يتخذ الوطن شكلاً مشوهاً عندما يصبح مناضلوه وأحراره عرضة للانتقام والاضطهاد والظلم.. وهو ما حدث فعلاً مع أحد أحرار ثورة 26 سبتمبر التي احتفلنا بمرور نصف قرن على قيامها.. يقف المناضل سيف سعيد عبده من أبناء المعافر محافظة تعز بعد خمسين عاماً من انطلاق مشواره النضالي وحيداً في مواجهة طغيان أحد النافذين. المناضل سيف لا يجد من يناصره ويقف بجانبه، وهو الذي وهب أجمل أيام عمره وشبابه للثورة والشعب، حيث كان من كبار المقاتلين في صفوف الثوار وقائد دبابة الثورة صبيحة 26 سبتمبر، ومن أبرز المقاتلين ضد الملكيين في مختلف مواقف الشرف والدفاع عن الثورة.. التحق في سن مبكر بالحرس الوطني، فتم توزيعه على مدرسة المدرعات حيث كان من زملائه في تلك الفترة الرئيس السابق علي صالح وأحمد فرج ومحمد مطهر.. وخلال معركة سنحان منح شهادة من قبل قائد المحور الشرقي قاسم منصر ورقي إلى رتبة ملازم أول وذلك في عام 1968م.. اليوم .. راتب المناضل كمساعدة ولم يتم تسويته بزملائه، كما أنه مصاب بالعنق من كثرة ما تعرض له أثناء قتاله وتأديته لواجبه الوطني، ولديه تقارير طبية تثبت ذلك صادرة عن المستشفى العسكري بصنعاء.. غير أن معاناته الكبرى والظلم الثقيل الذي يتعرض له مازال مستمراً يتمثل بالممارسات الاستفزازية والأذى المستمر والمحاربة المتواصلة من قبل القوى الظلامية، التي طالت أسرته ومنزله وممتلكاته. وكأن ما يتعرض له هو مكافأة نهاية الخدمة لمشواره النضالي الطويل.. ويكشف المناضل سيف ل”المستقلة” عن تعرضه للظلم والأذى والأضرار التي طالته وطالت ولده من قبل نافذين أبرزهم مدير أمن التربة السابق (محمد سلطان القاسمي)،.. حيث تم اختطاف ولده “محمد” والذي كان يعمل بائعاً في بسطة على رصيف أحد شوارع عدن، بطريقة بوليسية استخباراتية سرية من عدن واقتياده إلى التربة ووضعه داخل المعتقل بطريقة سرية لم يعلم عنها أحد.. وبعد أن شعر والده المناضل سيف باختفاء ولده أخذ يبحث عنه في شوارع عدنوتعز طوال عام كامل دون جدوى.. ظل يتنقل من تعز إلى عدن والعكس لم يترك مكاناً إلا وبحث فيه متحملاً الصعاب والمعاناة وذلك خلال عام 2003م، وفي نهاية العام وجد صديقاً له أخبره أن ولده محمد معتقل في سجن مديرية التربة بتعز.. يقول المناضل سيف معبراً عن صدمته: “رغم مأساوية الخبر إلا أنني حمدت الله أن ولدي ما زال على قيد الحياة”.. بعد عام من البحث المضني بين عدنوتعز وأنا لا أعرف مصيره هل هو حيٌّ أم ميت.. لأفاجأ أخيراً أن فلذة كبدي مسلوب الحرية في معتقل التربة”.. وهناك في ذاك المعتقل وجد “سيف” نفسه مصدوماً بمشهد لم يتوقع رؤيته أبداً.. يقول: “يا لهول ما رأيت.. وجدت ولدي فاقداً للوعي ومن هول الصدمة أحسست وكأنه في معتقل جوانتنامو، وقد سلبت حريته وإنسانيته، استجمعت ما بق لي من قوة وتحدثت معه محاولاً التخفيف من آلامه النفسية قبل الجسدية، لكنه لم يتح لي الحديث، أجهش بالبكاء كطفل صغير، لم أتمالك نفسي.. هرعت إلى نائب مدير أمن التربة متسائلاً عن ملابسات اعتقال ولدي بهذه الطريقة الهمجية.. فرد عليَّ ببرود بأنه مدين لأحد الأشخاص ب 70 ألف ريال، فقلت ولماذا لم يطلبه المدعي العام أو أمن عدن أو حتى عن طريق أمن مديريته المعافر، فرد باستخفاف قائلاً: الدائن من أقاربي وأنا طلبته لعندي لأنه موقع عملي..” يضيف المناضل سيف: من أجل إيقاف هذا الظلم والعبث سابقت الزمن ورهنت حقلاً زراعياً كان يمثل مصدر رزق لي ولعائلتي، سددت المبلغ.. وتم الإفراج عن ولدي.. أو بالأحرى شبح ولدي.. كان ولدي حينها قد فقد أهم ما يتمتع به الإنسان “عقله” كان بحالة نفسية سيئة.. لم يبقَ في البيت سوى شهر واحد .. هرب بعدها إلى عدن نقطة البداية بالنسبة له، والمكان الذي ارتبط بذاكرته.. ومنذ ذلك الوقت في 2004م، وحتى الآن يتجول ولدي في شوارع عدن وأزقتها عارياً متسخاً بعد أن فقد عقله، بسبب ما تعرض له خلال عام من الاعتقال والإخفاء والسجن السري مقهوراً، لقد ذهب محمد ضحية الفاسدين المتغطرسين، الذين لا يرتاحون إلا بتعذيب وترويع الآمنين والمساكين.. لم يقف الأمر عند هذا الحد من المأساة بل تعداه إلى مآس أخرى لتبدأ سلسلة معاناة أغور عمقاً وأشد ألماً يشرح المناضل سيف ما استجد من الأحداث بقوله: “الآن أصبح غريمي القاضي بعد أن أصبح الفندم محمد سلطان الذي تسبب بجنون ولدي، مديراً لأمن مديريتي “المعافر” وصار حجر عثرة في طريقي واستغل مركزه ونفوذه لإلحاق الأذى بي وتعمد الانحياز إلى جانب حقوقي في قضية تركه شهدت مشارعة طويلة، فاستغل القاسمي وظيفته أسوأ استغلال لإرضاء خصومي على حسابي.. قام بحجز أوراقي ووثائقي لديه ليتمكن غرمائي من إخضاعي وتركيعي. ويناشد المناضل سيف المنظمات الحقوقية والإنسانية وقبلها الجهات الرسمية اتخاذ ما يلزم لوضع حدٍ لما يتعرض له من ظلم وأذى من قبل النافذين، وتخفيف معاناته التي طال أمدها كثيراً.. كما طالب وزارة الدفاع بتسوية وضعه أسوة بزملائه من حيث الترقية والبدلات والمعيشة، حيث وأن لديه توجيهات بشأن ذلك كادت أن تنفذ غير أن قيام الثورة الشبابية أدى إلى تأجيلها.. هكذا إذاً آلت حياة المناضل سيف سعيد قائد دبابة الثورة والمقاتل الكبير ضد قوى الرجعية والملكية إلى ظلم وقهر وتهميش وتجاهل والنيل من ممتلكاته، وإطفاء شمعة مستقبله الوحيد.. ابنه الذي جعله معتقل التربة يمشي في شوارع عدن عارياً لسنوات طويلة..