شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    آخر مكالمة فيديو بين الشيخين صادق الأحمر وعبد المجيد الزنداني .. شاهد ماذا قال الأول للأخير؟    الوية العمالقة تصدر تحذيرا هاما    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    صراعٌ جديدٌ يُهدد عدن: "الانتقالي" يُهاجم حكومة بن مبارك ويُطالب ب "محاسبة المتورطين" في "الفشل الذريع"    "صيف ساخن بلا كهرباء: حريق في محول كريتر يُغرق المنطقة في الظلام!"    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    الشعيبي: حضرموت تستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة لتحرير ساحلها من الإرهاب    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    دعاء مستجاب لكل شيء    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    الزنداني كقائد جمهوري وفارس جماهيري    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخالفات المتنفذين تهدد زبيد بالشطب من قائمة التراث
رغم الجهود المبذولة للحفاظ عليها
نشر في الجمهورية يوم 22 - 02 - 2010

زبيد مدينة تاريخية فريدة من نوعها بنمطها المعماري المتميز على مستوى مختلف مدن العالم وبسوقها القديم التقليدي ،بناسها الطيبين بحرفها وصناعاتها اليدوية المختلفة ،بمساجدها ومدارسها التاريخية والمتعددة ، بخضرتها الدائمة وبساتينها الواسعة ,كل ذلك وغيره أهلها لتكون ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي ، سنحاول في هذا الملف التطرق لتاريخ هذه المدينة وحضارتها وما يتهددها من تشويه لمعالمها التاريخية ،لعله يكون هناك من يسمع استغاثتها وأنينها خاصة أن تشويه نمطها المعماري ما يزال مستمراً حتى اليوم ....
بداية الإهمال والعبث
في 1994م يحذر المدير الإقليمي لليونسكو من الخطر الذي بدأ يداهم المدينة ، بدأت عملية الإهمال والعبث والتخريب لمدينة زبيد التاريخية منذ حوالي ثلاثين سنة تقريباً كما يؤكد ذلك العديد من المواطنين وذلك عندما تم إنشاء سوق جديد بالقرب من باب سهام وتم إخراج الناس من السوق القديم بالقوة ،وذلك تحقيقاً لمصالح بعض المتنفذين ،مع أنه كان من الممكن أن يتم توسعة السوق كما حصل لسوق مدينة بيت الفقيه حيث تم توسعة سوقها القديم فبقيت عامرة بالحياة ،عكس مدينة زبيد التي بدأت في الانهيار والإهمال ،وما زاد الطين بلة هو عندما عاد المغتربون في العام 1990م حيث قاموا ببناء العديد من المنازل وأيضا ترميم العديد من المنازل بطرق عشوائية لا تتناسب مع نمطها المعماري الفريد والمتميز ، وفي العام 1993م أدرجت المدينة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي ,وكانت المخالفات ما تزال محدودة جدا ،وبدلاً عن المحافظة عليها وعلى أصالتها تم بناء بعض الدوائر الحكومية كمبنى المواصلات والبريد والمدارس والمستوصف وإدارة الأمن وغيرها من المباني الحكومية بمواصفات مخالفة للبناء الزبيدي ,وفي عام 1994م جاء المدير الإقليمي لمنظمة اليونسكو للاحتفاء بالمدينة فشاهد مبنى المواصلات ، حينها أكد بأن الخطر بدأ يداهم المدينة ،ويجب معالجة ذلك بأسرع ما يمكن ،غير أنها بقيت مهملة ترثي حالها ،وحالياً هناك جهود تبذل لكنها لم تصل إلى مستوى الخطر الذي يهدد مدينة زبيد بإسقاطها من قائمة التراث خاصة أن المخالفات لم تتوقف حتى اليوم وأبرز المخالفين دوما أصحاب الوجاهات من الشخصيات الاجتماعية باعتبارهم فوق القانون ،رغم أنها أصبحت أقل مما كانت عليه حسب وصف الدكتور عبدالله زيد عيسى رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ، هذا الإهمال والعبث واللامبالاة لمختلف معالمها الأثرية والتاريخية الإسلامية من ساكنيها ومسئوليها بشكل عام هو الخطر الحقيقي الذي يهددها منذ سنوات عديدة بإسقاطها من قائمة التراث العالمي والذي إن حدث لا سمح الله فسيكون موتها الأكيد ولا نظن أنه ستدرج بعدها أي مدينة يمنية أخرى.
يقول في ذلك شاعرها الشعبي أحمد بن عيسى الهتار والذي وجدناه في استراحة الأديب أسامة الحضرمي يبكي زبيد العلم وما صارت إليه من إهمال وعبث وتجاهل من الجميع:
زبيد العلم
زبيدالعلم حيدها تبكي
والكل واقف يتفرج ويتعجب
كم من مساعدات لي تأتي
وكم زوار علي تتعجب
أهلي أهملوني لمن أشكي
وارب حقي كذا يسلب
يانم رجال علي تبيك
أهلي يتفرجوا علي اتخرب
سوقو أمقديم كان زمان يحكي
ومبيع ومشراء فيه كان يلهب
واليوم الناس على سوقها تبكي
دكاكينها خراب فيها أمكلاب تلعب
اليوم أتينا على ماكان زمان يحكي
عطية والحضرمي قالو زبيد بعدنا شتتعب
خلاص مافيش فيها رجال تحكي
على أمسوق اللي تخرب
زبيد العلم الشرق والغرب بها يحكي
واليوم الكل واقف يتفرج ويتعجب
دمشق عند زبيد ماهي شيء
وحبك وازبيد علجميع يوجب
أما الدكتور علي سعيد أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة صنعاء فيقول: زبيد عانت كثيراً الإهمال والعبث بمعالمها التاريخية وما يتم اليوم من ترميم واهتمام لم يصل الى المستوى الذي تستحقه هذه المدينة ،ويقول: زبيد كانت مشعل العلم في العالم العربي والاسلامي ومدينة التاريخ والتراث ، لكنها فعلا مدينة لا نستحقها ومن لا يحافظ على تاريخه وتراثه لا يستحقه.
تاريخ المدينة :
تعرف بالحصيب وسميت بزبيد نسبة لواديها الشهير:
لبت الدعوة الإسلامية أواخر القرن السابع الهجري برئاسة أبو موسى الأشعري: تشير العديد من المصادر التاريخية أن زبيد لبت الدعوة الإسلامية في أواخر العام السابع وبداية دخول العام الثامن الهجري,برئاسة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وأخويه رهم وأبي بردة وستة وثلاثين نفراً من الأشاعرة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم بارك الله في زبيد «ثلاثاً».
وزبيد هي (بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة التحتية ودال مهملة): يطلق هذا الاسم اليوم على إحدى مديريات محافظة الحديدة وهو اسم لوادي زبيد الذي يعتبر من أشهر أودية اليمن ،وقد سميت باسمه هذه المدينة التاريخية ،و التي كانت تعرف حتى بداية العصر الإسلامي بالحصيب نسبة الى الحصيب بن عبد شمس ,وفيها يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ رضي الله عنه إذا وصلت أرض الحصيب فهرول أي .. يسرع في مشيته ؛ وذلك لأنها حارة بطبيعتها . ويذكر المؤرخ الهمداني في كتابه ، صفة جزيرة العرب بأن الحُصيب هي قرية زبيد وسكانها من قبيلة الأشاعر.
موقعها :
تقع مدينة زبيد على بعد 25 كم من الساحل الشرقي للبحر الأحمر وتبعد عن الجبال الواقعة في الجهة الشرقية منها 25 كم أي إنها تقع على نصف المسافة التي تفصل بين المناطق الجبلية والبحر الأحمر لذلك هي أكثر حرارة من مدينة الحديدة. وتعتبر مديرية زبيد من المناطق الخصبة، التي يرويها من الشمال وادي رماع ومن الجنوب وادي زبيد.
نشأتها:
أما عن نشأة مدينة زبيد: فيجمع المؤرخون اليمنيون ومؤلفو كتب التراجم والطبقات، الذين عاشوا فيما بين القرن السادس والعاشر الهجريين/ الحادي عشر والسادس عشر الميلاديين، على أن مدينة زبيد أنشئت في بداية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي؛ ويذكرون بأنه في أواخر القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي ازدادت القلاقل في اليمن فخرجت قبيلتا عك والأشاعر في تهامة عن طاعة الخليفة العباسي ، فجهز لهم الخليفة المأمون سنة 202ه/817م جيشاً كبيراً بقيادة محمد بن عبدالله بن زياد وبعد حروب جرت بينه وبين اليمنيين استطاع بن زياد الاستيلاء على تهامة كلها.
وتنفيذاً لأوامر الخليفة المأمون باستحداث مدينة باليمن في بلاد الأشاعر بوادي زبيد، اختط ابن زياد مدينة زبيد سنة 204ه/819م واتخذها عاصمة سياسية وعسكرية لدولته التي بسطت نفوذها على معظم مناطق اليمن.
استغل ابن زياد الاضطرابات والقلاقل التي تعرضت لها الدولة العباسية فانفرد بحكم اليمن واقتصرت تبعيته للخلافة العباسية على إرسال الهدايا والدعاء للخليفة في خطبة الجمعة فقط.
توفي محمد بن زياد في سنة 245ه/859م وتولى الحكم من بعده ولده إبراهيم بن محمد واستمر في الحكم حتى توفي سنة 289ه/901م، وتولى الحكم من بعده ولده زياد بن إبراهيم (من 289ه/901م إلى 291ه/904م) وخلفه بعد وفاته أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم الذي توفي سنة 371ه/981م. انتقل الحكم بعد وفاة أبي الجيش إلى الحسين بن سلامة أحد موالي بني زياد. سقطت دولة بني زياد بعد وفاة الحسين بن سلامة سنة 412ه/1021م، بعد حكم دام مائتين وتسع سنوات. وردت هذا الرواية في العديد من المصادر التاريخية، لكن بعض الباحثين في العصر الحديث يشككون في صحة هذه الرواية، أو على الأقل في صحة بعض المعلومات التي وردت فيها. ويعود سبب هذا الشك إلى غياب هذه الرواية في مؤلفات عالم اليمن المشهور الحسن بن أحمد الهمداني (ولد سنة 280ه/891م وتوفي سنة 350ه أو 360ه/ 961 أو 971م) صاحب العديد من المؤلفات الهامة في علوم مختلفة والذي يذكر في كتابه، صفة جزيرة العرب بأن الحصيب هي قرية زبيد. كانت مدينة زبيد في عصر الهمداني واحدة من أهم وأشهر مدن العالم الإسلامي، ولم تكن كما يعتقد بعض الباحثين مجرد قرية صغيرة لا وجود لها على الخارطة السياسية ليمن القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، فالمؤرخ الهمداني نفسه يذكر مدينة زبيد في كتابه «صفة جزيرة العرب» كواحدة من أشهر مدن العرب، بل كانت واحدة من أكبر المدن العربية وأكبر مدن اليمن في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي. ووصف الهمداني لهذه المدينة لا يترك مجالاً للشك في هذه الحقيقة الدامغة ؛ حيث ذكر الهمداني مدينة زبيد ضمن مدن العرب المشهورة واقترن ذكره لها بذكر مدن اليمن الكبرى مثل عدن وصعدة وشبام وحضرموت والجند.
زبيد في عصرها الذهبي :
في عصر الدولة الرسولية أصبحت زبيد من أهم مدن العالم الإسلامي ابن الديبع والمقري والحضرمي والفيروز أبادي أشهر علمائها :
تؤكد المعلومات التي وردت عن مدينة زبيد في مؤلفات المؤرخين والرحالة والجغرافيين في القرنين الثالث والرابع الهجريين/التاسع والعاشر الميلاديين مثل:
اليعقوبي (توفي سنة 284ه/891م)، وابن رسته (توفي بعد سنة 290ه/903م)، وابن حوقل (توفي سنة 367ه/977م) وغيرهم بأن مدينة زبيد كانت منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي مدينة إسلامية مشهورة. مرت بمراحل مختلفة من التطور والازدهار منذ إنشائها حتى عصر الدولة الرسولية حيث أصبحت خلال القرنين السابع والثامن الهجريين/ الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين العاصمة الثقافية والاقتصادية، فقد احتلت مكانة علمية مرموقة وصارت واحدةً من أهم وأشهر مدن العالم الإسلامي بشكل عام. ويرجع الفضل في ذلك إلى اهتمام ملوك وأمراء وأميرات الدولة الرسولية بالمدينة حيث أنشأوا فيها القصور والمساجد والمدارس والأربطة والخوانق والأسبلة ودور الضيافة، وأوقفوا على كل واحدة من تلك المنشآت أموالاً عظيمة مكنت بعضها من الاستمرار في أداء وظيفتها الدينية ورسالتها العلمية حتى اليوم.
إن اهتمام ملوك وأمراء بني رسول بالعلم وإكرامهم وتبجيلهم وتقديرهم العلماء وتشجيع المؤلفين ومساعدة طلاب العلم جذب إلى زبيد عدداً كبيراً من مشاهير علماء العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وطاب المقام فيها لبعضهم فسكنوها وتأهلوا بها؛ فهذا مجد الدين الفيروز آبادي، العالم النحوي المشهور، زار مدينة زبيد فأحبها واستقر فيها، وتقديراً لمكانته العلمية عينه الملك الأشرف إسماعيل بن العباس قاضي القضاة في سنة 797ه/1395م وزوجه الملك الأشرف بابنته؛ عاش مجد الدين الفيروز آبادي في زبيد عشرين سنة، ألف معجمه المشهور بالقاموس المحيط في إحدى مدارسها وتوفي ودفن بها سنة 818ه/ 1395م.
ازدهار وتطور كبير:
كما تؤكد كتب التاريخ أن مدينة زبيد تطورت كثيراً في العصر الرسولي تطوراً عمرانياً كبيراً وازدهرت الحياة الاقتصادية فيها وازدادت عدد منشآتها الدينية، إذ بلغ عدد المساجد والمدارس فيها في النصف الأول من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي ما يقرب من مائتين وأربعين مسجداً ومدرسة. وقد اهتم ملوك وأمراء وأميرات بني رسول ببناء المدارس العلمية المتخصصة في مدينة زبيد، فزاد عدد المدارس التي أنشئت فيها لتدريس المذهب الشافعي ومدارس المذهب الحنفي، ومدارس للحديث النبوي الشريف، ومدارس الفقه ومدارس النحو، ومدارس لتعليم القرآن الكريم، وأوقفوا على كل مدرسة أوقافاً جليلة مكنتها من أداء وظائفها التعليمية عبر قرون طويلة، عشرون مدرسة من هذه المدارس ما تزال قائمة حتى اليوم، يتوافد عليها عدد من الطلاب، من سكان مدينة زبيد ومن القادمين إليها من مناطق مختلفة من اليمن ومن غير اليمن من البلدان العربية والإسلامية ، يتلقون العلم في هذه المدارس التي كانت توفر لطلابها العلم ، وتوفر للقادمين منهم من مناطق بعيدة للعلم مكاناً للإقامة.
لم يقتصر اهتمام ملوك وأمراء بني رسول على بناء المنشآت الدينية فقط بل حرصوا كذلك على ترميم وتجديد وتوسيع كل المنشآت الدينية والتعليمية وكذلك أسوار وأبراج المدينة وبواباتها وخنادقها. وأنشأوا الأسبلة وأقاموا دور الضيافة التي تستقبل الغرباء عن المدينة وتقدم لهم الطعام والإقامة مجاناً.
رافق ازدهار الحياة العلمية والثقافية والتطور العمراني والاقتصادي في زبيد نهضة زراعية وصناعية كبيرة، فكانت المدينة محاطة بالحدائق الجميلة وخصوصاً حدائق النخيل التي أنشأها ملوك وأمراء الدولة الرسولية وبنوا لهم فيها قصوراً فخمة. يصف الرحالة الشهير ابن بطوطة، الذي زار مدينة زبيد في سنة 728ه/1328م أيام الملك المجاهد الرسولي، المدينة بأنها «مدينة عظيمة… وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها، ولا أغنى من أهلها، واسعة البساتين، كثيرة المياه، والفواكه من الموز وغيره..، كثيرة العمارة، بها النخل والبساتين والمياه».
عاشت مدينة زبيد عصرها الذهبي في العصر الرسولي الذي دام ما يقرب من مائتين وثلاثين عاماً (628-858ه/1229-1454م)، حينها كانت هي العاصمة الثقافية لواحدة من أقوى دول الشرق في تلك الفترة. أنجبت زبيد جيلاً من فطاحل العلماء والمؤرخين الذين ذاع صيتهم في الآفاق وخلفوا لنا أعدادا هائلة من المؤلفات الهامة في مجالات العلم المختلفة، منها في العلوم الدينية: علم الحديث والفقه والتفسير والقراءات…، ومؤلفات في علم الفلك والكيمياء والرياضيات والطب وفي اللغة العربية وقواعدها وآدابها، ومؤلفات في الجغرافيا والتاريخ وفي الزراعة وفنون الصيد وعلم المساحة وغيرها من العلوم، وهنا يذكر لنا الأستاذ والأديب أسامة الحضرمي بعضا من هؤلاء العلماء الذين أنجبتهم زبيد أو عاشوا فيها كالفيروز آبادي والمقري
الزبيدي والمرتضى الزبيدي والعلامة الحضرمي والمؤرخ الشهير ابن الديبع وغيرهم الكثير من العلماء والشعراء الذين مازالت تنجبهم زبيد مدينة العلم والعلماء. والتي أصبحت في تلك الفترة، قبلة العلم التي جذبت إليها كبار العلماء والفقهاء والمؤرخين والرحالة وأقطاب الصوفية وطلبة العلم من مختلف الأقطار العربية والإسلامية.
تخطيط المدينة :
عرفت بالمدينة المدورة وتسمى بغداد اليمن ولها أربعة أبواب:
عرفت مدينة زبيد بالمدورة أي المدينة الدائرية، فهي مدينة دائرية التخطيط منذ اتخاذها عاصمة سياسية وعسكرية لدولة الزياديين في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، كما كانت المدينة محاطة بسور من الطين، تفتح فيه أربعة أبواب هي، على ما يبدو نفس الأبواب الحالية للمدينة، اثنان من هذه الأبواب يحملان نفس الأسماء التي عرفا بها في مطلع القرن الثالث الهجري وما يزالان يعرفان بهما حتى اليوم: باب غَلاَفِقَه ( يعرف حاليا باسم باب النخل) ويفتح في الواجهة الغربية من سور المدينة وباب عدن (يعرف حاليا بباب القرتب) ويفتح في الواجهة الجنوبية من سور المدينة، باب سِهام ويفتح على وادي سهام، الذي يقع إلى الشمال من مدينة زبيد، وما يزال هذا الباب يحمل نفس الاسم حتى اليوم، باب سهام البوابة الشمالية لمدينة زبيد وأخيراً باب الشَبَارق الذي يفتح في الجهة الشرقية من المدينة على قرية تحمل نفس الاسم. ورد ذكر هذه الأبواب في وصف المقدسي (توفي سنة 380ه/990م) لمدينة زبيد في كتابه المشهور أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. يقول المقدسى «زبيد… بلد جميل حسن البنيان يسمونه بغداد اليمن..، به تجار كبار وعلماء وأدباء، مفيد لمن وصله مبارك على من سكنه. آبارهم حلوة وحماماتهم نظيفة. عليه حصن من طين بأربعة أبواب باب غلافقة (حالياً باب النخل) وباب عدن (حالياً باب القرتب) وباب سهام وباب الشبارق..، أكثر بنيانهم الآجر ومنازلهم فسيحة طيبة والجامع ناء عن الأسواق نظيف مبيرق الأرض تحت المنبر تقويرة..، أجرى إليها ابن زياد قناة. وهو ( أي مدينة زبيد) بلد نفيس ليس باليمن مثله غير أن أسواقه ضيقة . .ويتضح من الوصف أن المدينة كانت في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي حاضرة اليمن الأولى ومقر أقوى ملوكها وأهم مراكزها التجارية والعلمية.
سور المدينة :
كان لزبيد خمسة أسوار كجانب دفاعي اندثرت جميعها:
أما بالنسبة لسور مدينة زبيد والذي اندثر في السبعينيات نتيجة للإهمال الذي أصاب المدينة كمختلف المعالم التاريخية فيها فتذكر المصادر التاريخية اليمنية بأنه كان لزبيد خمسة أسوار بنيت حول المدينة كجانب دفاعي في المقام الأول :
السور الأول تم بناؤه عند إنشاء المدينة على يد محمد بن عبدالله بن زياد في مستهل القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وأقام الحسين بن سلامة في نهاية القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي سورها الثاني؛ أما السور الثالث فتفيد بعض المصادر التاريخية بأنه من بناء الوزير منَّ الله الفاتكي، والذي نرجحه هنا هو أن هذا الوزير قام فقط، في بداية القرن السادس الهجري، بعملية تجديد وترميم للسور الذي بناه الحسين بن سلامة؛ والسور الرابع بناه علي بن مهدي في منتصف القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وتنسب المصادر التاريخية بناء السور الخامس إلى طغتكين بن أيوب، ثاني ملوك بني أيوب على اليمن، في الربع الأخير من القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي. كانت مدينة زبيد في بداية القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، حسب وصف ابن المجاور لها دائرية التخطيط محاطة بثلاثة أسوار يتخللها عدد من الأبراج. الغريب في المعلومات التي أوردها ابن المجاور عن أسوار مدينة زبيد بأنه يذكر بأن سور مدينة زبيد تتخلله مائة وتسعة أبراج. وهذا يعني حسب قوله أن مدينة زبيد كانت في عصره محاطة بسور واحد فقط. وهنا يتساءل الدكتور محمد العروسي أستاذ الأثار والعمارة الإسلامية بجامعة صنعاء قائلا : إذا كان كذلك أين ذهبت الأسوار الأخرى التي تحدث عنها وأشار إلى وجودها المؤرخ ابن المجاور وذكر أسماء منشيئيها!؟
يبدو أن التوسع العمراني الذي عرفته مدينة زبيد فيما بين القرنين الرابع والثامن الهجريين/ العاشر والرابع عشر الميلاديين كان أهم الأسباب التي أدت إلى إلغاء الأسوار القديمة وبناء سور جديد حول المدينة في كل مرة يتزايد فيها عدد سكانها. أما أبواب المدينة الأربعة، التي أشرنا إليها، فقد ازدادت وبلغت في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي ثمانية أبواب، يذكر الرحالة الدانمركي كارستن نيبور الذي زار مدينة زبيد في تلك الفترة بأنه شاهد خمسة من هذه الأبواب التي كانت تفتح في سور المدينة. كانت مدينة زبيد مدينة واسعة تقدر مساحتها في العصر الرسولي بأربعمائة هكتار تقريباً.
أحياءالمدينة:
دخلت زبيد الصراع السياسي بسبب الدويلات التي حكمت فيها ,فظهر التنوع الصناعي والعمراني وكذلك التنوع المذهبي من خلال المساجد والمدارس الإسلامية والدينية التي تمثلها كل المذاهب . وأصبحت زبيد مدينة مختطة تضم حارات وأحياء عرفت ب : ربع العلي وربع المجنبذ وربع الجامع وربع الجزء .
يقول أسامة الحضرمي بأن أهالي مدينة زبيد استبشروا خيراً في المحافظ السابق لمحافظة الحديدة القاضي أحمد عبدالله الحجري والذي كان له اهتمام خاص بالمدينة وكان يزورها أسبوعياً ووعد بتغيير حالها إلى الأفضل وإزالة مختلف التشوهات والمخالفات منها ,إلا أن الحظ لم يسعفه لتحقيق حلمه وحلم جميع اليمنيين في الحفاظ
على هذه المدينة التاريخية الإسلامية,وفي المقابل ذكر لنا أحد السكان أن المحافظ الحالي أحمد الجبلي غير مهتم بالمدينة ولم يزرها منذ انتخابه محافظاً لمحافظة الحديدة سوى مرة واحدة أو مرتين على أكثر تقدير بصحبة اللجنة الوزارية الخاصة بالحفاظ على زبيد.
ويقول: هكذا هو حظها دائماً الإهمال والامبالاة من قبل الجميع .
الأحياء في الوقت الحاضر هي كما يلي:
(1) رُبع العلي: وهو ربع الأعلى المسمى الحصيب نسبة الى الحصيب بن عبد شمس ويشمل الحافات التالية أ حافة الزيالع ب حافة القسارنية ج حافة الحصيب د حافة خزيجة ه حافة سوق المملاح الأول و حافة الجابي ز حافة المعرص أهم المنشآت المعمارية التاريخية الباقية في هذا الربع هي: باب سهام: (البوابة الشمالية للمدينة) والمدرسة الفاتنية والمدرسة الجعمانية ومسجد الخطوة ومسجد الجبلي .
(2) ربع المُجنبذ: وسمي بهذا الاسم لموقعه بمقر الحكم مجنبذ الملك ويشمل الحافات التالية: أ حافة الودن ب حافة المرباع ج حافة السويقة د حافة الشريجة ه حافة الحائط و حافة الخليفة المعز بن طغتكين ز حافة المجهبذ أما بالنسبة لأهم المنشآت التاريخية الموجودة حالياً في هذا الربع فهي كما يلي: باب الشبارق (بوابة زبيد الشرقية)؛ قلعة زبيد؛ مدرسة الميلين المعروفة في وقتنا الحاضر بالإسكندرية؛ المدرسة الكمالية والمدرسة الدعاسية والمدرسة الوهابية ومدرسة الريمي وكل من مسجد المهادلة ومسجد سرور ومسجد الحداد .
(3) رُبع الجَزَء: وسمي بذلك لموقعه في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة .ويشمل الحافات التالية أ حافة الطور ب حافة المندوح ج حافة الهنود د حافة السايلة ه حافة الجورة و حافة عريش العامري ز حافة المحراق ح حافة المليان ط حافة الفرحانية وأهم المنشآت التاريخية في هذا الربع هي كما يلي: .باب القَرْتَب، البوابة الجنوبية للمدينة والمدرسة العفيفية والمدرسة الجبرتية والمدرسة الفرحانية والمدرسة الياقوتية والخان المجاهدي والمدرسة الغصينية ومسجد الخاص ومسجد العدني .
(4) وأخيرا رُبع الجامع: وسمي بذلك نسبة الى الجامع الكبير ويشمل الحافات التالية :أ. حافة المصلى ب حافة الجامع ج حافة سوق المملاح الثاني
د حافة العلوي ه حافة المخلولة . ويشمل هذا المربع على العديد من المنشآت التاريخية والأثرية أهمها : باب النخل (البوابة الغربية للمدينة)، الجامع الكبير، المدرستان المنصوريتان العليا والسفلى، المدرسة التاجية والمدرسة المزجاجية ومسجد المحب ومسجد الرهائن.
الجامع الكبير:
عاصر تاريخ المدينة واليوم معرض للانهيار:
يعتبر الجامع الكبير بزبيد من أهم وأبرز الجوامع في العالم الإسلامي ,ويؤكد العديد من المؤرخين بأن الجامع أنشئ في عهد الدولة الزيادية وفي سنة 393ه جدد عمارته الحسين بن سلامة ,وفي سنة 574ه أعاد عمارته المبارك بن منفذ الكناني نائب توران شاه الأيوبي .وفي سنة 579ه قام السلطان طغتكين بن أيوب بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والمؤخر والمنارة ,وفي سنة 897ه أعاد عمارته الملك الظافر بن عامر بن عبد الوهاب بن داود بن طاهر وزينت جدرانه وسقوفه بالنقوش والآيات القرآنية .وفي سنة 1131ه قام بعمارة المقاصير لطلاب العلم بداخل الجامع وتحتوي على أربع عشرة مقصورة .وللجامع محرابان الأول للجمعة والثاني جهة الشرق خاص لصلاة الفروض. ويتخلل الجامع سبع قبب وثلاثة عشر بابا وأربعون نافذة ومساحة الجامع أربعة آلاف وخمس مائة متر مربع .ويحتوي على مائة وواحد وتسعين اسطوانة ومائتين وواحد وتسعين عقدا وخمسة عشر طارودا ويتوسط الطارود الثالث منبر للسادن مقابل للمحراب ومنبر الخطابة ويوجد خلف المحراب غرفة خاصة للخطيب ويتوسط الجامع صحن كبير مكشوف وبجواره غربا سقاية للماء وتسمى سقاية الخضر. ويعد الجامع الكبير بزبيد من أهم المدارس العلمية التي كانت مشاعل للفكر في جميع الفنون العلمية والقرآن وعلومه والحديث الشريف وأسانيده ومصطلحه والفقه وأصوله وفروعه ,ومن أشهر مدرسيه وخطبائه ومحدثيه العلامة أبو الفتوح ابن أبي عقامة التغلبي في علم القرآن والفقه والقاضي العلامة محمد بن عبدالله بن أبي عقامة وغيرهم الكثير.
حالة الجامع حاليا:
الأخ محمد بن أحمد حسين قيم الجامع يقول بأن الجامع يعاني إهمالاً شديداً من قبل الجهات ذات العلاقة حيث تعاني مختلف جدرانه وسقوفه تصدعاً شديداً,وبحاجة إلى ترميم سريع كما أن الزخرفة والنقوش والآيات القرآنية طمست وكان المصحف مكتوباً كاملاً في الجامع وطمس كل ذلك ,ويحتاج إلى ترميم الحمامات الخاصة به وتزويده بخزانات كافية للمياه , كما أن المسجد غير مفروش حاليا ويحتاج إلى فرش والى مولد للكهرباء خاصة أن درجة الحرارة مرتفعة جدا في فصل الصيف.
جامع الأشاعر:
بناه أبو موسى الأشعري في القرن الثامن للهجرة واليوم بحاجة ماسة للترميم :أما جامع الأشاعرأو جامعة الأشاعر فقد بناه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري وقومه في العام الثامن للهجرة وسمي باسم قبيلة الأشاعر وتم بناؤه بجوار بئر قديمة كان العرب الأشاعرة ينزحون منها الماء ويسقون دوابهم وهي تقع الآن غرب مسجد الأشاعر .وفي سنة 204ه اختط محمد بن زياد مدينة زبيد عسكريا عندما أرسله الخليفة العباسي المأمون لإخماد ثورة الأشاعرة بالقوة ,وفي سنة 205ه أتخذها محمد بن زياد عاصمة لدولته الزيادية ومن ثم بنى مسجد الأشاعر في الربع الأول من القرن الثالث الهجري ,وفي سنة 407ه بنى الحسين بن سلامة مسجد الأشاعر وكتب اسمه على لوح خشبي موجود حاليا شرق المحراب بالخط الكوفي,وفي سنة 834ه بدأ المسجد في التصدع فجدد بناءه الخازندار برقوق الظاهري وقام بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والجناح الجنوبي وخصص مقصورة للنساء وأوقف عليه أرضا ثمينة ومقدمة قرآنية تقرأ بعد الظهر . وفي سنة 891ه جدد بناءه الملك المنصور عبد الوهاب بن عامر بن طاهر وفي سنة 1276ه في بداية الحكم العثماني الأخير أصلح ما تخرب من سقفه,وللأشاعر محراب كبير للصلاة ويتوسطه حلقات العلم وقراءة الأمهات الست ,والتي مازالت قائمة حتى اليوم ,حيث يأتي العديد من طلاب العلم الى الجامع ليس من اليمن فحسب وانما من العديد من الدول الاسلامية كماليزيا وأندنوسيا وغيرها ,وله أيضا محراب يقع شرقا للطريقة الجيلانية ومحراب آخر في الغرب للطريقة النقشبندية . وللمسجد ثلاثة أبواب الأول يقع في الجنوب والثاني في الغرب والثالث في الشرق وللمسجد بكتان الأولى في غرب المسجد وتسمى الطويلة والثانية في الشرق وتسمى الحريبية وبنتها الحرة ماء السماء جهة الطواشي فرحان أم الملك الزاهر الرسولي سنة 831هJ831ه ,وفي سنة 674ه أصلح منبر الوعظ والإرشاد والحديث الأمير أبو غازي بن المعمار وأوقف عليه الأمير شهاب دكاكين وقطعة أرض . وفي سنة 949ه أنشأ مصطفى باشا النشار منبراً لخطبة الجمعة .
حالة جامع الأشاعراليوم:
حاليا الجامع يعاني تصدعاً كبيراً في الأسقف وتشقق مختلف الجدران الأمر الذي يهدد بسقوط الجامع في أية لحظة ,ويقول محمد مقبولي قيم الجامع: كما أن مختلف الكتابات التي على الجدران لآيات من القرآن الكريم والزخارف النباتية والهندسية قد طمست بالكامل في أوقات سابقة نتيجة للترميم بطرق عشوائية من قبل بعض فاعلي الخير نتيجة إهمال الجهات المختصة في القيام بواجباتها, كما يحتاج الجامع إلى إنشاء خزان للمياه والى مولد للكهرباء والى فرش جديد بدلاً عن الفرش السابق الذي اتلف نتيجة تقادم الزمن عليه. الأخ محمد يوسف والذي يسكن بالقرب من الجامع يقول: الجامع أهمل بشكل كبير كمختلف معالم المدينة ويتساءل: إذا كانت الجهات المختصة لم تستطع توفير مولد للكهرباء فكيف ستنقذ المدينة من الوضع الذي صارت إليه .
شهرة زبيد :
لم تشتهر مدينة زبيد بالعلم والعلماء وفنها المعماري الفريد وفنونها الشعبية والفلكلورية وصناعاتها وحرفها اليدوية المتعددة فحسب وانما اشتهرت كذلك بحدائق النخيل التي تحيط بها وتزرع فيها الخضروات والقمح والذرة بأنواعها والموز وبعض الأعشاب الطبية، ويعود الفضل في ذلك إلى استخدام نظام ري متطور منذ وقت مبكر.
احتلت زبيد مكانةً مرموقة بفضل منشآتها الدينية والعلمية التي جعلتها أهم المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي. كما كانت مركزاً تجارياً مشهوراً، بفضل موقعها الهام بين عدن ومكة، حيث كانت تمر منها منتجات الهند عن طريق عدن إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. اشتهرت زبيد كذلك بمصنوعاتها التقليدية والحرفية، فكانت من أكبر المراكز الإنتاجية لصناعة الأقمشة من القطن والحرير، وصناعة النيلة وكذلك الأغطية التي تعرف باليمن «باللحافات»، فضلاً عن الصناعات الفخارية من أوان وكؤوس ومباخر وغير ذلك.
مدير عام مديرية زبيد:
الدوائر الحكومية أبرز المخالفين
الاخ عبدالله المضواحي مدير عام مديرية زبيد يقول من جانبه بأن الظروف الاقتصادية الصعبة لأبناء مدينة زبيد هي من أهم وأبرز الأسباب التي أدت الى تزايد المخالفات والتشوهات للنمط المعماري في المدينة وذلك نتيجة أرتفاع أسعار مواد البناء التقليدية ،وقال: للأسف منذ أن أدرجت مدينة زبيد ضمن قائمة التراث العالمي في العام 1993م لم تعمل الجهات المختصة أي خطة أو استراتيجة لتطوير المدينة والحفاظ عليها من العبث والتشويه ،ولم يتم تخطيط مدينة جديدة لاستيعاب التوسع وتزايد عدد السكان لمعالجة مشكلة الازدحام السكاني في المدينة التاريخية ،كما لم يتم توفير مواد البناء التقليدية لصيانة وترميم المباني القديمة،وكان الأسمنت هو البديل الجاهز فتم القضاء على كل البساتين والمتنفسات في المدينة ، كما لم يتم وضع تشريع خاص بالحفاظ ليمنع البناء في المدينة القديمة ومع ذلك نقوم بضبط المخالفين بجهود ذاتية ،وبالنسبة لسبب عدم ازالة أي منزل مخالف يقول المضواحي :حتى الآن لم تصدر الينا أي توجيهات لتنفيذ أي أحكام قضائية بالازالة وعند صدور مثل هذه التوجيهات سنقوم بالتنفيذ ،ويضيف قائلا: لكن من الضروري أن يكون هناك بدائل للمواطنين ومن هذه البدائل توفير مواد البناء التقليدية والتي مازالت منعدمة وباسعار تنافس مادة الأسمنت وتحويل معامل البلك إلى محارق للياجور وتوصيل الخدمات الأساسية والضرورية الى منطقة التوسع الجديدة لحل مشكلة الازدحام السكاني والاسراع في استكمال البنية التحتية للمدينة التاريخية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي ،كما تحدث الأخ عبدالله المضواحي عن سبب إهمال السوق القديم قائلا: دكاكين السوق القديم أهملت ولم ترمم العديد من دكاكينه منها علىسبيل المثال حوالي خمسين دكاناً التزمت وزارة الأوقاف بترميمها كون هذه الدكاكين تتبع الأوقاف غير أنها لم تف بما التزمت به ، داعيا في ختام حديثه لنا كافة الدوائر الحكومية الموجودة في زبيد والشخصيات الأجتماعية بالمدينة بأن يكونوا قدوة للمواطنين ,وأن يقوموا بإزالة مخالفاتهم التي شوهت الطابع المعماري للمدينة .
الشخصيات الأجتماعية ليست القدوة:
مدير عام مكتب المدن التاريخية: الجهات الضبطية لا تستطيع ضبط المتنفذين
نبيل منصر مدير عام مكتب الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمدينة زبيد قال من جهته بأن المخالفات في المدينة أنواع أبرزها المخالفات التي تم بناؤها في الساحات العامة وهذه يجب الإسراع في إزالتها وبدون أي تعويضات أما المخالفات المتمثلة في الأزقة أو البساتين أي في الملكيات الخاصة هناك تقريبا ستمائة منزل وهذه المخالفات يجب معالجتها وفقا لرؤية علمية إلى جانب المباني الخاصة بالدوائر الحكومية والتي بنيت قبل ادراجها ضمن قائمة التراث العالمي ومنها على سبيل المثال المدارس والمستوصف والبريد والمواصلات وادارة الأمن بحيث لا يتأثر الطابع المعماري للمدينة ،وبالنسبة لاستمرار مخالفات البناء قال منصر: هذه أبرز المشاكل التي تواجهنا وللأسف معظم هذه المخالفات هي للمتنفذين وللشخصيات العامة في المدينة وبدورنا نقوم بمتابعتها أولا بأول ولكن كما يبدو أن الجهات الضبطية لا تستطيع ضبط هولاء المتنفذين لاسباب لا نعلمها وهناك أحكام قضائية بالإزالة نقوم بمتابعتها مع أن دورنا فني وليس ضبطياً كما تحدث الأخ نبيل منصر عن تعاون مكتب الهيئة مع ال GTZ قائلا بأن هناك تعاوناً جيداً فيما بينهما وقد استطاعت منظمة ال GTZ خلال الفترة الماضية ترميم وصيانة اكثر من مائة وخمسين منزلا وسيتم خلال الفترة القادمة دمج المكتب مع المنظمة للعمل بروح الفريق الواحد والإسراع في أعمال الترميم والصيانة خاصة أن هناك العديد من الخطط والدراسات لترميم جامع الأشاعر والأبواب والجامع الكبير وبعض المعالم التاريخية للمدينة.
مدينة العلم والفن والتراث :
الغريب أن الحديث عن مدينة زبيد منصب على الطابع المعماري فقط وكأن مدينة زبيد لم تكتسب شهرتها إلا من خلال الطابع المعماري المتميز فقط مع أنها تمتاز أيضا بالعلم الناتج عن كثرة مدارسها العلمية التي تحدثنا عنها سابقا والذي نتج عنه نبوغ العديد من العلماء في مختلف مجالات العلم والمعرفة وبكثرة شعرائها ,وهي كذلك مدينة للتراث الحضاري والفلكلور الشعبي العريق , و تمتاز كذلك بصناعاتها الفنية والحرفية المتعددة خاصة في مجال الأنسجة والحياكة وغيرها من الحرف والصناعات الحرفية المتعددة , والتي انقرض منها أيضا الكثير، ولكن مازالت جذور كل ذلك العلم والفن والتراث والحرف موجودة وتحتاج إلى إحيائها ,من خلال الاهتمام بالنمط المعماري المتميز للمدينة ,من خلال العمل سريعا في إزالة مختلف المباني والاستحداثات العشوائية والخرسانية الإسمنتية, و كذلك إخراج كافة معامل (البلك) من محيط المدينة ,ودعم المواطنين في شراء الياجور ومادة النورة عند الترميم بدلا عن (البلك) وإعادة بناء أو ترميم المعالم التاريخية البارزة التي تهدمت واندثرت في المدينة , كبناء السور والذي لا شك سيحمي النسيج العمراني للمدينة وسيعطيها رونقاً جمالياً بديعاً ,وسيكون أيضا معلماً سياحياً بارزاً شرط إعادة كل ذلك بنفس النمط المعماري , كذلك يجب العمل على تشجيع الصناعات الحرفية القديمة من خلال إنشاء مركز تدريبي لهذه الحرف للقضاء على البطالة والتخفيف من الفقر أولا ولإحياء تلك الحرف اليدوية المنقرضة أو تلك التي على وشك الانقراض.
التشاؤم من طائر البومة:
أهل زبيد حسب معتقداتهم الشعبية يتشاءمون كثيراً من طائر البومة ويعتقدون بأنه إذا طار فوق أحد المنازل فإن هذا المنزل وأصحابه سيصابون بمكروه ,وعلى ما يبدو أن اعتقادهم هذا صحيح إلى حد كبير حيث أصيبت زبيد بالإهمال والخراب منذ أن أدرجت ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي وحتى اليوم وأصبحت بيوتاً لطائر البومة .
اندثار الغشيمي:
الحج عبده معافى على فراش المرض وهو الوحيد من يجيد فن هذه الصناعة
نظراً لأهمية هذه المدينة التاريخية ولجمال وروعة منشآتها المعمارية الغنية بعناصرها الزخرفية وطابعها المتميز الذي يقدم لنا نموذجاً من نماذج فن العمارة الإسلامية في اليمن، فقد أصبحت مدينة زبيد منذ عام 1993م إحدى المدن المندرجة ضمن قائمة التراث العالمي الذي يجب صيانته والمحافظة عليه.
وتعاني اليوم الأمرين جراء التهديد المستمر من اليونسكو بشطبها من قائمة التراث العالمي بسبب الإهمال والخراب الذي أصابها .
الطابع المعماري لمنازل زبيد:
تمتاز مدينة زبيد بطابعها المعماري المميز فهي كما يلاحظ مبنية من الياجور المسمى القولب ومادة النورة الكدري والطين ,وهذه المنازل مقسمة مابين مربعة وقبل ساحة أمام المربعة وكذلك صفة وحمام ومطبخ ,وهناك بعض البيوت تحتوي على خلوة دور ثان ومبرز للمقيل (مفرج بلهجة أهل صنعاء) .كما أن معظم منازل زبيد مزخرفة من الداخل وكذلك من الخارج لبعض المنازل وهناك أكثر من ثلاثمائة نوع من هذه الأشكال الزحرفية النباتية والهندسية وذلك ما تحتويه واجهة المربعة من نقوش وزخارف بمادة القولب والنورة اما من داخل المربعة أي (الغرفة) فهناك نقوش وزخارف في صدر المربعة ونقوش أخرى على الأخشاب في السقف تمثل رسومات متنوعة بالألوان الطبيعية النباتية المبتكرة في ذلك الوقت.
مكونات البيت الزبيدي:
المربعة : وهي غرفة كبيرة المساحة تصل الى 3×4 أو 4×4 وهي عالية السقف وتحتوي على شبابيك أمامية وغريبة وخزانة كبيرة نسبيا لحفظ الكتب ومختلف جدران وأسقف المربعة منقوشة بنقوش زيتية طبيعية لأشكال نباتية في الغالب تمثل نقوشا في غاية الجمال والابداع. الصفة : وهي عبارة عن غرفة مفتوحة الأبواب وقد تكون بعض أبوابها على شكل عقود كبيرة وتستخدم غالبا في فصل الصيف عندما يكون الجو حارا ,وبذلك نلاحظ أن المعماري راعى بشكل كبير الخصوصية البيئية لمدينة زبيد . الخلوة : وهي عبارة عن غرفة كبيرة تبنى في الدور الثاني للمنزل وفيها العديد من النقوش والزخارف في مختلف جدرانها وسقفها وأيضا على شبابيكها .
أقدم المنازل في المدينة:
ومازالت العديد من المنازل القديمة في مدينة زبيد التاريخية موجودة رغم اندثار الكثير منها وهذه المنازل تعاني حاليا خرابا كبيرا وتحتاج الى ترميم سريع للمحافظة على ما تبقى منها بسبب الملوحة وعدم الصيانة المستمرة لها ,ومن هذه المنازل بيت أحمد طاهر حويج وبيت الوجيه ,وبيت المرزوقي ,وبيت الوجداني ,وبيت الرملي ,ويقول أحمد طاهر الحويج بأن منزله بني قبل حوالي ماتين وخمسين سنة تقريبا ويعاني تصدعا كبيرا في مختلف جدرانه وحاليا يتم ترميمه بمساعدة منظمة ال جي تي زد والتي تتحمل حوالي 40% من التكاليف وهو 60% ويقول: منازل زبيد تعاني تصدعا كبيرا في مختلف أجزائها وحالة المواطنين المادية محدودة جدا ولا يستطيعون تحمل تكاليف الترميم بالمواد الأصلية خاصة و أن الأسعار في ارتفاع يوميا , خصوصا أسعار الياجور والنورة , كما أن معامل البلك متوفرة بكثرة بالقرب من المدينة عكس محاريق الياجور مما يستوجب على الدولة وبمشاركة القطاع الخاص المساهمة الفاعلة في انقاذ هذه المدينة ,ويضيف قائلا: لا أعتقد أن البناء الأسمنتي سيتوقف مالم تكن هناك حلول حقيقية للمشكلة .أيضا سامي رمضان من سكان المدينة يقول: الجهة التي تعمل ولو أنه بشكل بسيط هي ال جي تي زد أما الجهات الرسمية المعنية بالأمر فهي في نوم عميق , المحافظ الحجري وعد بأنه سيكون هناك مدينة لذوي الدخل المحدود إلا أنه بعد انتخابه محافظا لإب تبخر الحلم.
مدرسة الميلين:
أنشئت لتدريس المذهب الشافعي وتعتبر من أهم مدارس العالم الاسلامي:
يتحدث الدكتور محمد العروسي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة صنعاء عن هذه المدرسة قائلاً: إنها أنشئت لتدريس المذهب الشافعي وتعتبر من أجمل وأهم مدارس العلوم الإسلامية في مدينة زبيد بنيت مدرسة الميلين في الركن الشمالي الشرقي لمبنى قلعة مدينة زبيد التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من حي ربع المجنبذ ، أنشأها الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب سنة 594ه/1198م، وهذه المدرسة هي نفس المدرسة التي اعتقد بعض المؤرخين بأنها أول مدرسة ظهرت في اليمن، وقد أثبتنا عدم صحة هذا الاعتقاد. عرفت هذه المدرسة كذلك باسم المدرسة المعزية وتعرف حاليا باسم مسجد الإسكندرية نسبة إلى الأمير العثماني اسكندر موز بن سولي الذي قام بترميمها في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي.
وللملك المعز المدرسة السيفية التي أنشأها في مدينة تعز، كانت هذه المدرسة في الأصل منزلاً اشتراه الملك المعز وحوله إلى مدرسة وضريح أعاد دفن جثة والده الملك طغتكين فيه ويعتبر الملك المعز إسماعيل بن طغتكين الملك الأيوبي الوحيد الذي بنى مدرسة في اليمن. كان الملك المعز صاحب شخصية غريبة متقلبة وتصرفاته عجيبة، وقد أعلن استقلاله بحكم اليمن عن الخلافة العباسية في بغداد ونصب نفسه خليفة للمسلمين ولقب نفسه أمير المؤمنين الهادي سنة 597ه/ 1201م، كما ادعى بأنه هاشمي من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
التخطيط المعماري للمدرسة:
ويضيف أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة صنعاء الدكتور محمد العروسي بأن مدرسة الميلين تتكون في تخطيطها المعماري العام من فناء أول مكشوف يصل إليه ، عن طريق مدخل المدرسة الذي يفتح في الجزء الغربي من الجدار الجنوبي للفناء المذكور. تقع بركة المدرسة وأماكن الوضوء وعددها اثنان في الزاوية الجنوبية الغربية للفناء الخارجي للمدرسة، يؤدي هذا الفناء، عن طريق باب يفتح في الجدار الذي يطل عليه من جهة الشرق، إلى الرواق الغربي المطل على الفناء الرئيسي للمدرسة وتحيط بهذا الفناء وتطل عليه أربعة أروقة: يطل الرواق الشمالي على الفناء بواسطة ثلاثة عقود مدببة،والرواق الجنوبي بواسطة ثلاثة عقود فارسية الشكل، ويطل كل من الرواقين الغربي والشرقي على هذا الفناء بواسطة عقدين فارسيين في كل منهما، ويلاحظ وجود فسقية صغيرة مضلعة بجوار العمود الثاني للرواق الجنوبي ، تغطي جدران الأروقة الأربعة زخارف نباتية وهندسية وكتابية ملونة رائعة غاية في الجمال. يتم الصعود إلى السقف المسطح لهذه الأروقة عبر درج تلي الباب الذي يفتح في الزاوية الجنوبية الغربية للرواق الغربي. قاعة الصلاة في هذه المدرسة مستطيلة الشكل ( الطول 18.10 م × العرض 7.40 م ) : يتم الدخول إلى قاعة الصلاة من الرواق الشمالي عن طريق باب يفتح في منتصف واجهتها الجنوبية المطلة على هذا الرواق.
تنقسم قاعة الصلاة إلى ثلاثة أقسام : المساحة الرئيسية المخصصة للصلاة وتتقدم المحراب ويتوسط جدارها الجنوبي باب خشبي يعلوه وردة سداسية، وتظهر آثار زخارف ملونة تحيط بهذا الباب والبابين الجانبيين وهذه المنطقة الرئيسية في بيت الصلاة عبارة عن مساحة مربعة الشكل تقريباً 7.40 × 7.35م، تغطيها قبة كبيرة مقامة على طنبور مثمن تفتح فيه أربع نوافذ ونفذت مناطق الانتقال من الدائرة إلى المثمن ومن المثمن إلى المربع بواسطة ثماني حنايا ركنية في المستوى الأعلى و أربع حنايا ركنية في المستوى الأسفل، تنتهي كل حنية من هذه الحنايا بعقد فارسي الشكل.
يكتنف هذه المساحة الرئيسة من الجانبين الشرقي والغربي إيوانان يغطي الإيوان الشرقي قبتان صغيرتان، أما الإيوان الغربي فيغطيه سقف مسطح، ويبدو أن السقف الأصلي لهذا الإيوان والذي كان عبارة عن قبتين مماثلتين لقبتي الإيوان الشرقي قد استبدل أثناء عملية ترميم في فترة متأخرة عن إنشاء المدرسة بالسقف المسطح الموجود حالياً تزين جدران هذين الإيوانين زخارف كتابية ونباتية وهندسية ملونة تؤطرها عقود زخرفية يفتح كل إيوان على مساحة الصلاة بعقدين فارسيين، ويفتح في الجدار الجنوبي لكل إيوان باب، يعلوه عقد مفصص، يؤدي إلى الرواق الشمالي الذي يقع جنوب قاعة الصلاة. المحراب : العمق : 1.45م ؛ العرض : 2.70م يتوسط المحراب منتصف جدار القبلة وهو عبارة عن دخلة نصف دائرية الشكل محاطة بأربعة عقود فارسية الشكل ترتكز على تيجان وأعمدة متداخلة تتوج فتحة المحراب نصف قبة تزينها التجاويف من الداخل، وثلاثة عقود فارسية الشكل
وتؤطرها ثنية زخرفية مسطحة ناتئة وترتكز نصف القبة على شريط من الزخارف الكتابية الملونة يكتنف المحراب لوحتان من الرخام نفذت عليهما بعض النصوص الكتابية، يدور حول القبة شريط من الكتابات الكبيرة قوامها آية الكرسي ( آية رقم 255 من سورة البقرة).
المئذنة: تقع مئذنة المدرسة في الركن الشمالي الشرقي للمدرسة والقلعة في آن واحد،
وتعتبر مئذنة هذه المدرسة أجمل مآذن مدينة زبيد، كما تعتبرهذه المئذنة، من حيث البناء والزخرفة، واحدةً من أجمل المآذن اليمنية. تتكون مئذنة مدرسة الميلين من قاعدة مثمنة ( 6 م ) تقريباً يختفي أحد أضلاعها الثمانية في سور القلعة ؛ يدور حول قاعدة المئذنة شريط من الكتابات تذكر تاريخ إصلاح المئذنة في سنة 742 أو 747ه/ 1341 ‑ 1346م وهذا النص الكتابي يدل ويؤكد أن هذه المدرسة هي مدرسة الميلين، وليست المدرسة الإسكندرية كما اعتقد البعض، يعلو الشريط الكتابي إفريزان من الأوراق النخيلية، تعلوها تجاويف زخرفية تزين الجزء الأعلى من قاعدة المئذنة يعلو القاعدة المثمنة بدن أسطواني الشكل ينتهي بشرفة مقامة على أربعة صفوف من العقود الزخرفية تليها حطات من المقرنص، ويعلو الشرفة بدن مضلع (يتكون من ستة عشر ضلعا) يعلوه بدن مثمن تفتح في كل ضلع من أضلاعه الثامنة فتحة معقودة بعقد فارسي الشكل، وينتهي هذا البدن المثمن بقبة صغيرة من الآجر، تعد السقف الذي يغطي المئذنة، ولهذه المئذنة مدخل يفتح في الجهة الجنوبية على سقف الرواق الجنوبي للمدرسة.
يد الإهمال والحرمان تطال أيضا الأدباء والشعراء:
وفي إطار زيارتي مدينة زبيد التاريخية وجدت أن الإهمال لم يطل الفن المعماري المتميز والحرف والصناعات اليدوية والتراث الحضاري العريق فحسب وإنما طال كذلك أدباء وشعراء هذه المدينة الحزينة، وفي هذا الصدد يقول الشاعر أحمد عيسى الهتار :إن مدينة زبيد تتميز بكثرة أدبائها وشعرائها الشعبيين المتميزين ،ولكن للاسف طالتهم يد الإهمال والحرمان من قبل المجلس المحلي ووزارة الثقافة وصندوقها المخصص للبعض فقط حيث لا يملكون وظائف أو مرتبات من الضمان الاجتماعي تعينهم على متاعب الحياة ومصاريف المعيشة خاصة مع الارتفاع الجنوني لأسعر المواد الغذائية ، الأمر الذي جعلهم يعيشون حياة بائسة ويائسة جراء الفقر المدقع.وقال الشاعر الهتار: لدينا جمعية الحصيب للتراث والفنون الشعبية للحفاظ على التراث الشعبي بشقيه المادي والشفهي ، تقوم بما لم تقم به وزارة الثقافة من إحياء للفعاليات الثقافية والمحاضرات التوعوية بأهمية الحفاظ على المدينة وعلى تراثها وفنها المعماري المتميز ، كما استطاعت أن تكتشف العديد من الشعراء والأدباء من خلال الفعاليات الثقافية المتنوعة منهم على سبيل المثال محمد بن احمد شاغي والشاعر علي محمد جعفر والشاعر العزي عبدالله بشير وغيرهم الكثير ،وهذه الجمعية بحاجة ماسة للدعم المادي لتقوم بواجباتها في عملية التوعية . قبل مغادرتي للمدينة قال لي الشاعر العزي عبدالله بشير، والذي وصل تقريبا إلى عقده الثامن أسألك بالله اذكرني في الجريدة واكتب بأن في زبيد شعراء وأدباء كباراً مثلي غير أنهم مدفونون في المدينة .
اللجنة الوزارية:
في الثاني عشر من الشهر الجاري والذي صادف يوم جمعة اجتمع أهالي مدينة زبيد رجالاً ونساء وأطفالاً لاستقبال اللجنة الوزارية الخاصة بالحفاظ على مدينة زبيد في المدينة والذي كان مقررا لها أن تجتمع مع المواطنين وتطوف بالمدينة حسب برنامج الزيارة وأداء صلاة الجمعة في جامعها الكبير، غير أنها زارت المدينة لدقائق معدودة لوضع حجر الاساس لمشروع رصف شوارع وأحياء المدينة وغادرت مكتفية بالاجتماع الذي عقدته قي مبنى محافظة الحديدة.
عبدالله عيسى:
استمرارالبناء بالخرسانة سيسقط زبيد من قائمة التراث
الدكتورعبدالله زيد عيسى رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية يؤكد من جانبه بأن وضع مدينة زبيد حاليا مستقر مقارنة بما سبق ,وان هناك لجنة من اليونسكو سوف تأتي قريبا للاطلاع على الوضع مضيفا بأن اللجنة الوزارية التي تشكلت منذ ثلاث سنوات تقريبا للحفاظ على مدينة زبيد استطاعت أن تحقق انجازات كبيرة على ارض الواقع أهمها أن المخالفات والتشوهات المعمارية خفت بشكل كبير ولو أنها مازالت موجودة ,وهذه هي المشكلة الرئيسية التي مازالت تواجهنا.. البناء بالبلك والخرسانة وهذه مشكلة خطيرة ،وهناك مدينة للتوسع من إنجازات هذه اللجنة وكذلك الرصف ولكن كل ذلك يحتاج الى دعم، يجب ايصال الخدمات الأساسية الى مدينة التوسع الجديدة والسيطرة التامة على المخالفات لأن استمرارها سيؤدي بالتاكيد الى إسقاط المدينة من قائمة التراث العالمي ، وهذه الاشكالية يجب أن يتحملها المجلس المحلي بشكل اساسي وليس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية حسب قوله؛ لأن الهيئة العامة هي هيئة فنية استشارية وليس من مهمتها إزالة المخالفات وقال الدكتور عيسى: المشكلة الأساسية هي البطء في تنفيذ الاعمال بسبب المشاكل الروتينية الإدارية والمالية الموجودة تقريبا في مختلف مرافق الدولة ,وأضاف بأن العام الجاري 2010م سيشهد نقلة نوعية لمدينة زبيد حيث بدأت فعلا عملية رصف مختلف شوارع المدينة بالأحجار وفقا لاسلوب علمي يراعي الظروف المناخية لمدينة زبيد ,وسيتم تنفيذ مشاريع البنية التحتية للمدينة
حيث سيتم قريبا الإعلان عن مناقصات مشاريع المياه والصرف الصحي والكهرباء ,كما سيتم عمل دراسة متكاملة لترميم مسجد الأشاعرة بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية وأضاف قائلا: أما بالنسبة للسوق القديم فقد بدأت ملامحه تظهر من جديد وذلك من خلال ترميم بعض الدكاكين ,أما بالنسبة للسور فسيكون في مرحلة لاحقة وذلك بسبب الإشكاليات الموجودة بسبب التعويضات ؛ لأن هناك العديد من المواطنين الذين قاموا بالبناء على موقع السور ,وهذه الإشكالية تحتاج إلى وقت وجهود وامكانيات كبيرة حتى يتم حلها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.