لأي دولة دون تجلي روح (المواطنة) في علاقات كل فرد (مواطن أو مواطنة) بمؤسسات الدولة التي يعد الهدف الأساسي من وجودها هو خدمة (المواطنين) وتوفير ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والجماعية، من أمن واطمئنان واستقرار، والسهر على تنظيم شؤونهم العامة انطلاقا من خياراتهم، ووفق رغباتهم وحاجاتهم، وفي المقابل يرتبط الأفراد (المواطنون) بالولاء الكامل ل(الوطن) الذي لا يعني مجرد حيز جغرافي، وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية، وإنما يشمل في مفهومه الواسع مجموعة من القيم والمبادئ والقضايا التي تعكس الإرادة العامة للمواطنين.
أ _ ماهية المواطنة:
ولتحديد ماهية مصطلح (المواطنة)نرجع إلى أصل الكلمة فنجد أنها بالنسبة للغة العربية من الكلمات المستحدثة، ودخلت إليها على الأرجح في إطار ترجمة التراث الغربي الحديث، وهي تقابل كلمة (Citizenship) في اللغة الإنجليزية، وكلمة (Citoyenneté) في اللغة الفرنسية، وكلمة (Ciudadania) في اللغة الإسبانية، ويأتي الاشتقاق من كلمة (City) الإنجليزية، و(Cité) الفرنسية، و (Cuidad) الإسبانية، وتعني هذه الكلمات في اللغات المذكورة (المدينة)؛ أما أصل مصطلح (المواطنة) فهو يوناني، ويرجع لكلمة (Politeia) المشتقة من كلمة (Polis)وهي (المدينة).
وقد اشتقت كلمة المواطنة في اللغة العربية كما هو واضح من الوطن، وجاء في كتاب لسان العرب لابن منظور أن» الوطن : المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان، ومحله، والجمع أوطان« وتترجم كلمة المواطنة في بعض المعاجم العربية، بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن، وكلمة المواطن وفق المفهوم الغربي الذي اشتق منه، هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة، ويقيم فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية، ويحدد الدستور والقوانين العلاقات بين المواطن والدولة وتشمل الحقوق والحريات والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، وواجباته ومسؤولياته والتزاماته تجاه وطنه، وبالتالي يمكن القول بأن المواطنة تعني الروابط القانونية والسياسية التي تجمع الفرد المواطن بوطنه.
وقد وجد عدد من الكتاب في كلمتي المواطن والمواطنة ضالتهم لنقد كلمات موجودة في التراث العربي ولا تستقيم مع المفاهيم الديمقراطية الحديثة، وكمثال على ذلك كتاب خالد محمد خالد (مواطنون لا رعايا) وكتاب فهمي هويدي (مواطنون لا ذميون)؛ وأصبحت الكتابات العربية الحديثة بصفة عامة تستعمل (المواطنة) كمصطلح يفيد المشاركة والمسؤولية والمساواة والكرامة في مجتمع ديمقراطي.
وجاء في معجم المجلس الأوربي حول (مصطلحات التربية على المواطنة الديمقراطية) المنجز من طرف (Karen O'shea) «أن المواطن بصفة عامة يطلق على شخص يعيش مع أشخاص آخرين في مجتمع معين» ولا تفرق بعض المراجع الغربية بين المواطنة والجنسية، وتعرف موسوعة(كولير)الأمريكية المواطنة (Citizenship) بأنها "أكثر أشكال العضوية اكتمالا في جماعة سياسية" وتعرفها دائرة المعارف البريطانية بأنها علاقة بين فرد ودولة، يحددها قانون هذه الأخيرة، وما تشمله تلك العلاقة من واجبات وحقوق في ذات الدولة..وتخول للمواطن على وجه العموم حقوقا سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة"، وجاء في موسوعة الكتاب الدولي أن المواطنة (Citizenship) هي عضوية كاملة في دولة، أو في بعض وحدات الحكم، وتخول للمواطنين بعض الحقوق كالتصويت وتولي المناصب العامة، وعليهم واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن بلدهم.
ب _ تطور مفهوم المواطنة:
ومفهوم المواطنة في العصر الحاضر يجد جذوره في الفلسفة اليونانية وفي الممارسة الديمقراطية البدائية في أثينا، ولو أن تلك الممارسة كانت تقصي النساء والعبيد، فقد كانت تنبني على مبدأ تساوي الذكور الأحرار في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، أي التساوي في المشاركة السياسية، الأمر الذي يشكل عنصرا جوهريا في المفهوم الحديث للمواطنة.
ولا نعثر على كلمة (المواطنة) في التراث العربي الإسلامي، غير أن ما تعبر عنه هذه الكلمة في العصر الحاضر، من قيم الحرية والعدل والمساواة والمشاركة والمسؤولية، تعد من المبادئ التي دعا إليها الإسلام، وإن كانت الممارسة السياسية منذ حكم الأمويين لم تتقيد بالمبادئ الإسلامية الصحيحة، كما أن عدم تطوير نظام الشورى، والصراعات الدموية من أجل الاستفراد بالحكم واحتكار السلطة، وغياب حرية النقد السياسي، وانعدام فرص التقويم العقلاني لأساليب تدبير الشأن العام، كل ذلك أدى إلى إبعاد المجتمعات الإسلامية عن تعاليم الإسلام ومقاصده، وحال دون انخراطها في التطور السياسي الذي عرفته شعوب وأمم أخرى، عرفت كيف تستفيد من الحضارتين الإغريقية والرومانية، ومن المبادئ التي ارتكز عليها الإسلام نفسه.
وإذا كانت أوربا الغربية قد عرفت مرحلة من السبات العميق خلال القرون الوسطى، حيث سادت أنظمة من الحكم الفردي المطلق، الذي لا يقيم اعتبارا للمواطنة، فإن الفكر السياسي والقانوني في دائرة الحضارة الغربية منذ القرن الثالث عشر، قام بصياغة مبادئ، واستنباط مؤسسات، وإبداع وتطوير آليات جديدة للحكم، أمكن بعد إدخالها حيز التطبيق بكيفية تدريجية، تأسيس وتنمية نظم حكم قومية مقيدة للسلطة، وتم ذلك من خلال حركات الإصلاح التي لم تتحقق أهدافها دائما بشكل عفوي، أو بخطوات سلسة، وإنما اقترن نضال تلك الحركات بثورات شعبية أتت على نمط الحكم المطلق، الذي يجمع فيه الحاكم الفرد كل السلطات، وتتركز بين يديه كل القرارات، وفتحت المجال لقيام الديمقراطية، التي تجعل الشعب هو مصدر السلطات، والإرادة العامة هي مناط الحكم.
وتعد الثورة الفرنسية من أهم تلك الثورات التي عرفتها أوربا، ومعها عرف مفهوم المواطنة تطورا هاما حيث تمت القطيعة مع الطقوس والعلاقات الفيودالية، وصدر بيان حقوق الإنسان والمواطنة سنة 1789، فأصبح مفهوم المواطنة يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع إقرار مبدأ المساواة أمام القانون، وعدم إقصاء الأقليات أو أي فئة في المجتمع.
وأثرى فلاسفة الأنوار المفاهيم السياسية بمصطلحات جديدة، مثل (المجتمع المدني) و(الرأي العام)، و(السيادة الوطنية).. مما ساهم في توسيع مفهوم المواطنة، ليشمل مختلف الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الأشخاص المواطنون، وسائر المجالات التي تهم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأعطى (جان جاك روسو) من خلال مقولته الشهيرة: (الإرادة العامة) مفهوما أوسع للمواطنة يرتكز على تدبير شؤون المجتمع من لدن أشخاص مدنيين فاعلين، والذين هم أساس مشروعية ممارسة السلطة، ويحدد (سبيس) صفات المواطن الفاعل من خلال التمثيلية التي تجعل المواطنة لا تنحصر فيمن لهم أهلية الانتخاب، أي أن الذين لم يبلغوا بعد سن التصويت لا تنتفي عنهم صفة المواطنة، وأن المنتخب يمثل الأمة بكاملها خلال ولاية محددة المدة، وتخول المواطنة حق متابعة المؤسسات التمثيلية، ومطالبتها بتحقيق الرغبات العامة، وبذلك لا يكون الأفراد المواطنون مجرد تابعين خاضعين، وإنما مشاركين فاعلين.
ومع تطور الديمقراطية، أصبحت الحقوق التي تخولها المواطنة، كالمشاركة في الحياة السياسية وفي اتخاذ القرارات، ترتبط بحرية تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية، وحرية الانتماء إليها، والمشاركة من خلالها في تكوين الرأي العام، وبلورة توجهاته؛ وهنا يتبين الارتباط الوثيق بين المواطنة والديمقراطية، فلا مواطنة دون توفر مقومات النظام الديمقراطي السليم، الذي يقوم أساسا على سلطة المؤسسات المنبثقة من الشعب، ويضمن الحريات الفردية والجماعية، واحترام حقوق الإنسان، والتعددية الحزبية التلقائية، التي يفرزها اختلاف المصالح، وتعدد وجهات النظر حول أساليب تدبير الشأن العام.
والعلاقة بين المواطنة، والمواطن، والوطن، لا تنحصر في الاشتقاق اللغوي، وإنما تمتد إلى الارتباط الوثيق في المضامين، فلا مجال لتجسيد مفهوم المواطنة بما يعنيه من مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في تدبير الشأن العام، ومسؤولية تجاه الوطن، دون وجود مواطن يُدرك بوعي حقوقه وواجباته، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشعر بأنه معني بما يجري داخل الفضاء الذي يسمى الوطن، فلا مواطنة بدون مواطن، ولا مواطن بدون ولاء للوطن، وتفاعل إيجابي مع قضاياه، وانخراط حقيقي في شؤونه.
وفي العصر الحديث الذي يتميز بالتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، بدأت تبرز أشكال جديدة للمواطنة، لا تنحصر فيها روابط المواطن بالدولة التي ينتمي إليها، وإنما تتسع هذه الروابط لتشمل مجموعة من الدول التي تجمع بينها مواثيق لتنسيق وتوحيد مواقفها وبرامجها السياسية والاقتصادية والثقافية، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوربي.
ج- المرأة والمواطنة:
لعل موضوعاً حساساً كهذا يقتضي منا البحث بالتاريخ القديم وصولاً للحاضر، فدور المرأة بالمجتمع مر بمراحل مختلفة، كل مرحلة لها طبيعتها وتكوينها الخاص الذي كان له أثره على وضع المرأة ومكانتها في المجتمع..
حدثنا التاريخ أن المرأة في العصور الأولى كانت قائدة في مجتمعها ومديرة لشئونه، فهي تقوم بمعظم عملية الإنتاج داخل الأسرة، تنجب وترعى الماشية وتؤمن الطعام وتصنع من الصوف الألبسة والأشعار تلبي كافة حاجات أفراد الأسرة،فكان لها السلطة والنفوذ تسوس وتقود تختار زوجها وتتزوج بأكثر من رجل.. سميت تلك المرحلة من التاريخ بمرحلة الأمومة.
في هذه المرحلة اتخذت بعض المجتمعات المرأة رمزاً لآلهتهم وعبدوها وسجدوا لها (عشتار).
مع ازدياد عدد البشر وتنوع حاجاتهم وتعقد علاقاتهم، بدأت المجموعات البشرية تتمركز حول ضفاف الأنهار وتشكل المدن والقرى، وأصبحت الزراعة من المهن المهمة والضرورية مما أدى إلى ظهور بعض الصناعات التي تحتاجها تلك المهنة كالفؤوس والمعادن وأدوات زراعية وأدوات بسيطة للحياكة وللصيد وأسلحة للدفاع عن النفس والأرض مما اقتضت الضرورة لجهد وقوة الرجال.. حينها بدأ دور الرجل يزداد تقدماً، دور ونفوذ وسلطة المرأة يزداد تراجعاً وضعفاً وبظهور الصراعات والحروب بين المجتمعات كان لا بد من تشكيل قوة محاربة للهجوم والدفاع فزاد ذلك من دور الرجل قوة إلى أن استقر الأمر له وعرفت البشرية مجتمع الذكورة..
في هذا المجتمع أصبح الرجل قائد جيش وزعيم عشيرة ورب أسرة يتخذ القرارات ويأمر وينهي، وأصبحت الأنثى تابعاً مهاناً تتعرض للوأد خشية العار، تباع وتشرى وتعار وتسبى أنها ملك خالص للرجل ووسيلة لمتعته.
مع دخول مرحلة التاريخ وبناء الحضارات ازدادت قوة الرجل ونزلت الأديان السماوية والتوحيدية لتؤكد تبعية المرأة للرجل وإلى الأبد بقوانين إلهية صارمة، بالرغم من إعادة الأديان للمرأة بعض حقوقها المسلوبة.
الدين الإسلامي ساوى بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات الدينية لها ماله وعليها ما عليه، إلا أنه لم يساوي بينهما من الناحيتين السياسية والاجتماعية وثبت تبعية المرأة للرجل..
قال تعالي [ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً ] النساء /34/
وفي السنة النبوية لانكاح إلا بولي فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ أيما امرأة أنكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استعمل من فرجها فإذا اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه والترمذي.
وطاعة الزوج من الفرائض الدينية وطاعة الله فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ] رواه أحمد والطبراني.
وهناك الكثير من الأحاديث التي أعطت الرجل حق الولاية والوصاية، ومن ثم جاءت القوانين من مصدر الشريعة لتضع المرأة بولاية الأب وتبعية الزوج، تطلّق ولا يحق لها التطليق والقوانين الوضعية لتحرم المرأة من إعطاء الجنسية لأولادها أو زوجها, وهذا ما جعلها جنساً ثانياً من قيمته الإنسانية وفي موقعه الحضاري وفي دوره السياسي والاجتماعي العام، فابتعدت عن الاهتمام بالشأن العام والمشاركة فيما تقتضيه الحياة العامة متنازلة عنه للرجل باعتقاد مزيف تسوقه وتورثه قاعدة تقول (إن الرجال أقدر من النساء على اتخاذ القرار وتحمل مسئولية العمل العام وتولي مناصب صنع القرار) لذلك نجد أن أغلب النساء عندما يمارسن حقهن الانتخابي يتوجهن بانتخاب الذكور.
لا يمكننا إغفال البطولات التي سجلتها بعض النساء عبر التاريخ في كافة المجالات ومنها العسكرية والسياسية والاقتصادية ونالت بعض المواقع المتقدمة في الحكم والدولة.. إلا أن ذلك لازال في الإطار الضيق والمحدود وخاصة ما يتعلق بالمرأة اليمنيةوالعربية..
وهذا يعود ضمن الواقع الحالي إلى عدة عوامل:
1- العامل التاريخي الذي سبق وذكرناه وأثره على الوضع الاجتماعي الذي كرس نظام تربوي يقوم على التمييز بين الطفل والطفلة [ فالطفل يربى لأن يكون الزوج والأب المطاع والطفلة مكانها المنزل وطاعة الأوامر ] وتبعية الأسرة بكاملها للأب وسلطانه يحكم بها كيفما يشاء وأراد.
إن هذا الشكل والتقسيم للأسرة لا يمكن لأفرادها أن يكونوا مواطنين، فالأسرة التي لا تبنى على المشاركة والحوار والمساواة لا تنتج فرداً فاعلاً قادراً على الدفاع عن حقوقه وحرياته والقيام بواجباته والفعل الإيجابي بالمشاركة في الحياة العامة..
2- العامل التعليمي:
يعتبر التعليم من أهم العوامل المؤثرة في إنتاج وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية المختلقة، والغاية منها إعادة تركيب البنى الاجتماعية على أساس مقارب للواقع أو مغاير له.
فالتعليم ليس انعكاساً لثقافة المجتمع فحسب، بل هي عملية تعيد انتاج ثقافة المجتمع والإيديولوجية السائدة فيه وبنيته الاقتصادية والسياسية.. والتعليم لدى مجتمعنا اليمني ومجتمعاتنا العربية تكرس مفهوم التمييز الجنسي وتقسيم العمل داخل الأسرة.. وهذا ما ولد مفهوم تفوق الرجال في ميادين العمل بكافة مجالاته وخاصة المجال السياسي الذي تفرد به الرجل..
كما أن النظم الاجتماعية السائدة تشجع الأنثى على التسرب من التعليم أما بسبب الزواج المبكر أو أسباب اجتماعية ودينية واقتصادية وهذا ما أدى لأن تكون نسبة المتسربات من التعليم أعلى من الذكور وخاصة في الريف ونسبة الملتحقات بالتعليم الثانوي، ناهيك عن عدم وصول خدمات التعليم الى مناطق الريف اليمني.
والتعليم العالي أقل من الذكور، مما حرم المرأة من اعتلاء المناصب العليا في مفاصل الدولة والمساهمة في صنع القرار
3- العامل الاقتصادي:
يساهم الوضع الاقتصادي في شعور الأفراد بالانتماء إلى المجتمع الواحد وتنظيم العلاقات بينهم من خلال إزالة الفوارق الطبقية والمساواة في فرص العمل وممارسة النشاط الاقتصادي..
وبالنسبة للمرأة فإن العامل الاجتماعي والتعليمي كان لهما تأثير في إضعاف مشاركة المرأة في سوق العمل والحركة الاقتصادية فنسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في اليمن ودول عربية ففي اليمن 2%تقريباً وفي لبنان تشكل 27% وفي الأردن 18% وفي سوريا 25% أغلبية النساء يعتمدن على الرجال من عائلاتهن لتغطية نفقاتهن مما أفقدهن العامل الأساسي لاستقلالهن وحريتهن.
المواطنة بالنسبة للمرأة تتلازم مع تحررها واستقلالها وهذا ما يحتاج إلى تغيير في البنى الاجتماعية والتعليمية وهذا منوط بالرجل والمرأة على السواء.
فتحرر المرأة جزء أساسي من إعادة تشكيل كافة الأطر والهياكل الاجتماعية وبالتالي من عملية تحرير الرجل والمجتمع بأسره،وهذا يقود بالنتيجة إلى مجتمع فاعل وحر أفراده يمتلكون الوعي الكامل بحقوقهم وواجباتهم كمواطنين فالمجتمعات القائمة على أساس المساواة والعدل وصون الحريات والحقوق هي المجتمعات التي تسير نحو التقدم والحضارة. لذلك فإن تعزيز المواطنة للمرأة اليمنية بحاجة الى جهد رسمي من قبل حكومة الوفاق الوطني والحكومات التي ستليها، وكذلك لجهد الأحزاب والتنظيمات السياسية ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في تبني ذلك في الوثائق والأدبيات واللوائح وبرامج العمل وقبل ذلك توافر الإرادة السياسية لقيادة البلد العليا كذلك الإعلام بمؤسساته المختلفة لتهيئة الرأي العام الداخلي، كما أن التاريخ اليمني القديم أخبرنا عن المرأة اليمنية ودورها في الممالك اليمنية في حضاراته المتعاقبة ومشاركة المرأة اليمنية في الحكم والمشورة والأمور السياسية ومن أمثلة ذلك الملكة بلقيس وأروى بنت أحمد الصليحي.
* باحث سياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.