فليكن حل القضية الجنوبية ومشكل صعده وغيرها مدخلا لبناء دولتنا المدنية الموحدة والمتنوعة الثورة الشبابية الشعبية السلمية مثلت منعطفا تاريخيا مهما في مراجعة قضايانا ومشاكلنا الوطنية المؤجلة لقرون هروبا من وضعها على المحك وحلها تاريخيا بما يظمن إستمرار الشراكة في الوطن وفي صنع مستقبله وإستغلال خيراته على اساس التكافؤ والعداله في توزيع الثروة ومزاولة الحكم. عدم الثقة وشراسة الصراع السياسي بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية التي قاومت قيام الدولة المعاصرة وفرضت نموذج ما قبل الدولة قد أفضى إلى ضعف الشعور الوحدوي بل وتلاشيه تماما عند بعض القوى مما قد يؤدي إلى إنهيار الدولة الموحدة وقيام دويلات شطرية أو جهوية على أنقاض المشروع الوطني الوحدوي الذي حلم به كل اليمنيون في الماضي ولا يزالون يحلمون به اليوم. ومن أجل إنقاذ الحلم الوطني من الإنهيار لا بد من تناول أهم المشاكل الساخنة في عموم الساحة بشفافية تامة وبقدرا عال من المصارحة والمكاشفة وعدم الإستقوى أو الإستغباء لأي من أطراف العملية السياسية مهما كان المشروع الذي يحمله والعمل على الوصول إلى صيغة وطنية شاملة تنقذ الوطن والشعب من التشرذم وتفتح افاق المستقبل في قيام الدولة المدنية الحديثة التي تشبع رغبات وتظمن مصالح الغالبية من أطراف العملية الساسية الوطنية وطبقات الشعب وفئاته الإجتماعية الممثلة فيها. ولعل الأهم من القضايا الوطنية الساخنة والتي تحتل أولوية في حوارنا الوطني القادم هي القضية الجنوبية ومشكل صعده ومطالب إقليم تهامة والإقليم الأوسط (كما بداء يطرح في الوقت الراهن). ومن أجل الحفاظ على اليمن موحدا ومتنوعا يجب أن تراعى خصوصيات كل إقليم وجعل تلك الخصوصيات مصدر قوة وتوحد لا ضعف وتمزق وتسخيرها لخدمة الإنسان اليمني وعزته وعيشه الكريم لا لإذلاله وتكدير عيشه. 2. إقليم تهامه: في هذه الرؤية المتواضعة عن إقليم تهامه سأحاول تسليط الأضواء على بعض ما أعرفه عن الإقليم ومميزاته وليسة تغطية شاملة لهذه المميزات التي لا يعرفها بالدقة إلا أهل تهامة أنفسهم, ولذلك أرجو منهم ومن القراء الكرام المعذرة سلفا عن أي هفوات أو شح في المعلومة قد تصاحب إجتهادي هذا المتواضع, فهذا الإجتهاد ليس إلا مدخلا لفتح باب النقاش حول وضع إقليم تهامة في إطار اليمن الجديد كما نتصوره كأحد منجزات الثورة الشبابية الشعبية "المدنية". تهامة هي الإقليم الغربي الساحلي لليمن ومنحدراته الجبلية الذي يمتد من الحدود السعودية شمالا إلى باب المندب جنوبا, وإقليم تهامه غني بثرواته المختلفه لعل من أهمها توفر المياه بكميات كبيره بحكم موفعه كمسقط للأودية اليمنية الشهيرة مثل وادي زبيد ووادي سردود ووادي مور ووادي زبيد وغيرها من الأودية التي تنقل السيول القادمة من الهضبة اليمنية التي تسقط عليها الأمطار شبه الإستوائية وبكميات لا باس بها. وهذا عامل مهم يعطي تهاهمة ليس فقط أهمية زراعية بل أهمية حيوية للتجمعات السكانية الكبيرة التي ستهجر منطقة الجبال مستقبلا بسبب نضوب مياه الشرب فيها حسب ما يؤكده الخبراء المعنيون وتتجه للعيش في سهول تهامة.أما الزراعة في تهامة فمن المعروف عنها بأنها تحوي مساحات زراعية شاسعة غاية في الخصوبة تنتج القطن والمانجو والحبحب والموز والطماطم والمكسرات والأعلاف وغبرها من المزروعات التي تسد الإستهلاك المحلي وتفيض للتصدير إلى البلدان المجاورة. تهامة وبساحلها الممتد على البحر الأحمر وبجزرها فيه تحوي ثروة بحرية نادرة كا لأسماك المميزة التي تعيش في شعبها المرجانية وغيرها من الصدف البحرية المستخدمة في اغراض متعددة. وعلى سواحل تهامة تقع موانئ مهمه كا لحديدة والمخاء واللحية والخوخة وغيرها من مرافئ الصيد الصغيرة ومحطات كهروحرارية لتوليد الطاقة ومنتجعات سياحية رائعة على مدار العام. وتهامة أيضا واعدة بالثروات المعدنية كا النفط والغاز كما تشير بعض التوقعات. وفي تهامة مخزون حضاري وثقافي كبير مغيب بشكل شبه تام ومهمل إلى حد يثير الحزن والغبن في آن واحد. في مدينة "زبيد" أنشأة أول جامعة في العالم الإسلامي وعرفت هذه المدينة التأريخية بمدينة "العلماء", وهي مصنفة بحسب الأممالمتحدة (اليونسكو) أحدى مدن التراث الحضاري الإنساني. لكن مدينة "زبيد" معرضة لإهمال غير مسبوق وبدد الفساد الكثير من الأموال التي رصدتها منظمة اليونسكو لإحياء تراثها حتى كادة هذه المنظمة (وهي قد هددة بالفعل) أن ترفع وصايتها عليها وتخرجها من التصنيف الدولي لها " كتراث إنساني" وما يترتب على ذلك من قطع للأموال المرصودة لإحياء التراث فيها والحفاظ على ما تبقى منه. تهامة أيضا سكانها متشابهون في عاداتهم وتقاليدهم وفي لهجاتهم وسلوكهم وفي مناخ منطقتهم الحار وتضاريسها المنبسطة , فهم مسالمون يحترمون النظام و القانون وعاملون بقتاتون على ما ينتجونه ويتمتعون بكثير من المهارات في الصيد والملاحة والزراعة والصناعة الحرفية والخزفية وغيرها. إلا أن أبناء تهامه دائما يشكون الإهمال اللا محدود وإستنزاف ثرواتهم دون توجيه جزء منها عادل لتنميتها. الأراضي الزراعية الشاسعة تم الإستيلاء عليها من قبل المتنفذين القادمين من الجبال دون ان تعود علي أهلها بأي مردود مجزي ,و كنتاج للمركزية الشديدة التي تمارس في كل البلاد لا يوجد هناك نظام ضريبي عادل يحصل بموجبه سكان تهامة على نسبة كافية من الضرائب على العقارات و المنتجات الزراعية والصناعية والموانئ من أجل تحسين ظروف السكان المعيشية والتنمية الشاملة للإقليم. في إقليم تهامة لا تسود فقط علاقات إإقطاعية قاسية بل هناك لا زالت بعض مظاهر العبودية وعلى مرأى ومسمع من الأجهزة الحكومية , بل إن النظام المتهالك شجع على إستمرارية وتعميق هذا النوع من العلاقات الإستبدادية. شجع المستبدين المحليين والوافدين المتنفذين على أهدار عائدات وتراث الإقليم دون وازع ظمير أو متابعة قانونية. هناك من المتنفذين من يمتلك الأراضي الزراعية الشاسعة والتي تم الإستيلاء عليها بأثمان بخسة أو بالقوة غزيرة الإنتاج الذي يصدر إلى الخارج والداخل بدون تحصيل ضريبي عادل لصالح الإقليم وخاصة أن المتنفذين غير ملتزمين بدفعها كما أعتادوا. تهامة فيها أكبر المحطات الكهروحرارية ولكن معظم أريافها تعيش في ظلام دامس. أول الطرق المعبدة في اليمنوجدة في تهامه ولكن نسبتها اليوم فيها هي الأقل في الجمهورية. البنية التحتية في تهامه هي الأسواء في الوقت الذي يجب أن تكون هي الأفضل كون الإقليم منتج لكثير من الخيرات التي يحتاجها الوطن بأكمله. بعض ما ذكر هنى يعطي إنطباع أولي بأن إقليم تهامه له مميزات طبيعية وإجتماعية وإقتصادية وإحتياجات خاصة به تجعله مميزا إلى حدا ما عن بقية مناطق الجمهورية , وقد تتم عملية تفعيلها وإيجاد الحلول لها عن طريق إعطاء الإقليم صلاحيات ذاتية في إدارة شؤونه وجعله نموذجا إيجابيا لبقية الأقاليم في المواطنة والتنمية. سكان تهامة هم الأكثر تفهما ٌ لإحتياجات إقليمهم ظمن إطار اليمن الواحد المتنوع والمتكامل وعندهم من الكفائة والإخلاص وحب العمل والتواضع ما يمكن إعتبارها عوامل ضرورية لقيام إدارة مدنية ناجحة. "يتبع"