تطورٌ جديدٌ يحدث في سوريا، رصدته المعارضة السورية والاستخبارات الإسرائيلية في تقارير نشرتها صحف ومحللون إسرائيليون مثل "عاموس هرئيل" المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يتلخص في تجنيد إيران وحزب الله قواتهما في سوريا من أجل السعي لاستعادة الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في الجولان السورية، وإعادته لحكومة الرئيس بشار الأسد. ويتزامن هذا الهجوم مع قول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس الاثنين في حفل استقبال لرئيس هيئة الأركان العامة المنتهية ولايته الجنرال بني غانتس، إن "إيران تحاول أن تطوّق إسرائيل من عدة جهات". ويشارك في هذا الهجوم في جنوب سورية آلاف الجنود من قوات بشار، فيما يقوم مقاتلو حزب الله بدور أساسي كما فعلوا في السنتين الأخيرتين في المعارك التي دارت في منطقتيْ القصير والقلمون المحاذيتين للحدود السورية اللبنانية. وبحسب تقارير محلية ودولية، استطاعَ الهجوم المشترك لنظام الأسد وحزب الله ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني في جنوب سورية تحقيق نجاحات أولى، بعد أن نجحت قوات النظام في استعادة السيطرة على عدد من القرى والبلدات التي وقعت تحت سيطرة الثوار، وإعادة منطقة الحدود لسلطة بشار لدعم سيطرة نظامه وعودة خط المواجهة بينه وبين إسرائيل لوضعها الطبيعي السابق. المنطقة التي شملها الهجوم المشترك تشمل بين بلدة درعا والجزء الجنوبي من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، والهجوم كشفَ محاولة بشار الأسد طرد الثوار من المناطق التي سيطروا عليها خلال النصف الثاني من عام 2014، وتخوُّفه من أن يخدم تقدم تنظيمات المعارضة السورية في هذه المنطقة، إسرائيل، فضلًا عن أنه يأتي في سياق محاولة الأسد استعادة المناطق التي فقدها بعدما أصبحت واشنطن تقبل بوجوده بسوريا في أي مصالحة مقبلة، ومبعوث الأممالمتحدة يعتبر الأسد جزءًا من حل المشكلة. وتقول المصادر السورية إن الهدف الأساس للهجوم واسع النطاق لقوات الأسد وحزب الله الذي بدأ في جنوب سورية هو حماية العاصمة دمشق من جهتي الغرب والجنوب بعد ازدياد حدة الهجمات من هذه الجبهة، بسبب الدعم العلني الذي تقدمه لتنظيمات الثوار. ففي الأسابيع الأخيرة، أطلقت تنظيمات الثوار عدة مرات صواريخ وقذائف من الجنوب في اتجاه دمشق، ويبدو أنّ الهدف من هجوم النظام الآن استغلال واقع أن الدولة الإسلامية (داعش)، التي تعتبر أقوى تنظيمات الثوار، والتي يُعتبر وجودها في جنوب سورية محدودًا هي اليوم في وضع دفاعي من جراء العمليات الجوية الواسعة النطاق التي يقوم بها التحالف الدولي في سورية والعراق. وكان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قد صرح قبل أسبوعين بأن سورية لن تسمح بإقامة منطقة أمنية تابعة لإسرائيل بالقرب من الحدود بين الدولتين يسيطر عليها الثوار، فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون في أكتوبر الماضي في مقابلة أجرتها معه "هآرتس"، إن "لدى إسرائيل تفاهمات مع الأطراف المعتدلة في تنظيمات الثوار تقضي بالمحافظة على الهدوء في منطقة الحدود وإبعاد التنظيمات المتشددة عنها مثل جبهة النصرة المتعاطفة مع القاعدة". وزعم "يعلون" حينئذ أن هؤلاء المعارضين الذين يسيطرون على الجولان يقومون بذلك "لقاء مساعدة إنسانية إسرائيلية تشمل المعالجة في المستشفيات وتقديم أغطية في الشتاء وغذاء للأطفال ولسكان القرى القريبة من الحدود". وتحاول إسرائيل الادعاء أن المعارضين الذين يسيطرون على الجولان ويتعاونون معها هم من التنظيمات الإسلامية، كما يدعي النظام السوري وحزب الله أن العلاقات بين إسرائيل وتنظيمات المعارضة عميقة للغاية، وأن إسرائيل وقفت عمليًا إلى جانب "جبهة النصرة" الإسلامية من أجل المساعدة في إسقاط الأسد. فيما تقول جبهة النصرة إنها لا تتعامل مع إسرائيل، وإن الفصائل الموجودة في الجولان عديدة لا جبهة النصرة فقط، وإن من تعالجهم إسرائيل في مستشفياتها هم من أهالي الجولان الذين يذهبون لمستشفياتها القريبة طواعية في ظل غياب الاستشفاء في الجانب السوري. ومنذ حادثة اغتيال إسرائيل 12 من كبار قادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في يناير الماضي، اضطرّ حزب الله وإيران للاعتراف رسميًا بوجودهما في الجانب السوري من الجولان، وسعيهما لمساعدة الأسد تارة بحجة أن الهدف هو منع المعارضة السورية السنية من استهداف حزب الله، وتارة بحجة منع التنظيمات التي تدعمها إسرائيل من إسقاط الأسد. وصدت تصريحات يفسر فيها مسؤولو حزب الله وإيران نشاطهما في الجولان بأنه يستهدف أمرين: مساعدة الأسد في إبعاد الثوار عن الحدود، ووضع إسرائيل أمام تحدّ من خلال فتح جبهة "مقاومة" إضافية على الحدود السورية ردًا على الهجمات داخل أراضي سورية ولبنان التي ينسبانها والنظام السوري إلى إسرائيل. تقدم بطيء رغم انشغال داعش وتشير تقارير إسرائيلية، إلى بطء تقدم قوات الأسد وحزب الله في موجهة المعارضة في جنوبسوريا وأن قوات الأسد تواجه صعوبات في هذه المرحلة، بسبب طول الحرب (4 سنوات) ونقص الحافز النفسي، وكذا الخسائر الكبيرة في جيش سوريا الذي يعاني من نقص في المعدات والعتاد والجنود، وتشير لأنه رغم اكتساب حزب الله خبرة عسكرية كبيرة خلال سنوات قتاله في سورية، فهو خسر مئات المقاتلين في المعارك ومن المحتمل أن يؤثر ذلك على أداء قواته على الأرض مستقبلًا وعلى حربه المقبلة مع إسرائيل. ومع هذا، تحدثت تقارير في وسائل الإعلام السورية عن أن جيش الأسد نجح في استعادة سيطرته على بضع بلدات وقرى في المنطقة الواقعة بين درعا وبلدة القنيطرة في الجولان. كما جرت السيطرة من جديد على بلدة خربة غزالة بالقرب من درعا للمرة الأولى منذ أيار/ مايو 2013. ويقول خبراء عسكريون إنّ المرحلة الأساسية من الهجوم السوري الإيراني لم تبدأ بعدُ، وأن هذه المرحلة ستشمل استخدام الجيش السوري قوات أكبر، ومروحيات وطائرات ما يتوقع معه سقوط المزيد من الضحايا. ومع هذا، تؤكد تل أبيب أن الجيش السوريّ وحزب الله يُحققان الانتصارات في الجولان، ويعتبران أن هذه "بشائر سيئة"، وأن نتائج المعركة ستكون لها تداعيات استراتيجيّة وتوجّس شديد من مواجهة مع حزب الله. إذ تؤكد إسرائيل أن مقاتلي حزب الله باتوا أقرب من أي وقت مضى قريبين من الحدود مع إسرائيل في الجولان، وهذا يشكل مصدر خطر لهم؛ ولهذا تصاعدت أصوات داخل إسرائيل، تطالب بالعودة إلى التمسك بمعاهدة فض الاشتباك التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل وسورية في عام 1974 بعد حرب 1973، والقاضية بنشر قوات تابعة للأمم المتحدة (أوندوف) في المكان، والذين كانوا قد انسحبوا تقريبًا من قواعدهم إثر سيطرة جبهة النصرة وحليفاتها من المعارضة السورية على أجزاء من الجولان المُحرر، بحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت). حيث قال مراسل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، يوسي يهوشواع، إن أعين قادة الجيش الإسرائيلي تُراقب على مدار الساعة ما يجري في الجزء المحرر من الجولان. ونقل عن مصادر عسكرية رفيعة في الجيش الإسرائيلي قولها إنّ الأخبار الواردة من هناك لا تُبشر بالخير لإسرائيل، كما قالت المصادر، التي أعربت عن قلقها الشديد من الانتصارات التي حققها ويُحققها عناصر حزب الله اللبناني في المعارك ضد المعارضة السورية قرب الجولان. وسر القلق الإسرائيلي الأكبر هو من قيام حزب الله بتنفيذ سلسلة عمليات فدائية كبيرة ضد إسرائيل في الجولان، مستفيدًا من حالة الفوضى في سوريا، وفي الذكرى السنوية لاغتيال قائده العسكري، عماد مغنيّة في العاصمة السورية، دمشق، على يد الموساد. ولهذا قال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي بيني غانتس: "بالنسبة لإسرائيل، فإن الاختيار بين سيطرة إيران وسورية وحزب الله على الجولان المُحرر أو سيطرة المعارضة المسلحة عليه، هما إمكانيتان سيئتان لإسرائيل"، على حدّ تعبيره. خلاصة الأمر؛ أن نتائج المعارك الضارية التي تجري في الجزء المُحرر من الجولان ستكون لها تداعيات استراتيجية بعيدة المدى على إسرائيل؛ لأنه -وفقًا للتقارير الإسرائيلية- باتت عناصر حزب الله تهيمن على قيادة الجيش السوري، وهم الذين يقومون بقيادة المعارك، علاوةً على تواجد عشرات المستشارين العسكريين من الحرس الثوريّ الإيراني في مناطق المعارك؛ وهو ما يعني أن تل أبيب تتوقع لو انتهت المعارك لصالح قوات الأسد وحزب الله وإيران، أن تتحول منطقة الحدود الإسرائيلية مع سوريا إلى نقطة اشتعال جديدة بجانب منطقة الحدود مع جنوبلبنان. إذ إن وجود حزب الله على الحدود مع إسرائيل في الجولان سيُعنى تغيير المعادلات وتسخين هذه الجبهة على غرار الجبهة اللبنانية.