صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    المجلس الانتقالي الجنوبي يرحّب بتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة ويدعو إلى تعزيز التعاون الدولي    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    لحج: المصفري يرأس اجتماعا للجنة المنظمة لدوري 30 نوفمبر لكرة القدم    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تُنظم فعالية خطابية وتكريمية بذكرى سنوية الشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطنة والمشاركة السياسية للمرأة اليمنية
نشر في الجمهورية يوم 08 - 09 - 2013

مع تنامي هاجس التغيير الديمقراطي في اليمن وفي باقي البلدان العربية، والتطورات الدولية المتسارعة للنظام الدولي الجديد، اتسع تداول مصطلح (المواطنة) لما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن صفة (المواطن) سواءً كان ذكراً أو أنثى لا تعني فقط الانتساب للوطن، والارتباط به كتابع، وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف المجالات، له كيانه المستقل، وقناعاته الخاصة، ومن حقه أن يعبر بحرية عن آرائه واختياراته الشخصية، وأن يضطلع بدور إيجابي في الحياة العامة دون الإضرار بالوطن ومصالح الآخرين.ولا يستقيم البناء الديمقراطي لأي دولة دون تجلي روح (المواطنة) في علاقات كل فرد (مواطن أو مواطنة) بمؤسسات الدولة التي يعد الهدف الأساسي من وجودها هو خدمة (المواطنين) وتوفير ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والجماعية، من أمن واطمئنان واستقرار، والسهر على تنظيم شؤونهم العامة انطلاقاً من خياراتهم، ووفق رغباتهم وحاجاتهم، وفي المقابل يرتبط الأفراد (المواطنون) بالولاء الكامل ل(الوطن) الذي لا يعني مجرد حيز جغرافي، وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية، وإنما يشمل في مفهومه الواسع مجموعة من القيم والمبادئ والقضايا التي تعكس الإرادة العامة للمواطنين.
أ ماهية المواطنة:
ولتحديد ماهية مصطلح «المواطنة» نرجع إلى أصل الكلمة فنجد أنها بالنسبة للغة العربية من الكلمات المستحدثة ، ودخلت إليها على الأرجح في إطار ترجمة التراث الغربي الحديث، وهي تقابل كلمة (Citizenship) في اللغة الإنجليزية، وكلمة (Citoyenneté) في اللغة الفرنسية، وكلمة (Ciudadania) في اللغة الإسبانية، ويأتي الاشتقاق من كلمة (City) الإنجليزية، و(Cité) الفرنسية، و (Cuidad) الإسبانية، وتعني هذه الكلمات في اللغات المذكورة (المدينة)؛ أما أصل مصطلح «المواطنة» فهو يوناني، ويرجع لكلمة (Politeia) المشتقة من كلمة (Polis) وهي (المدينة).
وقد اشتقت كلمة المواطنة في اللغة العربية كما هو واضح من الوطن، وجاء في كتاب لسان العرب لابن منظور أن » الوطن : المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان، ومحله، والجمع أوطان وتترجم كلمة المواطنة في بعض المعاجم العربية، بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن، وكلمة المواطن وفق المفهوم الغربي الذي اشتق منه، هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة، ويقيم فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية، ويحدد الدستور والقوانين العلاقات بين المواطن والدولة وتشمل الحقوق والحريات والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، وواجباته ومسؤولياته والتزاماته تجاه وطنه، وبالتالي يمكن القول بأن المواطنة تعني الروابط القانونية والسياسية التي تجمع الفرد المواطن بوطنه.
وقد وجد عدد من الكتاب في كلمتي المواطن والمواطنة ضالتهم لنقد كلمات موجودة في التراث العربي ولا تستقيم مع المفاهيم الديمقراطية الحديثة، وكمثال على ذلك كتاب خالد محمد خالد (مواطنون لا رعايا) وكتاب فهمي هويدي (مواطنون لا ذميون)؛ وأصبحت الكتابات العربية الحديثة بصفة عامة تستعمل (المواطنة) كمصطلح يفيد المشاركة والمسؤولية والمساواة والكرامة في مجتمع ديمقراطي.
وجاء في معجم المجلس الأوروبي حول (مصطلحات التربية على المواطنة الديمقراطية) المنجز من طرف (Karen O'shea) «أن المواطن بصفة عامة يطلق على شخص يعيش مع أشخاص آخرين في مجتمع معين» ولا تفرق بعض المراجع الغربية بين المواطنة والجنسية، وتعرف موسوعة كولير الأمريكية المواطنة (Citizenship) بأنها “أكثر أشكال العضوية اكتمالاً في جماعة سياسية” وتعرفها دائرة المعارف البريطانية بأنها علاقة بين فرد ودولة، يحددها قانون هذه الأخيرة، وما تشمله تلك العلاقة من واجبات وحقوق في ذات الدولة.. وتخول للمواطن على وجه العموم حقوقاً سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة”، وجاء في موسوعة الكتاب الدولي أن المواطنة (Citizenship) هي عضوية كاملة في دولة، أو في بعض وحدات الحكم، وتخول للمواطنين بعض الحقوق كالتصويت وتولي المناصب العامة، وعليهم واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن بلدهم.
ب تطور مفهوم المواطنة
ومفهوم المواطنة في العصر الحاضر يجد جذوره في الفلسفة اليونانية وفي الممارسة الديمقراطية البدائية في أثينا، ولو أن تلك الممارسة كانت تقصي النساء والعبيد، فقد كانت تنبني على مبدأ تساوي الذكور الأحرار في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، أي التساوي في المشاركة السياسية، الأمر الذي يشكل عنصراً جوهرياً في المفهوم الحديث للمواطنة.
ولا نعثر على كلمة (المواطنة) في التراث العربي الإسلامي، غير أن ما تعبر عنه هذه الكلمة في العصر الحاضر، من قيم الحرية والعدل والمساواة والمشاركة والمسؤولية، تعد من المبادئ التي دعا إليها الإسلام، وإن كانت الممارسة السياسية منذ حكم الأمويين لم تتقيد بالمبادئ الإسلامية الصحيحة، كما أن عدم تطوير نظام الشورى، والصراعات الدموية من أجل الاستفراد بالحكم واحتكار السلطة، وغياب حرية النقد السياسي، وانعدام فرص التقويم العقلاني لأساليب تدبير الشأن العام، كل ذلك أدى إلى إبعاد المجتمعات الإسلامية عن تعاليم الإسلام ومقاصده، وحال دون انخراطها في التطور السياسي الذي عرفته شعوب وأمم أخرى، عرفت كيف تستفيد من الحضارتين الإغريقية والرومانية، ومن المبادئ التي ارتكز عليها الإسلام نفسه.
وإذا كانت أوروبا الغربية قد عرفت مرحلة من السبات العميق خلال القرون الوسطى، حيث سادت أنظمة من الحكم الفردي المطلق، الذي لا يقيم اعتباراً للمواطنة، فإن الفكر السياسي والقانوني في دائرة الحضارة الغربية منذ القرن الثالث عشر، قام بصياغة مبادئ، واستنباط مؤسسات، وإبداع وتطوير آليات جديدة للحكم، أمكن بعد إدخالها حيز التطبيق بكيفية تدريجية، تأسيس وتنمية نظم حكم قومية مقيدة للسلطة، وتم ذلك من خلال حركات الإصلاح التي لم تتحقق أهدافها دائماً بشكل عفوي، أو بخطوات سلسة، وإنما اقترن نضال تلك الحركات بثورات شعبية أتت على نمط الحكم المطلق، الذي يجمع فيه الحاكم الفرد كل السلطات، وتتركز بين يديه كل القرارات، وفتحت المجال لقيام الديمقراطية، التي تجعل الشعب هو مصدر السلطات، والإرادة العامة هي مناط الحكم.
وفي العصر الحديث الذي يتميز بالتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، بدأت تبرز أشكال جديدة للمواطنة، لا تنحصر فيها روابط المواطن بالدولة التي ينتمي إليها، وإنما تتسع هذه الروابط لتشمل مجموعة من الدول التي تجمع بينها مواثيق لتنسيق وتوحيد مواقفها وبرامجها السياسية والاقتصادية والثقافية، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوربي.
ج- المرأة والمواطنة
لعل موضوعاً حساساً كهذا يقتضي منا البحث بالتاريخ القديم وصولاً للحاضر، فدور المرأة بالمجتمع مر بمراحل مختلفة، كل مرحلة لها طبيعتها وتكوينها الخاص الذي كان له أثره على وضع المرأة ومكانتها في المجتمع..
حدثنا التاريخ أن المرأة في العصور الأولى كانت قائدة في مجتمعها ومديرة لشئونه، فهي تقوم بمعظم عملية الإنتاج داخل الأسرة، تنجب وترعى الماشية وتؤمن الطعام وتصنع من الصوف الألبسة والأشعار تلبي كافة حاجات أفراد الأسرة،فكان لها السلطة والنفوذ تسوس وتقود، تختار زوجها وتتزوج بأكثر من رجل.. سميت تلك المرحلة من التاريخ بمرحلة الأمومة.
د- ثورات الربيع العربي وحق مواطنة المرأة
ما كان بالإمكان الحديث قبل سنتين عن مآزق الثورات العربية تصريحاً أو حتى تلميحاً، إذ كانت الجموع تحت وقع الانتشاء فخورة بإنجاز حققته الشعوب العربية حين اختارت إرادة الحياة فقررت إسقاط الأنظمة.
وقد انساق عدد من المثقفين والمبدعين والإعلاميين وراء هذا الخطاب التمجيدي فأشادوا بالقوى الجديدة التي ظهرت على الجانب السياسي الاجتماعي، وبالغوا في الحديث عن خصوصيات الثورات ومميّزاتها ومآثرها وفضائل الثوّار...ولا غرابة في ذلك مادام تأثير غرضي الفخر والمدح في الذات العربيّة شديداً.
أمّا اليوم فالأصوات تتعالى محذّرة من الانزياح، ومنبّهة إلى الانحراف عن المسار الثوريّ، بل إنّ بعضهم اعترف بصعوبة إنجاح مسار الانتقال نحو الديمقراطيّة، في ظلّ سياق اتّسم بالعنف والتأزّم على جميع المستويات: السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة. وبين أفقي الأمل واليأس يتسلّل خطاب يروم التحديق في ما يجري والاقتراب من الواقع المعيش.
عوائق إرساء قيم مواطنية المرأة قانونيّا
تقتضي صياغة دستور جديد للجمهورية اليمنية بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل التفكير في عدّة مسائل تطرح على المجتمع التونسي لأوّل مرّة، وهي قضايا لا يمكن التفكير فيها بنفس الآليات القديمة ولا استلهام حلولها من الدساتير القديمة نذكر في هذا الصدد: تحديد مفهوم المواطنة، وكيفيّة توضيحها بالنظر إلى هجرة فئات من اليمنيين في الخارج؟ وما وضع اليمنيين الذين يحملون جنسيات متعدّدة؟ وما علاقة هؤلاء بالوطن، خاصّة ونحن نعيش اليوم ظاهرة ‘المتحوّلين من ولاء إلى وطن ما إلى ولاء مغاير'؟ وما هي حقوق هؤلاء السياسية والاجتماعية والاقتصادية ...؟ وكيف تتحقّق مواطنيّة المرأة من خلال الدستور والقوانين التي لابدّ أن تخضع للتعديل. بل وقبل ذلك القيام بدراسات ولقاءات لاسيما مع المكونات الخاصة بالمرأة كاتحاد نساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة وجمعيات نسوية عديدة الى آخره.
تحتلّ المواطنة بأبعادها القانونيّة والثقافيّة أهميّة كبرى في الممارسة الديمقراطيّة الحديثة. فكلّما استطاعت الدولة توفير أرضيّة تمكّن كلّ فرد من أداء واجباته والتمتع بحقوقه، نجحت بالفعل في أن تكون دولة المواطنة. ولئن لم تُعر الأنظمة السابقة ضمان حقوق المواطنة للجميع أهميّة فإنّ الذين نزلوا إلى الشوارع عبّروا عن مدى توقهم إلى استبدال الأنظمة الاستبداديّة بأنظمة مدنيّة ترسي منظومة قيمية تُجمع في الحريات والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة. وقد أكّدت أغلب الشرائح الاجتماعيّة الفاعلة في المسار الثوريّ على حرصها على أن تكون الدساتير الجديدة عاكسة لهذه المطالب الإنسانيّة.
ويتّضح أنّه لا يمكن فهم المواطنة العضوية الكاملة إلاّ من خلال شكل انتظام علاقة الفرد بالدولة. وهي علاقة يحدّدها الدستور والقوانين المنبثقة عنه وتتضمّن الإقرار بالمساواة بين جميع المواطنين. بيد أنّ الناظر في مسار صياغة الدستورين المصري والتونسي يلحظ انزياحاً عن هذه المطالب التي أتت بها الثورات، ومؤشرات تنبّه إلى عدول عن تجسيد قيم المواطنة، وهو أحد الآثار لما حدث ويحدث في مصر بعد ال30 من يونيو 2013 وما يحدث اليوم أيضاً في تونس من حراك جديد.
فبالعودة إلى المسودة الأولى والثانية من الدستور التونسي مثلا نتبيّن عسر دخلنة مفهوم المساواة وقد تجلّى ذلك في الفصل 28 من مشروع الدستور الجديد (النسخة الأولى)والذي نصّ على أنّ “الدولة تضمن حماية حقوق المرأة ودعم مكاسبها باعتبارها شريكاً حقيقياً مع الرجل في بناء الوطن ويتكامل دورهما داخل الأسرة، كما تضمن تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في تحمّل مختلف المسؤوليات، كما تضمن الدولة القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة” ولولا الضغط الذي مارسته مجموعة من نشطاء المجتمع المدنيّ على المجلس التأسيسيّ لما أمكن التراجع عن هذه الصياغة التي تثبت رفض الأغلبية النهضاوية، على وجه الخصوص، الإقرار بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، والحال أنّ المساواة تعدّ ضمانة لإرساء سند قانوني ودستوري يمهّد لإلغاء القوانين التي تتضمّن تمييزاً بين المرأة والرجل، ونتمنى أن لا يتكرر ذلك في حالة الدستور اليمني الجديد وأن لا تحاول الأحزاب المتأسلمة سلب المرأة من المكاسب التي تحققت سابقاً لأن المطلوب الحفاظ على ما حققته المرأة وتعزيز مشاركتها السياسية بنصوص أكثر وضوحاً وفعالية.
لقد عاب الخبراء في القانون والناشطون الحقوقيون سعي نوّاب حزب النهضة إلى تحديد علاقة المرأة بالرجل من منطلق الشراكة والتكامل بدل معاملة المرأة التونسية على أساس النديّة فهي ذات إنسانية مثلها مثل الرجل. ولكنّ تعريف المرأة جاء معبّراً عن التفكير الثنائي الضدّي الذي يحرص على تعريف المرأة في مقابل الرجل وليس باعتبارها مواطنة كاملة الحقوق .
ويمكن القول إنّ هذا التنصيص على التكامل بدل المساواة التامة مفهوم باعتبار المرجعيّة الإسلاميّة للحزب من جهة، وخشية أتباعه من أن يؤدي الإقرار بمبدأ المساواة دستورياً بين المرأة والرجل إلى المساواة بينهما في الإرث لاسيما بعد أن ارتفعت الأصوات النسويّة المطالبة بهذا الحقّ قبيل الثورة. ولا يغيبنّ عن الذهن أنّ الطاهر الحدّاد كان سبّاقاً إلى إثارة هذه القضيّة منذ أوائل القرن الماضي حين نادى في مؤلفه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” بالمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى معتبراً أن حكم “للذكر مثل حظ الأنثيين” الوارد في القرآن ليس من ثوابت الأحكام كما أنّه ذهب إلى أنّ القراءة المقاصديّة تسمح باعتبار أنّ هذا الحكم قد ارتبط بسياق خاصّ كانت فيه وضعيّة المرأة هشّة ولكن لا شيء يحمل على الاعتقاد بخلود هذا الوضع الاجتماعي القانوني للمرأة.
والثابت أنّ تقبّل مبدأ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات ونبذ التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العنصر يمثّل موطن حرج بالنسبة إلى حزب النهضة. فلغة صياغة المسوّدة كشفت عن فهم محدّد للمساواة يقرنها بالعلاقات التصادمية القائمة على الصراع بين الجنسين ولذلك كان «التكامل» مخرجاً أو حيلة من الحيل الشرعيّة، ووسيلة للحدّ من جموح نسوة رُمن التمتّع بكامل حقوقهنّ على أساس النديّة، وأردن دسترة حقوقهن من منظور جندريّ /النوع الاجتماعيّ، والاستشهاد بالحالة التونسية هو لأخذ العبرة فقط حيث إن في الحالة اليمنية هناك فرق من ناحية خصوصية المجتمع اليمني وحالة الوفاق السياسي الحاصل من ناحية أخرى وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مفاهيم عديدة في الخطاب السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي ...كالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.. تتداول ولكن دلالات هذه المفاهيم المجرّدة مختلفة وأحياناً متباينة من جماعة إلى أخرى. نذكر على سبيل المثال مفهوم الحرية ومفهوم المساواة ممّا يوضّح أهميّة تحديد المفاهيم في الدستور وبيان التراتيب والضوابط التي تحفّ بها، بالإضافة إلى التفكير في المعايير(المصلحة العامة، المنفعية، الحقّ المشروع، الوظائفية) التي تتم مراعاتها للربط بين المفاهيم المجردة والقيم المثلى والمطلقة والواقع العملي للوصول إلى حدّ من التوافق. وليس يخفى أنّ هذه القضايا تفترض وجود بنية معرفية تعتمد أدوات حديثة تخوّل لصانعي الدستور إنتاج مواد تعكس مطالب اليمنيين واليمنيات العاجلة وتلبي تطلعات الجميع. ومن المعلوم أنّ الذين يصوغون الدستور ينطلقون من مرجعيات أيديولوجية وثقافيّة مختلفة وقد يؤثر مناخ الاستقطاب الايديولوجي الحادّ في خطاب الأطراف وفي أساليب كتابة المقترحات وطرق صياغتها لإرضاء طرف سياسي وفق درجة ضغطه وعلى حساب مواطنية المرأة.
ويمكننا القول إن الجدل حول مواطنية النساء ينّم هنا وهناك عن البنى الذهنيّة السائدة فالذين عارضوا خفوت الاختلافات بين الجنسين في العصر الحديث عملوا على فرض العلامات السيميائية والمحددات الجندرية المرئية كاللحى والحجب، والدعوة إلى تطبيق الشّريعة، في محاولة لإحياء مبدأ القوامة، خاصّة بعد إرباكه من خلال تمدرس النساء وخروجهن إلى العمل وتحملّهن أعباء القوامة الماديّة.
ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ إذ تلتقي الجماعات الإسلاميّة في السعي إلى تغيير أدوار النساء و«هندسة الفضاء» وفق تصوّر تقليديّ دينيّ يعلي من شأن الأمومة، ويوكل للذّكور مهمّة الإنتاج وتحصيل الأرزاق.
وهذه التصوّرات تتعارض مع مطالب برزت مع الحراك الثّوريّ. فقد أراد «الثوّار» أنّ يرسوا ثقافة تسمح بولادة مواطن/ة جديد ومختلف ولكنّ المسار الانتقالي انزلق فبدل الاختلاف حلّت مطالب تروم التّطابق مع أنموذج قديم مهترئ، والتماهي مع تمثلات مفترضة حول السلف والأمّة. وهكذا اصطدمت المطالب الثورية بإكراهات الواقع وحسابات المصالح الحزبيّة.
ويبدو التركيز على إعادة تشكيل المرأة عبر الإعلاء من شأن الأمومة مفهوماً باعتبار أنّ الأمّ هي المكلّفة ب«صناعة الرجال» وهي بمثابة محضن ورحم الأمّة تضمن استمرارها وتجعلها عابرة للعصور، وتسمح بإعادة إنتاج تشابه الآباء بالأبناء فيركنون إلى الراحة.
إنّه الصراع بين الأزمان :الماضي والحاضر والمستقبل، وبين النماذج : الإسلامويّة والحداثيّة، وبين الثقافات، وبين الهويّات، وبين الأنا والآخر، وبين أساليب الهيمنة على الجماهير...يحسمه البعض باسترجاع آليتي التلفيق والتوفيق، ويديره البعض الآخر بمنطق القهر والانتهازيّة القائم على تبنّي الموقفين معاً كي لا يتحقّق أيّ شيء منهما، واتّباع أسلوب المناورة وتقدير حسابات الداخل والخارج. وبين هؤلاء وهؤلاء تبرز فئة تولي من شأن الحراك الديناميكيّ الذي يقوم على الفعل والمقاومة والضغط وابتداع استراتيجيات جديدة.
لقد عرّت الثورات العربيّة وفضحت وكشفت النقاب عن أزماتنا وعللنا، ولعلّ أهمّها أزمة الفكر العربيّ وأزمة الوضع الثقافيّ، وعجز النخب عن مواجهة التحديّات. فبأي آليات نواجه جهلاً يتعزز يوماً بعد آخر عبر خطابات دينيّة قروسطية عابرة للحدود بفعل العولمة، ترسّخ عبوديّة جديدة وتبعيّة كليّة لأشباه دعاة يعيدون إنتاج ركائز التسلّط والاستلاب والاستبداد باسم الدين، يوفّرون للذوات المعطوبة والمسحوقة ما يخوّل لها الخروج من الإحساس بالدونيّة والنقص والذلّ والخصاء، وهي مشاعر لا تزال تسيطر على ضحايا الأنظمة القمعيّة.
تعتبر المشاركة السياسية من أحد آليات الفعل السياسي الناتج من النشاط البشري كونه حقاً وطنياً ولذا فيعتبر هذا الفعل مقياس لتقدم المجتمعات أو تأخرها فكل المجتمعات المعاصرة تأخذ هذا المنحى باعتباره أحد آليات الفعل الاجتماعي داخل المجتمع فهو يشكل دوراً إنسانياً اجتماعياً بدرجة أولى, وعلى هذا الأساس (فإن ثمة مواطناً ينبغي أن يشارك بصورة فاعلة في شئون السياسة). من هذا المنطلق يعتبر دور المرأة له أهمية في هذه العملية المتمثلة بالمشاركة السياسية باعتبارها تشكل نصف المجتمع, كما أنها في المجتمع اليمني تشغل نصف السكان, الجدير بالذكر أن الدستور اليمني قد أعطى الحق في المساواة في كافة الحقوق والواجبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأيضاً السياسية فالقانون قد كفلها لكلا الجنسين باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من المجتمع, بناء على ذلك وجدت أدوار فاعلة في تشجيع ولولوج المرأة اليمنية في مراكز قيادية حساسة بالنسبة لمواقع صنع القرار السياسي, بيد أنه توجد ضآلة نسبية ترجع في أغلبها إلى إعاقة هذا الفعل نتيجة لما يفرضه الواقع الاجتماعي والذي يشكل العائق الجوهري بمشاركة المرأة اليمنية في الحياة السياسية.
ويمكن القول إنه مهما قامت مؤسسات الدولة بتشجيع ودعم المرأة للترشيح والانتخاب السياسي إلا أن الانعكاس الذي تشغله منظومة العادات والتقاليد بالإضافة إلى انتشار الأمية لدى قاعدة كبيرة في أواسط النساء يؤدي إلى إعاقة هذه العملية أو الحد منها.
تعد المشاركة السياسية حقاً إنسانياً ووطنياً وتشريعياً تشكل شخصية المواطن داخل المجتمع بالدرجة الأولى، وتشكل المرأة اليمنية نصف تعداد السكان في المجتمع اليمني لذا لابد من إشراكها في العملية السياسية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من البناء الاجتماعي في اليمن، كما أن وجود المرأة اليمنية في مواقع صنع القرار يعمل على توضيح متطلبات واهتمامات النساء داخل المجتمع اليمني, وذلك من خلال إشراك المرأة لمعرفة الحقوق التي قد لا يعرفها الرجل وتوضحها المرأة من خلال مشاركتها في مواقع صنع القرار.
ولتوضيح ذلك لابد لنا من:
1 - التعرف على مرونة النص القانوني في ما يتعلق بمساهمة المرأة اليمنية في المشاركة السياسية.
2 - التعرف على الآليات التي يمكن من خلالها أن توجد نشاطاً واسعاً لمشاركة المرأة في المعترك السياسي للدفاع عن حقوق المرأة في كافة المجالات.
3 - التعرف على المعوقات التي تواجه المرأة في تدني التحاقها بالمشاركة السياسية.
4 - التعرف على نوعية المراكز القيادية التي تشغلها المرأة في المجتمع اليمني والتي تبين نوعية التغيير الحاصل في المجتمع اليمني وبالذات فيما يتعلق بمشاركة المرأة في الحياة السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.