قدم الشهيد "الرعيني" ليست من هذا الزمن المثخن بالنسيان والنكران لشلالات دم اندفعت منها صائغة رسالة وطنية خالدة، هذه قدم صنعت الحياة وكتبت التاريخ ، وكنست بشاعة عصابة مهزومة لا تجيد سوى صناعة الموت والموت وحده . في ال22 من ديسمبر اتجه فتيان تعز الحالمون نحو صنعاء ليخطوا بأقدامهم مشروع المستقبل والعنفوان والكبرياء لشعب أرهقه الموت وشبع الظلام. من قال أن الشعوب تهزم من بارود الطغاة ، من قال ان طواحين الموت يمكنها أن توقف شلالات الضوء وميلاد الصباحات المنيرة وأغنيات الحلم الكبير، من قال ان الحياة تأتي للقابعين في مركز الذل المدنس. كنت أتابع احدهم وهو ينشر صور استعدادات ثورته الثانية، كان يدرك أن رحلته هذه ليست للنزهة الى "جبل صبر" أو "دريم لاند" وإنما لمواجهة ترسانة دموية تتمثل في أوكار علي عبدالله صالح وشبيحته، لا أدري ماذا أختار من عبارة ليودع بها أمه وهو يغادر من أجل أم رؤوم يغني لها مع السهوب والجبال "وهبناك الدم الغالي ..وهل يغلى عليك دم". طارت مسيرة الحياة خمسة أيام بجذوة وانتشاء على شفرات الموت البارد ، تمزقت الأقدام ، وانهكت الأجساد النحيلة ، لكن هدفها الأسمى لم يصيبه الوهن ، لتقطع مسافة 250 كم يقطعها الراكب ويصل بعدها مثخناً بالتعب والإرهاق. كان جلاوزة الموت الملثمين في "دار سلم" ينتظرون ملائكة التغيير ليصبوا الرصاص اللعين على أعناقهم بكل وحشية وإجرام ،13 شهيداً وعشرات الجرحى ارتقوا الى السماء وهم يبحثون عن وطن يستحق الحياة، مشهد مرعب ،لا يمكن لي أن أنساه ، شباب عزل أقدامهم مفطرة تصب الرصاص فوق اعناقهم ، فتندفع الدماء كشلالات ضوء ،وتسد كل المنافذ من قبل عتاولة الإجرام ومصاصي الدماء لمنع إسعاف المصابين. تساءل المؤتمري المعروف خالد الرويشان مفجوعا من هول المشهد" ما كان ضرَّ الدويلة العجيبة أن تستقبل الشباب المضيء بالحلم والجوع والوجع بالورود والغذاء وهو يهتف طوال خمسة أيام بلياليها الباردة "يمنٌ واحد"؟ في ذكرى انطلاق المسيرة الأولى يحضر شهداؤها بعمق والم في وجداننا في ذاكرتنا في تفاصيل تفكيرنا ، من قال ان العظماء يغيبون ، من قال أن قدم الرعيني "ستغيب عن ذاكرتي" ، تلك قدم صنعت مجداً تليداً ودشنت مرحلة جديدة من تاريخ اليمنيين". رحمة الله على شهداء الحياة وشهداء الثورة والكرامة فهم قناديل الفجر الذين يحيون في قلوبنا ويوقدون مشاعل التغيير.