في هذا المنزل أمٌ تلتحف الحزن وتفترش الوجع وفي تلك الشرفة زوجة تناجي الليل وتلاحق اذيال الأمل وفي تلك الغرفة طفل يتلوى جوعاً بعد أن غيّب صالح والده.. هناك في الحجرية رغم مرور أربعة وثلاثين عاماً على ما عُرف بأحداث الحجرية أسر لم تعرف في أي أرض توارى عائلها أو أبنها وتحت أي ثرى دفن.. هناك في التربة والقريشة والمقاطرة والأصابح وذبحان وغيرها حفرت الدموع تجاعيد في الخدود وشاب الرضع وشيبوا وهم يترجون معرفة الحقيقة من الرائد علي عبدالله صالح.. من قتل والدنا، أين دفن أبننا، لكن لا حياة لمن تنادي فقد رفعت أقلام صالح وجفت صحفه وأرتشف كؤوس النصر مع رفيق دربه الرئيس أحمد حسين الغشمي.. فما الذي حل بالحجرية خلال 22 يوماً وكيف ساقها صالح نحو المأساة التي خلفت الأحزان الطافحة والجروح الغائرة.. وماذا تتذكر من تلك الأيام المسفوحة التي تعيش هذه الأيام ذكراها الرابعة والثلاثين.. - عارف احمد أثناء الأزمة التي أندلعت بين الغشمي وعبدالله عبدالعالم بعد مقتل الحمدي خرج الأخير برتل عسكري من صنعاء في 28/4/1978م وعبر به مدن الوسط حتى وصل إلى تعز وتجاوزها إلى التربة.. وحينها سعى علي عبدالله صالح الذي كان قائد أمن اللواء أن يفشل كل محاولة لحل الأزمة وأغلق كل الأبواب للحل السلمي وأختار الحل العسكري كخيارً وحيدً للحسم. وحين علم بنزول عبدالعزيز عبدالغني مبعوثاً من الغشمي إلى عبدالعالم ليعرض عليه خيار العودة إلى صنعاء أو أختيار أي بلد ليعينه سفيراً فيها تحرك صالح واعترض عبدالعزيز عبدالغني في الحوبان وطلب منه العودة إلى صنعاء وعدم مقابلة عبدالله عبدالعالم فحاول عبدالعزيز أن يقنعه أنه مبعوث من الرئيس الغشمي فرد عليه علي عبدالله صالح بشحن السلاح في وجهه وقال له أنا أحبك يا عبده وقل للرئيس الغشمي أني منعتك من مقابلة عبدالعالم بقوة السلاح. وفي الوقت الذي راح الرائد علي عبدالله صالح يضع اللمسات الأخيرة للزحف نحو الحجرية أعلن بأن عبدالله عبدالعالم رفض مقابلة عبدالعزيز عبدالغني في اللقاء الذي كان مقرراً أن يكون في نجد قسيم وهو إعلان يمهد لتبرير الهجوم. صالح كان يرى أن الطريق نحو رئاسة أمنه تبدأ بقمع القيادات البارزة في تعز بل إنه قال إن أبناء الحجرية دمويون.. صالح يفشل كل مساعي الحل الأحداث تتسارع والجوع يهيمن على الحجرية بسبب الحصار الذي فرضته سلطة الغشمي وصالح على المنطقة.. الناس أكلو أوراق الحلص وتسلقوا الأشجار بحثاً عن حبات السدر (الدوم).. الخوف يسكن النفوس والبؤس عنوان كل زاوية وواجهة.. والشر المستطير قادم وعلي عبدالله صالح يضغط على منع دخول المواد الغذائية إلى المنطقة التي حاول بعض المشائخ نقلها بطريقتهم كجزء من الحل حتى يشعر المواطنون أن الحكومة معهم وكان يضع حلاً واحداً وهو قولوا لصاحبكم يسلم نفسه وينهي تمرده ولتأكيد إصرار صالح على سحق الحجرية بنفسه فقد رفض مقترح الشيخ محمد عبد الملك الهياجم أحد كبار مشائخ شرعب حين طلب أن يقوم كل شيخ منطقة في تعز بجمع خمسمائة فرد مسلح ومواد غذائية ويتجهون إلى الحجرية لإزالة سيطرة قوات المظلات ولكن بأيدٍ من أبناء تعز.. وجاء رفض صالح هذا بحجة أنه يربك الاستعدادات العسكرية. صالح يستعد للإجتياح حين أكمل صالح إستعدادته لإجتياح الحجرية رأى أن قوات عبدالعالم أصبحت ضعيفة جراء الحصار المفروض عليها وليس لديها أي امدادات تعينها على الإستمرار بالإضافة إلى أن أهالي المنطقة على حافة الموت جوعاً إثر هذا الحصار المفروض عليهم.. ولم يتبق أمام صالح سوى مشائخ المنطقة الذين سيرفضون إجتياح ديارهم ومعقل مشيخيتهم ولأول مرة خلال الأزمة يوافق على اجراء وساطة بل هو من قام بالاتصال بالمشائخ وتجميعهم وطلب منهم الذهاب إلى عبدالعالم في الحجرية وحين رفض الشيخ أحمد سيف الشرجبي الذهاب مع اللجنة أصر صالح على ذهابه لكنه لم يفلح في محاولته حيث كان يريدها ضربة قاضية للحجرية وتعز كلها. المذبحة المروعة عقارب الساعة تصل إلى يوم 15/5/1978م والتربة ومعظم مناطق الحجرية قد صارت مأوى للوحوش ولا مكان آمن فيها والعسس ينتشرون في كل زاوية وألة القتل تزهق الأرواح بالمجان وآخر فرصة لإنقاذ المنطقة من الجحيم المستعر هو ما تناقلته الانباء عن لجنة وساطة من المشائخ في طريقها إلى التربة.. وفعلاً خرجت اللجنة من تعز بعد رفض الشيخ الشرجبي المشاركة فيها واستبعاد الحاج هائل سعيد أنعم منها بعد اتصال تلقاه يقال انه من علي عبدالله صالح نفسه لأنه كان على علاقة جيدة مع هائل سعيد أنعم بالإضافة إلى أن هائل ليس له علاقة بالحياة السياسية.. وبينما اليمن كلها تتابع نتائج لجنة الوساطةة التي غادرت تعز نحو الحجرية، الأخبار تتناقل فاجعة مروعة عن اختفاء المشائخ وروايات متعددة عن قتلهم وهو ما كان يسعى إليه صالح ليبرر تحرك قواته في إتجاه الحجرية وهي القوات التي كانت ترابط في مشارف نجد قسيم وتقول رواية مقتلهم ان اللجنة تحركت بمرافقين عسكريين من الدولة عارفين بالمنطقة ومسؤولين عن حماية اللجنة وفي وسط الطريق أوقف هؤلاء المرافقون والمسؤولون قافلة اللجنة وأبلغوهم ان مكالمة وصلت تفيد أن عبدالله عبدالعالم تحرك نحو الوازعية وطلبوا من القافلة التحرك نحو الوازعية لإتمام الوساطة وهناك حيث المساحات الترابية الخالية من السكان انزلوهم بحجة تناول الغداء والراحة ثم قاموا بتصفيتهم بناء على قائمة معدة سلفاً كان مطلوب القضاء عليها لأن معظم هؤلاء المشائخ كانوا قد شاركوا في مؤتمر الروضة بصنعاء وأيدوا الحمدي ضد المشائخ ومؤتمر خمر وتم بعد ذلك دفنهم في تلك المساحة الخالية وهذه الرواية أقرب من تلك التي تقول بأنه تم إغتيالهم أثناء عودتهم من عند عبدالله عبدالعالم لأن معظم الطريق مأهولة بالسكان ولا يمكن اغتيال عشرين شيخاً بشكل جماعي إلا بالطريقة المذكورة سابقاً وقد أرادت السلطات من هذا العمل البشع تأليب الرأي العام ضد عبدالعالم وكان لصالح ما أراد فقد انفض أنصاره والمتعاطفون معه من حوله. صالح في الحجرية صبيحة 20/5/1978م صالح وقواته يقترب رويداً رويداً من التربة وطائرات الغشمي تتمخطر في الفضاء وهديرها يهز فضاء الحجرية كلها وقذائفها تهد الجبال وتدك كل أثر يتطاول على الأرض.. وفي ظهيرة تلك الجمعة المأساوية دخل صالح التربة فاتحاً وحررها من ابنائها وعندما كان خصومه قد تركوا المدينة وما حولها لم يجد الفاتح الهمام سوى مبان خاوية قد نزح أهلها هروباً من الجحيم القادم من شمال سمارة فقامت القوات الفاتحة بمسح هذه المنازل وتسويتها بالأرض ليعتبر كل من يفكر برفع رأسه ضد سلطة قتلة الحمدي تلا ذلك عملية اعتقالات وملاحقات واسعة بهدف إثارة الرعب والخوف في قلوب ابناء المنطقة المذبوحين حسرة من أنباء المجزرة المروعة وحينها صفق الغشمي لصالح واتفق على تناول كؤوس النصر في معسكر المخاء،،