فراق مصحوب بحلم العودة .. حالة مئات الآلاف من السوريين المغلوبين على أمرهم في الداخل، المطلوبين أمنيا وغير المطلوبين أيضا، عززها استمرار الحرب والدمار وغياب الرؤية للمستقبل ومن ثم أصبح الخروج حلما كما عليه حال الشاب شيروان. أزمة سوريا تزيد طلبات اللجوء بالعالم
تجاوزت رحلة الشاب السوري الكردي شيروان من عفرين بريف حلب إلى العاصمة دمشق للحصول على جواز السفر توقعاته، فاضطر مرغما أن يدفع رشى للحواجز العسكرية المنتشرة على الطريق الدولية تجاوزت 20 ألف ليرة (90 دولارا) بواقع ألف ليرة لكل حاجز تفتيش يطلب منه إبراز بطاقة الهوية، علما بأن كلفة الرحلة قبل الأزمة لم تكن تتجاوز 300 ليرة. يقول شيروان (25 عاما) للجزيرة نت في معرض تعليقه على جموع المراجعين لدائرة الهجرة والجوازات بالبرامكة "كانوا قرابة الألف أو أكثر من الناس المتجمهرين حول المركز ومكاتب الخدمات القريبة"، في إشارة منه إلى مكاتب السمسرة التي تسعى للتكسب من المضطرين إلى أذونات سفر عاجلة لقاء مبالغ مالية. ويضيف الشاب الذي يقيم مؤقتا في منزل أحد أقاربه بدمشق "فضلت أن أنتظر جواز سفري خلال يومين على أن أدفع 70 ألفا مقابل الحصول عليه خلال ساعات، فالمال الذي أدخره يكفي بالكاد تذكرة السفر عبر بيروت ورشى أخرى سيضطر حتما إلى دفعها بعد أن باتت من المسلمات". وبسؤاله عن دوافعه لمغادرة سوريا طالما أنه غير ملاحق قال "لا أظن أنني أستطيع الاستمرار أكثر تحت ضغط الظروف الاقتصادية وانعدام فرص العمل، أن تكون موظف دولة معناه أن تتحول إلى شبيح بطريقة أو بأخرى، حتى المهن الخاصة المتوفرة ما هي إلا امتداد لذراع الحكومة في مناطق سيطرتها". ويعتقد شيروان -الذي تملص من أداء الخدمة العسكرية بحجة المنحة الدراسية- أن الموالين للنظام "هم أكثر الأطراف المستفيدة من الأوضاع المتأزمة، ولا سيما الأشخاص الذين التحقوا بالمليشيات التابعة للنظام كجمعية البستان وكتائب البعث وجيش الوفاء". وأضاف أن أحد أقاربه المقيمين بحي المزة "التحق بإحدى الجمعيات التابعة لرامي مخلوف المنوط بها حراسة أبواب كليات جامعة دمشق والمدينة الجامعية مقابل 50 ألف ليرة في الشهر، فضلا عن امتيازات منها السماح له بإدارة كشك خدمات في حديقة الشعلان بدمشق يؤمن له حصة مالية كبيرة".
جانب من سجل الفيشة العام الذي كشف عنه أواخر 2012 ويشمل 100 ألف سوري ملاحق (الجزيرة) رهن منزله ويقدر شيروان تكاليف إجراءات السفر والحجز بثلاثة آلاف دولار استطاع تأمينها عن طريق رهن منزل أسرته، ذهب نصف المبلغ لتأمين جواز السفر والإجراءات المرافقة، ويعلل ارتفاع التكاليف ب"تفشي الفساد العلني في أغلب قطاعات الدولة والمؤسسات الخاصة المتواطئة مع النظام". وفقا لشهادات موظفين في القطاع الحكومي بسوريا، تدفع ملايين الليرات يوميا في دائرة الهجرة والجوازات معظمها رشى مالية مباشرة مقابل تسهيل إجراءات تصريحات السفر وأختام "اللامانع" والإعفاءات من الخدمة العسكرية التي تعتبر إجراءات شائكة خصوصا للمتحدرين من مناطق ثائرة أو ذات غالبية سنية. وتشير أغلب الروايات إلى تفرد دوائر أمن الدولة والأمن العسكري بالحصة الكبرى من رشى تصاريح السفر، تليها شعبة التجنيد، فوزارة الداخلية، فالموظفون في دائرة الهجرة، وتعتبر "الفيشة" من أهم الإجراءات الحاسمة التي يقدر على أساسها كلفة جواز السفر التي لا تقل عن خمسين ألف ليرة. يصف شيروان عملية "التفييش" بكثير من التهكم قائلا " لكل سوري سجل أمني عام يشمل بياناته ووضعه الأمني والقانوني، ناهيك عن سجلات تفييش خاصة بكل مؤسسة أمنية، فهناك التفييش العام وتفييش الترصد وفيشة الحواجز، ويكلف التأكد من سجلك الأمني لا أقل من عشرة آلاف لكل فيشة، ويمكن لأي عنصر أمن أن يؤدي لك خدمة تفييش مجانية حين تقف للتفتيش على أحد الحواجز". وفي اتصالٍ هاتفي مع الجزيرة نت قال شيروان بعد مغادرته الأراضي السورية باتجاه تركيا عن طريق لبنان "ما زلتُ في بيروت، سنلتقي معا في سوريا الجديدة، حينها ستزول الحواجز ولن نضطر لدفع رشى لتحصيل حقوقنا". أنصر الثورة - الجزيرة