تسعى مراكز القوى المتصارعة التي انقسمت بداية الثورة الشبابية الشعبية السلمية من مؤيد لها ومعارض جاهدة لإعاقة الحوار الوطني وإضعاف الرئيس هادي في إدارة البلد بقية المرحلة الانتقالية، لشعورهم بفقدان مصالحهم التي كانت مرتبطة بالنظام السابق.. وكلما بدأ النظام السياسي السير نحو هيكلة الجيش تفتح تلك القوى جبهات في الشمال والجنوب بغرض الضغط على هادي وإيقاف أي خطوة تفقدهم مصالحهم من خلال استهداف رجال الرئيس الانتقالي خاصة العسكريين الذين يعتمد عليهم ويثق بهم آخرهم الردفاني، إضافة إلى إضعافه شعبيا جراء تحريض القبائل على ضرب الكهرباء وأنابيب النفط. وبعد فشل تلك القوى المتصارعة على تحويل أبين–مسقط رأس هادي- إلى ساحة حرب وتشريد أبناء محافظته لتقليل شعبيته وجعل ظهره مكشوفا لكي لا يستند لقبيلته، نقلت الصراع من الجنوب إلى العاصمة صنعاء واستهدفت القيادات الامنية الجنوبية التي عين معظمها للاستقواء بهم ضد تلك القوى.. يشعر الرئيس هادي بالإرهاق والضعف كلما اغتيل قائد عسكري ما يجعله بين خيارين إما الانصياع لهم وتقديم التنازلات والتسهيلات ومنحهم مراكز قيادية ليعبثوا بخيرات البلد أو مقاومتها وضربها مستعينا بالمجتمع الدولي كونه لا توجد قوى محلية يستطيع الاستناد اليها وكلاهما لا يصب في مصلحة اليمن .. ويرى المتخصص بشؤون الإرهاب والقضايا الأمنية الباحث محمد سيف حيدر أن شبكات الاغتيالات التي لا يقف وراءها تنظيم القاعدة لها أجندات مغايرة وحديثة نسبياً. وقال ل”يمنات”: إن تلك تسعى من جهة إلى استهداف الأذرع العسكرية التي تعتمد عليها السلطة الجديدة برئاسة هادي (أو ربما تَعتمِد عليها) في إطار عمليات التغيير والهيكلة التي تطال المؤسستين العسكرية والأمنية، وفي مقدمة هؤلاء القادة الجنوبيون على مختلف مستوياتهم ومواقعهم وانتماءاتهم الجهوية، مع التركيز على القيادات التي تنتمي إلى محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس هادي وعمقه المناطقي والعسكري. ومن جهة أخرى يقول حيدر إن ثمة مؤشرات على أن هناك شبكة اغتيال موازية، وذات طبيعة مزدوجة، لها بعدان ثنائيا المسار: إقليمي– محلي ومحلي– إقليمي؛ وتعمل لحساب أجندات محلية- إقليمية مُتضاربة نوعاً ما، لكن لها مصلحة مُحققة وواضحة في إثارة حالة من الفوضى والفراغ القيادي على الصعيدين الأمني والعسكري، والهدف الأساسي هو مساعدة أطراف محلية داخلية على تمرير مشاريعها الخاصة وتذليل الوصول إليها، وتحديداً على مستويي شمال الشمال وجنوب الجنوب. وتستغل تلك القوى الانفلات الأمني الذي تشهده البلد بعد ترك صالح السلطة لتعجز الأجهزة الأمنية عن كشف من يقف وراء مسلسل الاغتيالات الذي يستهدف رجال وجنود هادي لتضيق محاصرته من قبل تلك القوى التقليدية التي تحاول خلق تحالفات جديدة لاستعادة نفوذها في السلطة بعد قرارات التعيينات العسكرية والتي تصب ضمن هيكلة الجيش.. الاجهزة الأمنية المتفككة تحاول التستر على عجزها بإتهام القاعدة بالوقوف وراء مسلسل الاغتيالات رغم انها متورطة في بعضها وليس جميعها ،كون المؤشرات الأخيرة تكشف أن من يقف وراءها تنظيم سرى على أعلى درجة من الحرفية والتخطيط والتدريب والتنفيذ قد تكون له ارتباطات خارجية –كما يقول بعض المراقبين- لكن المؤشرات تدل على أنه من رحم السلطة الحالية و السابقة .. ويؤكد حيدر أن ارتفاع عملية استهداف القيادات العسكرية يأتي بسبب أن هناك أطرافاً عدة تواطأت هذه الفترة على استهداف المنظومة الأمنية والعسكرية، وبشكل غير مسبوق أو معتاد،وقال المتخصص بالشؤون الأمنية :” إنه في ظل تعقيدات المرحلة الانتقالية الحالية، ومع تزايد جبهة الخاسرين جرّاء عملية الانتقال السياسي الجارية، يبدو أن ثمة عدة شبكات اغتيال، وليس شبكة واحدة فقط، أخذت تعمل على استهداف القادة الأمنيين والعسكريين، بل وبعض المُنتسبين للمؤسستين الأمنية والعسكرية من ذوي المرتبة المنخفضة. ويعتقد حيدر أنه على ما يبدو فإن “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” هو أول من أنشأ خلايا سرية لتنفيذ عمليات اغتيال انتقامية تستهدف بشكل أساسي مُنتَسبي جهاز الأمن السياسي وأجهزة أمنية أخرى لينضم إليهم كبار القادة العسكريين مؤخراً، لاسيما أولئك الذين انخرطوا في معركة تطهير أبين من التنظيم المتطرّف. وتشير المؤشرات إلى أن محافظة عدن ستشهد موجة عنف كبيرة تقودها خلايا القاعدة النائمة وبقايا النظام السابق وأركانه المنشقة خلال الفترة القادمة لتوسيع دائرة الضغط على هادي الذي يحاول فرض هيبة الدولة المتهالكة أجهزتها. ولنجاح قوات هادي بقيادة وزير دفاعه اللواء محمد ناصر في فرض سيطرته على محافظة أبين وعودة النازحين الى منازلهم تحاول تلك القوى الانتقال إلى محافظة حضرموت التي يطغى على أبنائها طابع المدنية والاستقرار لتقوم بسلسلة تفجيرات مصاحبة لاغتيال قادة عسكريين آخرهم المساعد اول في جهاز الأمن السياسي مطيع باقطيان في مدينة المكلا، حيث سجلت حضرموت المرتبة الأولى في حوادث الاغتيالات لعناصر الأمن السياسي خلال العام 2012 وزادعدد الضحايا عن 12 شخصا موزعين بين قادة وضباط وصف ضباط وجنود. لكن حيدر يقول: لا يمكننا القول إن المعركة قد انتقلت حالياً من أبين إلى حضرموت تحديداً، فالوضع إجمالاً قد تمدد واتسع نطاقه ليشمل مختلف أنحاء البلاد، وللعاصمة صنعاء وكل من عدن وذمار ومأرب وأبين وشبوة والبيضاء ثقل مميز مع ترجيح كفّة العاصمة صنعاء التي تجري في ساحاتها معظم تفاعلات العملية الانتقالية، سواء على الصعيد السياسي أو على صعيد التغييرات العسكرية والأمنية، هياكل وقيادات. ويمكن القول إن معظم الاغتيالات في حضرموت تبدو بصمة تنظيم القاعدة والجماعات المناصرة له واضحة عليها أكثر من غيرها- حسب حيدر- بالنظر إلى حالة الارتخاء الأمني الذي يطبع الوضع في هذه المحافظة الاستراتيجية بمواردها وبموقعها والأكبر من ناحية المساحة الجغرافية، ثم أنها باتت تُشكِّل العمق والفضاء الأهم للمتشددين الإسلاميين في مناطق الجنوب وأحد أهم مراكز تجمعهم وانطلاقهم وتدريبهم، وتالياً فإن كثيراً من العمليات التي تشهدها حضرموت حالياً تدخل في هذا السياق العملاني. وحول اغتيال نائب رئيس جهاز الأمن السياسي في محافظة حضرموت العميد أحمد بارمادة، لأول مرة لم يحمّل بيان السلطة المحلية تنظيم القاعدة، مسئولية اغتيال «بارمادة» فقد وصف البيان الذي صدر بعد الحادثة بساعات، العملية بأنها «تندرج ضمن مخطط مدروس ومرسوم بعناية لتصفية الخيرين من أبناء هذا الوطن والمحافظة بشكل خاص من عسكريين وأمنيين». البيان أكد ان هذه «العناصر الإجرامية» لجأت إلى الاغتيالات في حضرموت، بعد أن «منيت بالفشل الذريع في كل محاولاتها تحويل حضرموت إلى ساحة صراع وتصفية حسابات واستباحة دماء أبنائها»، وهو ما يشير إلى أن السلطات اليمنية قد شعرت بقوى تقف وراء الاغتيالات .. وتثير حوادث الاغتيالات التي سقط فيها منذ بداية عام 2012م ما يقارب الثمانين من أكفأ وخيرة القادة والضباط إضافة إلى شخصيات سياسية واجتماعية وناشطين في الثورة القلق والخوف لدى المواطنين المترقبين أن تشهد البلد استقرارا بعد رحيل النظام السابق ، وما يزيد خوفهم أن العمليات التي تنفذها عصابات مستخدمة المسدسات كاتمة الصوت فوق الدراجات النارية دون القبض عليهم.