في العادي والطبيعي أنه عندما تتعرض سفارة للمداهمة في مظاهرة شعبية أو حتى من قبل عصابات مسلحة فأن هذه السفارة تغلق أبوابها، ويغادر طاقمها البلاد احتجاجا على عدم تأمين سلامتها وعدم توفير حكومة البلاد الحماية اللازمة لتمثيلها الدبلوماسي. لا أن ترسل بقوات مسلحة وبعتاد عسكري. لا يحتاج إلى كثير ذكاء القول بأن هذه القوات والعتاد ليست لغرض حماية السفارة خاصة وقد غادر طاقمها العامل البلاد إلا إذا كانوا يحمون الأرض أو كما يسمونها مجمع السفارة بوصفها "دويلة" أمريكية مقتطعة في المنطقة، (على غرار حجم وموقع دولة الفاتيكان في روما). وحتى هذه فإنها لا تسمح بانتشار عسكري على نطاق محافظات عدة وفي الموانئ البحرية والحدود البحرية المتاخمة. قد لا يروق لأطراف النزاع في اليمن أن تسمي كل ذلك احتلالا، أو حتى تهديدا بالاحتلال. لكن لن يجد لها عاقل بدا من تسميته تعديا على دولة ذات سيادة واستقلال بحسب وصفها المسمى هكذا في الأممالمتحدة. ولو كان تنازع هذه الأطراف واختلافها هو تنازع واختلاف رؤى ومشاريع سياسية واتجاهات وكل منها يحاول أن يفرض مشروعه بظن منه أنه الأمثل لمصلحة اليمن. بتعبير آخر لو كان نزاع هذه الأطراف هو لأجل اليمن وليس نزاعا باليمن لأجل مصالح ذاتية اعتادت تقاسمها فيما مضى وأزمتها اليوم هي في كيفية إعادة التوازن دون المساس بمصالح الأطراف ويتعذر ذلك على نحو ما وقد باعدت الثورة بينهم وبين مبدأ التقاسم أو المحاصصة بشكلها القديم. أقول لو كانت اليمن هي ما يختلف الأطراف بسبب منه وما تلتقي لأجله لسمعناهم جميعا يسمون هذا التوسع الأمريكي تهديدا بالاحتلال ولوقفوا بوجهه صفا واحدا أي أننا كنا سنواجه مشكلة آتية بما يحل مشكلة قائمة أو على الأقل يرجئها ويقلم تعابيرها اليومية، يجعل منها ثانوية إزاء أولوية الدفاع المشترك عن يمن موحد. لكن الحاصل هو على النقيض من هذا المفترض. الحاصل أن كل طرف أو غالبية هذه الأطراف ستعالج هذا التهديد، كل ضمن علاقته الثنائية بأمريكا (في إطار العلاقة بالسعودية ومصالحها) عموما؛ مهما كبر حجم التواجد العسكري الأمريكي في اليمن، فإنه لن يرقى إلى مستوى احتلال لا كالنموذج العراقي ولا الأفغاني. وخروجها خاسرة من النموذجين السابقين، ثمّن من نموذجها في اليمن والذي لا يتطلب تواجدا عسكريا ولا يكلفها الكثير (مالا وبشرا). ولا أظنها تراجعت عن هذا الخيار النموذجي في اليمن الذي أعطاها ما تريد ودون تطلّب يذكر. فما هذا التوسع العسكري؟ ليس احتلالا، ليس استعمارا وعلى الأرجح أنه لا شيء أكثر من مجرد"استعمال" يضيف لذراع أمريكا عضلات بأبعاد جيوسياسية في حوار القوة الساري منذ وقت مع إيران. مجرد استعمال لأرض، ولوضع (يسمى أزمة) ولأطراف. وتهديد الحرب هناك (أي مع أيران) يقتضي حربا مصغرة هنا يكون طرفاها: سنة×شيعة. وإذا لزم أن تنشب حرب داخل اليمن فليكن تحت إشراف أمريكي ولتتحكم في مداها ومساراتها ونتائجها عن - الشارع