جدل كبير يشاع مؤخراً، حول شخصية الحوثي، فالأول يقول إنه سلالي طائفي زيدي، بينما يذهب الجزء المتطرف من الأول ليقول إنه "شيعي رافضي مجوسي". أما الطرف الثاني فيقول إنه صاحب مظلمة وثأر وحقوق، أتى لينتصر لها، والجزء المتطرف من هذا، يزعم أنه ثائر مناضل أتى لينتصر للكادحين والمسحوقين والفلاحين، وليجتث الفساد والفاسدين. و هناك طرف ثالث، والذي أنا واحد منه، نختلف مع الأول بأننا لا نملك أدنى مشكلة مع الحوثي لأيديولوجيته الدينية، لا نعادي المختلف عنا دينياً وثقافياً ولغوياً وعرقياً، على أساس الدين والثقافة واللغة، بل على أساس من هذه الممارسات التي تمليها الأيديولوجية العقائدية الإقصائية. و الأهم من ذلك أن يستغل فصيل من المرتزقة وتجار الحروب، هذا التباين الأيديولوجي، لتعليب أفكار الناس، ليحتاجوا بعد ذلك لأقل من شهرين لزراعة لحية في ذقن، وأيضا إلى أقل من نصف شهر لحشو رأس فارغ بأفكار جاهزة، يتم على أساسها قتل الأبرياء ونسف الوطن. و في الخلاصة، نحن ننحاز وننتمي للفصيل الذي يحتاج إلى ربع قرن على الأقل من التعلم واكتساب المعرفة، ليكون طبيباً عادياً غير مختص، ناهيك عن أننا لا نفهم أو نجيد فنون الكراهية والتحريض. أما الطرف الثاني، فحجتنا التي نختلف بها معهم، تقول بأننا لسنا من ظلمنا وسلبنا حقوق الحوثيين لكي يثأروا وينتصروا لأنفسهم منا على هذا النحو، وإن كان هناك مظالم، أو فساد، فهو ليس نتيجة الأغاني وتميمة جيفارا والبنطلون الجينز، لكي يجتثوا من المجتمع. كما أن الانتصار للكادحين والفلاحين لا يكون بسرقة ونهب المعسكرات والمؤسسات الحكومية والبيوت، والدخول إلى غرف النوم، ولا تحتاج الطبقة الرثة إلى خوف ورعب إضافيين، لكي تتفضلوا وتمنحوهما لهم. وإذا فرضنا ما تزعمون، وشرعية ما تطالبون به، هل هذا مبرر للعنف والإرهاب الذي طال صنعاء خلال الأيام الماضية؟ أجزم أن لا شيء يغذي الفساد والثأر والعنف أكثر من هذا، إلى جانب أن ما حدث كان من أغبى الطرق لمواجهة الفساد والانتصار للكادحين، هذا فيما إذا أردنا الحديث بصراحة، بعيداً عن أجواء المدح والتطبيل. مشكلتنا هي إلى أي مدى يمكن للحوثيين أن يحملوا أهدافاً وطنية خالصة. ولهذا مطلوب الآن من الحوثيين أن يسلموا كل السلاح الذي نهبوه من المعسكرات، للدولة، لأنه ليس ملك الإصلاح، كما أن عليه أن يخلي صنعاء من ميلشياته وثكناته، لأننا لا نحتاج إلى قبضة أمنية خارج الدولة، ولا زالت لديه فرصة لإظهار حسن النوايا وإثبات وطنيته، وسننسى ما حدث، وسيدخل هو التاريخ. و ببساطة أكثر، على الحوثي أن يتجه لفن السياسة، لا الحرب، وعلى النخب السياسية والأحزاب التي فشلت في قيادة الثورة، أن يشاركوا إيجابياً بالدفع بالوضع نحو الانفراج، لا أن يتحولوا إلى خونة، لأن صمتهم خيانة لنا، وتنصل من المسؤولية الذي منحها لهم الشعب، والرئيس كذلك. و أخيراً، علينا نحن اليمنيين، أن نعرف أن حال اليمن يجمع ما بين الحداثة والمدنية بأقل من المتوسط بمختلف أشكالها، وما بين العصبية القبلية الطائفية المذهبية بأدنى صورها تخلفاً وانحطاطاً. لذا يجب علينا أن نرتقي بمجتمعاتنا إلى أقصى درجات الحداثة والمدنية، ونترك لغة المهاترات والمماحكات والعدائيات، وذلك من أجل خلق يمن جميل يتسع للجميع، يرفل بالعدل والرفاهية، وتسوده المساواة.