توارت مفردات اللغة ولم تستطع وصف الجريمة التي أبكت وطناً أجرت سيولاً من الدموع على المآقي والخدود.. جريمة أودت بأكثر من مائة قتيل واكثر من مائتي جريح وخلفت المئات من الأرامل والثكالى والأيتام.. مجزرة تجعل الولدان شيبا.. كيف لا وأنت ترى بحراً من الدماء يسيل واشلاء الاجساد تتناثر في كل مكان، كيف لا وأنت ترى مذبحة تصدر الفواجع إلى كل منزل.. جريمة ليس كمثلها جريمة بعد أن شاهدت بشاعتها على شاشة التلفاز توجهت إلى الكتب السماوية المقدسة لكي أقرأها لعل وعسى أجد فيها مبرراً لهذا العمل الإجرامي في أي دين من الديانات.... فلم أجد إلا استنكاراً ووعيداً لمن يزهق الأرواح ويهدر الدماء فلا أدري على أي مذهب وبأي نص يستدل منفذو هذه العمليات الاجرامية، لقد احترت في أمري وتساءلت:كيف قبل هؤلاء المغفلون إن ينهوا حياتهم ويقطفون زهرة شبابهم ويتنازلوا عن أحلامهم في الحياة ويقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ويحرموا آهاليهم من الاستمتاع بأبنائهم الذين تعبوا على تربيتهم وسهروا الليالي وهم يحلمون بمستقبلهم الزاهر.... -كم أتمنى أن التقي بأحد هؤلاء المغرر بهم كي يخرجني من حيرتي ويجيبني عن تساؤلاتي السابقة وأسئلة كثيرة منها:من يقتل؟ ولماذا يقتل؟ومن شرع له كي يقتل؟وهو يعلم كم سيقتل فهناك نوعان من القتلى قتلى أموات وهم الشهداء وقتلى أحياء وهم أسر الشهداء الذين جعلوا من الحزن رفيقاً لحياتهم ومن الحسرة على فقدان أبنائهم وأقربائهم عنواناً لعيشتهم... المستقلة زارت ميدان السبعين لتلتقي مع أسر الشهداء الذين يترددون على المكان الذي زُهقت فيه أرواح فلذات أكبادهم أو معيليهم أو احبابهم فهناك الأم التي لا تفارق النحيب والزوجة التي حفرت الدموع على خدودها اخاديد والأب المريض الذي فقد ابنه الذي كان يشتري له العلاج وفي جوار هؤلاء طفل ينادي على صورة والده المعلقة في أحد جدران الميدان بابا باباً وفي ركن قصي فتاة تندب حظها بفقدان شقيقها الوحيد الذي كان يتكفل بمصاريف دراستها لننقل لكم آهات وأنات هذه الأسر فخرجنا بالحصيلة الأتية: إعداد/عبد الله الشاوش قيادة الأمن المركزي مسؤولة عن العملية لأنها لم توفر الحماية للجنود الشهيد نبيل عبد الله علي محمد النخلاني من السياني إب من منزل نخلان وعمره 21سنة وهو عازب، تحدث الينا أخوه هاشم عبد الله علي محمد النخلاني فقال: كان أخي الشهيد العائل الوحيد للأسرة لأني تزوجت وخرجت من المنزل وبالتالي أصبح هو المسئول عن أمه وأخوته الصغار وأخر مرة ألتقيت بالشهيد قبل شهر من الحادثة لان الشهيد كان في أجازة في البلاد وبعد انتهاء الإجازة طلع صنعاء يداوم في المعسكر وكان يتواصل مع الأسرة بشكل متقطع أثناء تواجده في المعسكر أما أنا فقد تواصلت معه قبل الحادثة بيومين... -أما عن كيفية وصول خبر استشهاده وكيف استقبلوه فيقول شقيق الشهيد: أنا عايش مع زوجتي هنا في صنعاء وأول ما سمعت الانفجار والعملية توجهت مباشرةً إلى السبعين أطمئن على أخي وعندما وصلت بدأت أبحث عنه وأسأل زملاءه وبالصدفة سألت شخصاً يعرفه فقال لي أنه أستشهد في الانفجار فكان الخبر كالصاعقة نزل علي ولم أصدقه حتى رأيته بنفسي في المستشفى متوفى . أمي وأخواتي علمن بالخبر فأتصلن بي فلم أستطع أن أخبرهن أنه أستشهد لأني كنت خائفاً أن يحصل لهن أي مكروه فالمرة الأولى قلت لأمي أن أبنك بخير وإنما جريح وهو الآن يتعالج في المستشفى يعني ما قدرت أخبرها بالأمر مرة واحدة خوفاً من لحاقها بعده ولأنها تعبانة ولا تستطيع تحمل هذه الكارثة وفي الأخير أصرت أن تكلم أخي وتسمع صوته عندها قلت لها الصراحة وأخبرتها بأنه أستشهد وعند سماعها الخبر أغمي عليها وتم إسعافها وكان هذا الخبر صدمة كبرى على جميع الأسرة لأنه كان شخصاً خلوقاً محترماً طيب التعامل مع أمه وأخوته ولا يسيء الى أي شخص بعد عمله والجميع كان يحترمه ويقدره.. وعن المسئول عن هذا العمل فيرد: القاعدة صحيح هي أعلنت عن تبنيها للعملية إلا إن المسئول الأول والأخير هو المعسكر كونه لم يوفر الحماية اللازمة لبروفات العرض. الجماعي والده متوفى ويعول أربع شقيقات ووالدته - الشهيد عبد العزيز سيف محمد الجماعي من محافظة أب”بعدان” عمره 22 سنة، عازب وكان مقبلاً على الزواج ويبحث عن فتاة مناسبة ليخطبها لكن القدر عاجله وخطفه إلى العالم الآخر وهو أخ وحيد لأربع أخوات وبالتالي هو العائل الوحيد لهذه الأسرة كون والده متوفى وبفقدانه لم يعد للأسرة أي عائل من الذكور وهذا ما جعل أسرته في غاية الحزن والألم كونهم فقدوا رجل البيت الوحيد وراعيهم . وعن كيفية وصول الخبر إليهم وكيف استقبلوه يقول معاذ ناجي صديق الشهيد: بالنسبة لي كنت ذاهباً إلى منزلهم كي أسال عليه فتفاجأت أنهم يقولون لي أنه أستشهد فكان الخبر فاجعة وغير قابل للتصديق أما أسرته فبعد معرفتها بالانفجار اتجهت أخواته البنات للمعسكر ومعهن عاقل الحارة فتواصل عاقل الحارة مع القيادة فأبلغوه باستشهاده وهو بدوره أخبرهن بالفاجعة وبعد معرفتهن بالخبر ذهبن إلى المستشفى ووجدنه هناك شهيداً وعدن إلى المنزل وصوت البكاء والنياح يصم الأذان من شدة حزنهن عليه ليس هذا فحسب بل أن أخواته كُن يُغمى عليهن وأكثرهن أخته الكبيرة فقد أغمي عليها عدة مرات وعلى إثره كان يتم نقلها إلى المستشفى مرات عديدة فالخبر مهما وصفت أو تكلمت لن أستطيع أن أعطيه حقه من الوصف لإن الخبر كان فعلاً كارثة مأساوية عصفت بالأسرة جميعاً وأيضاً الحارة بأكملها لإن أخلاقه كانت طيبة مع الجميع، وعندما يخرج من البيت يسلم على الجميع وينادي هذا كيف حالك يا عم فلان وتلك كيف حالك يا عمة فلانة حتى يخرج من الحارة.... أما عن المسؤول عن هذه العملية فيقول ماجد: المسؤول عن هذا هو القاعدة فهم من أعلنوا تبنيهم لهذه العملية وأيادي الإرهاب الخبيثة والمسئول الرئيس أعتبره الأمن ممثلاً بالداخلية والدفاع، هم مسئولون عن وقوع هذا العمل لان الأمن لم يكن مشدداً وكيف سمحوا لهذا الشخص يتسلل إلى بين الجنود وهو محمل بهذا الكم من الشظايا التي قدرت بأكثر من 13 ألف شظية وكيف أستطاع الدخول بهذه السهولة وهذا دليل على الإهمال واللامبالاة للناحية الأمنية. والأكثر ايلاماً أنه إلى حد ألان لم نلمس أي تعاون من الأجهزة المختصة مع الفقيد في صرف المكافأة أو مرتبه وغيرها ولم يُعطَ الشهيد أي شيء إلى الآن. الصوفي خطب وكان يستعد للزواج بعد شهرين الأخ ناجي محمد الصوفي ابن عم الشهيد مجيب محمد علي الصوفي تحدث قائلاً: استشهد من أسرتنا الشهيد البطل مجيب محمد على الصوفي من خولان محافظة صنعاء قرية الحصن وعمره 18 سنة والشهيد عازب وهو كذلك خاطب من فترة قصيرة وكنا مستعدين لزواجه وهو كان يهيء نفسه للعرس لان الزواجة قد حددناها بعد شهرين . طبعاً هو ليس الوحيد من أخوته المنضمين للأمن المركزي فهناك أخوان له في الامن المركزي لكن لطف الله وعنايته أنهم لم يكونوا في تلك السرية التي حصل الانفجار فيها. وعن أخر مرة رأي فيها الشهيد يقول: أخر مرة شاهدت الشهيد قبل الحادثة بيومين ففي ذلك اليوم انتهى من عمل البروفات وأتى ألينا.... وعن كيفية وصول الخبر إليهم وكيف استقبلوه ومن يتحمل المسئولية يواصل الأخ الحديث قائلاً: بعد سماعنا بالانفجار أسرعنا متجهين إلى ميدان السبعين للبحث عن أقاربنا وعندما وصلنا وجدنا اخوانه مطرقين رؤوسهم فقلنا لهم كيف حالكم فأجابوا الحمدلله نحن بخير أما أخونا مجيب فقد أستشهد ثم غلبهم البكاء وذهبنا بعدها إلى المستشفى لنراه للمرة الأخيرة فبصراحة كان منظراً مفجعاً، الدم يغطي جسمه وبقايا الحريق ولا حول ولا قوة إلا بالله وكان هذا الخبر فاجعة تهتز له الجبال والحجار وليس البشر فقط لأنها أول جريمة تحصل من هذا النوع في التاريخ لا ترضاها جميع الأديان السماوية وحزناً كثيراً ولم نصدق الخبر هذا بالنسبة لنا أما أمه وإخوانه الذين في البلاد فقد كان الخبر صدمة وفاجعة أليمة لم يقدر يقاومها أحد فقد أغمي على أمه وتم اسعافها ويعلم الله أنها مازالت مدوخة إلى الآن وغير مستوعبة الخبر إلى الآن لأن الشهيد كان طيباً مع أسرته ويحبهم ولطيفاً ومؤدباً ومفرفشاً يعني يعجبه الضحك والمزاح والمرح بشكل عام باختصار كان شخصاً محترماً جداً... أما المسئول عن هذا العمل فهما وزير الداخلية ووزير الدفاع كونهم المسئولين الأساسيين عن حماية العرض وهما من يتحمل المسئولية لان من المفترض على الجنود أن لا يخرجوا لعرض هذه البروفات إلا تحت حماية كاملة بعد أن يوفروا الحماية الكاملة ويهيئوا لهم الأجواء المناسبة والاحتياطات الأمنية لإجراء البروفات بغض النظر عن القاعدة أو أي جهة ثانية ونحن نعتبر أن المسئول المباشر عن هذا التفجير هما وزيرا الداخلية والدفاع وهما من يجب على المختصين محاسبتهما وهما من تقع عليهما المسئولية الكبيرة لعدم توفير الحماية اللازمة للعرض وكيف يجرون بروفات عرض ودون تأمين، لقد جعلوا بروفات العرض مهزلة.. بالله عليك يا أخي يخرجوا في عرض وبائعي السكر يم والبطاط موجودين في المكان ليس هناك عرض عسكري يعني حياة الناس والجنود غير مهمة بالنسبة لهم.... أما الدولة فقد اتخذت إجراءات للجميع فقد تم دفنهم وصرف من سبع مائة وفي الأخير أحب أن أضيف أننا نريد محاكمة الإرهابيين ومحاكمة المتسببين والمهملين في عملهم وعلى رأسهم وزير الداخلية ووزير الدفاع ونعاقب الإعلام الرسمي لعدم أعطاء هذا الحديث أهميته يا أخي عدد الذين قتلوا في هذه المذبحة أكثر من الذين قتلوا في مذبحة الكرامة ومحرقة الحرية. المرأة الملقبة بأم الشهداء التي فقدت اثنين من ابنائها وفي نفس الموقع يجد كل زائر أم يحيى المرأة الملقبة بأم الشهداء التي فقدت اثنين من ابنائها واصيب اثنان من احفادها.. وهي تردد (عينتقمهم الله عيهلكم الله) وهذه المرأة كان قد تركها ولدها قبل الحادث في جوار الميدان وطلب منها أن تنتظره حتى ينتهي من البروفة وسوف يعود إليها ويأخذها الى المكان الذي تريد لكنه لم يعد هو وشقيقه.. أما سلوى علي فتقول أنها لن تهدأ حتى تعرف من يقف وراء هذه الجريمة وتتساءل لا يمكن أن يدخل منفذ العملية إلى الميدان ويخترق الصفوف بجسده المفخخ مع وجود تلك التعزيزات والاحتياطات الامنية اذا لم يكن هناك متواطئون من الداخل. (سماح) قالت زوجي قُتل ويتموا اطفالي فمن سيتولى تربيتهم، ابني الصغير يسألني أين بابا فلا أستطيع الرد عليه لقد خرج في ذلك اليوم وهو يضحك ويمرح لكني كنت اشعر بخوف ولا ادري ما هو السبب وكانت نبضات قلبي مرتفعة على غير العادة وحين سمعت بخبر الانفجار عرفت أن زوجي مات دون أن يكلمني أحد.. وهنا أجهشت بالبكاء ولم نستطع مواصلة الحوار معها.. فمن يعوض أُسر الضحايا عن مصائبهم وهل ستقوم السلطة بدورها وتكفر عن اهمالها، لقد أعلنت أنها ستدفع راتب سنتين لكل ضحية لكن ما حدث هو مبلغ مقطوع قدره سبعمائة الف ريالاً فماذا ستفعل فيه زوجة لديها سبعة اطفال ومنزل ايجار مصاريف ومدارس وغيره من متطلبات الحياة اسئلة كثيرة نتمنى أن تضعها السلطة في حساباتها. ومن الجدير ذكره أن بعض الأسر أشارت إلى أنها إلى الآن لم تتسلم شيئاً .