نيران مسلحين ماهرين من على دراجات نارية نفذت العام الماضي ما بين74 إلى66 جريمة «ذات طابع إرهابي»، إلا أن المصدر ما يزال مجهولاً. بناء على ما نشرته الصحافة المحلية فإن ضحايا الاغتيالات خلال العام الماضي كانوا بالعشرات، منهم 12 في عمليات بواسطة الدراجات النارية، ربع هذه العمليات استخدمت مسدساً كاتم الصوت . وبعد أن قالت وكالت الانباء الصينية (شينخوا) إن عمليات الاغتيال في اليمن طالت 74 ضابطاً عسكرياً وأمنياً حتى السبت الماضي أعلنت وزارة الداخلية يوم الثلاثاء أن الدراجات النارية استخدمت في ارتكاب 66 جريمة قتل وشروع بالقتل خلال العام، ما أدى إلى قتل 40 ضابطاً وفرداً من منتسبي المؤسسة الأمنية والعسكرية و4 مدنيين . وقالت الوزارة ,طبقا لما نقلته وكالة «سبأ» الرسمية، إن 95% من الجرائم المذكورة كانت «ذات طابع إرهابي». ملاحظة ان استخدام «الدراجات النارية يؤشر على وجود تحول في أساليب العناصر الإرهابية في تنفيذ جرائمها التي تستهدف منتسبي القوات المسلحة والأمن ». وبحسب التقرير توزعت الجرائم المرتكبة باستخدام الدراجات على عشر محافظات، منها 18جريمة في العاصمة صنعاء و15 جريمة في لحج و10 في حضرموت ومثلها في تعز و6 في الضالع، وبأعداد متقاربة توزعت 7 جرائم على محافظات عدن، البيضاء، أبين، ذمار . من هم الفاعلون؟ . لا جواب، ولم يعد مقنعاً تحميل تنظيم القاعدة وقائع لم يعترف بها . واحتجاجاً على تزايد الاغتيالات خرج المئات في مسيرة بمدينة المكلا ونفذوا وقفة أمام ديوان المحافظة محملين السلطات المركزية والمحلية والأجهزة الأمنية المتخصصة المسؤولية الكاملة في الكشف عن مرتكبي هذه الجرائم في حضرموت وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة . يوم 25 من ديسمبر الماضي، على سبيل المثال، شهد 3 حوادث اغتيال، طالت في صنعاء كلاً من العميد فضل الردفاني، العميد سمير الغرباني بواسطة دراجات نارية ومسدس كاتم صوت، وفي غيل باوزير (حضرموت) طالت الشاب عبدالمجيد عوض العاجم (25 سنة) بواسطة دراجات نارية أيضاً . الشاب عوض هو نجل مدير الاستخبارات السابق في حضرموت الذي جرى اغتياله في الثاني من ديسمبر 2011 على ايدي مجهولين يستقلون سيارة . وفي 26 ديسمبر الماضي قتل مجهولون الرائد نميري العمودي، نائب مدير الأمن بمديرية القطن (جضرموت) بعد أيام من اختطافه. وفي 29 ديسمبر أغتال مجهولون مطيع باقطيان، ضابط في الامن السياسي في حضرموت، مستخدمين دراجة نارية . تطول قائمة الاغتيالات في حضرموت، خلال العام الماضي، لتصل إلى ما لا يقل عن 12 واقعة، متركزة على منتسبي جهاز الامن السياسي (الاستخبارات ). اللافت للنظر، كما أسلفنا، هو الاسلوب الجديد في الاغتيالات: نيران مسلحين ماهرين من على دراجات نارية. وهو أسلوب يسمح بسهولة المناورة لتتبع الأهداف وسرعة الهرب من مكان الجريمة في آن . لاحظ ذلك برنامج «صناعة الموت» في فضائية العربية، في حلقة بعنوان «قوائم الاغتيالات في اليمن» ووصفه بأنه «تكتيك يحتاج إلى تدريب عسكري مكثف، وسرعة وكفاءة في الضرب والهرب ». هل تقف جماعات أمنية وسياسية خلف حرب الاغتيالات في اليمن؟ وإذ تسكت الاجهزة الامنية عن تقديم جواب عمن يقف وراء الاغتيالات في اليمن، حاولت وسائل الاعلام تقديم مقاربة بهذا الخصوص، فأجمع المهتمون على ان معظم الوقائع لا يقف خلفها بالضرورة تنظيم القاعدة، لأن «العمليات تتسم بالحرفية والسرعة وإخفاء الادلة»، كما يقول عبدالسلام محمد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية لصحيفة الاهالي اليمنية . هو يستنتج أن المخططين لهذه العمليات على علاقة بجهاز استخباراتي، محلى أو إقليمي أو دولي، أما المنفذون فلهم داخل المؤسسة الأمنية إما متواطئون أو مشاركون، ولهم معرفة بالواقع العسكري، أو ربما يكونون في الاطار العسكري. ملاحظا ازدياد وتيرة العمليات كلما أصدر الرئيس هادي قراراً في المجال العسكري . وبحسب الصحيفة فإن الشهيد العميد الردفاني كان قائداً لمحور ثمود في حضرموت، وليس مستشاراً لوزير الدفاع كما أشيع، وجاء اغتياله أمام مبنى وزارة الدفاع بعد أن استدعاه الوزير لتسليمه منصباً قيادياً كبيراً على ضوء القرارات الرئاسية الأخيرة المتعلقة بهيكلة الجيش . كان «الأهالي نت» كشف أن أحمد علي (نجل المخلوع والقائد السابق للحرس الجمهوري الملغي) وزع في مارس من العام الماضي أكثر من (200) دراجة نارية على عناصر في الحرس الخاص . الباحث محمد سيف حيدر، المتخصص في قضايا الارهاب والأمن، لاحظ أن الاغتيالات الاخيرة «تكشف ان من يقف وراءها تنظيم سري على أعلى درجة من الحرفية والتخطيط». ما يعني -حسب توضيحه- أن الاغتيالات هذه تتبع شبكات مزدوجة ذات مسارين: محلي إقليمي، إقليمي محلي، تستغل الانفلات الأمني بدعم من قوى تقليدية، وتستهدف الاذرع العسكرية التي تعتمد عليها السلطة الجديدة برئاسة هادي، للضغط عليه ومحاصرته، من أجل استعادة نفوذها في السلطة . ونقلت صحيفة «يمنات» عن حيدر قوله «بعض الاجهزة الامنية متورطة في مسلسل الاغتيالات» وتذهب لاتهام تنظيم القاعدة للتغطية على عجزها . الاسبوع الماضي كان بعض اعضاء مجلس النواب غاضبين من اعتذار كل من وزيري الداخلية والدفاع عن الحضور إلى المجلس لتوضيح واقع الاختلالات الامنية ومنها الاغتيالات. وطالب النائب عبده بشر رئيس تكتل الاحرار بإقالة مجلس النواب لعجزه عن القيام بدوره في إحضار الوزيرين الى المجلس، وذهب إلى القول ان معظم الاغتيالات تمت بموافقة أمنية وان الأجهزة الامنية لديها قائمة بمن سيتم اغتيالهم . المسألة هنا ليست دفاعاً عن تنظيم القاعدة التقليدي، إذ هو يعتمد العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية ولا يعتمد خيار الاغتيال إلا إذا كان مرتبطاً بأجهزة أمنية، كما يقول المحلل السياسي اليمني المقيم في الامارات، الدكتور عمر عبدالعزيز، لأن المنفذين للاغتيالات وإن كانوا جماعات من القاعدة فأسلوب التنفيذ الجديد ينم عن ان لهم علاقة ببعض الضباط والعناصر الأمنية، أو بحسب تعبيره «لهم علاقة ببعض الاستشارات الامنية الذين يعرفون كيفية الاغتيال السياسي تحديداً ». حتى السلطة المحلية في حضرموت، لم تحمل وللمرة الأولى تنظيم القاعدة، مسؤولية اغتيال «بارمادة» فقد وصف البيان الذي صدر عن السلطة المحلية بعد الحادثة بساعات، وصف العملية بأنها «تندرج ضمن مخطط مدروس ومرسوم بعناية لتصفية الخيريين من أبناء هذا الوطن والمحافظة بشكل خاص من عسكريين وأمنيين ». وفي حديثه لقناة العربية أرجع الدكتور عمر عبدالعزيز الاغتيالات في اليمن إلى «الصراع المكبوت» حسب وصفه بين المتشاركين في السلطة الجديدة بناء على اتفاق نقل السلطة، حيث التشارك لم يصل إلى طريق حميد حتى الآن. مضيفاً ان الاغتيال سلوك يعبر عمن ليس لديه مشروع ويستهدف تفخيخ المسارات السياسية والحوار الوطني القادم، أي إيقاف الانتقال السلمي للسلطة . يلاحظ عمر عبدالعزيز وجود اتجاهات بين المتشاركين في السلطة «لا يروق لها التغيير» بل ترفضه و«تريد خلط الاوراق للقول ان الامور تجري على نحو سلبي». وللتوضيح أكثر يحمل مسؤولية الاغتيالات أولئك الذين «يقومون بدور المعارضة والموالاة في الوقت نفسه»، في إشارة، على ما يبدو، إلى من جاء ذكرهم في تقرير المبعوث الدولي جمال بن عمر إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعيد الى الذاكرة اغتيال قيادات وكوادر شريك الوحدة الحزب الاشتراكي حتى حرب 94 . هذا ما يؤكده النائب عبدالرزاق الهجري: «أكاد أُجزم أن المتضررين من عملية التغيير داخل البلد هم من يقومون بعمليات الاغتيالات ». تحديث وترى الحكومة أن الاغتيالات التي طالت عدداً من القادة والضباط العسكريين والأمنيين تهدف إلى إرباك العملية السياسية في البلاد . قال راجح بادي، المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة اليمنية إن الاسلوب وطريقة تنفيذ الاغتيالات واحدة، وان الملفت والمثير أن الجهات المنفذة لديها مخزون معلوماتي كبير ويبدو انه يحدث بشكل مستمر، وهذا ما يسهل من تنفيذ عملياتها . ونقلت وكالة (شينخوا) عن بادي قوله «التفحص في قائمة عمليات الاغتيالات تؤكد أن الاسلوب واحد والمستهدفين هم شخصيات لها علاقة بحرب الدولة مع الجماعات الارهابية المسلحة أو شخصيات تمتلك معلومات وأسراراً متعلقة بالمرحلة السابقة وقيادات عسكرية كانت مؤهلة للعب دور خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد قرارات إعادة هيكلة الجيش التي صدرت في 19 ديسمبر الجاري من قبل رئيس الجمهورية ». وتابع «من المبكر الحديث عن جهة واحدة، أو طرف معين، هو من يقف وحيداً وراء هذه العمليات جميعها»، لكن «الملاحظ والمثير للانتباه ان الجهات المنفذة لديها مخزون معلوماتي كبير ويبدو أنه يحدث بشكل مستمر، وهذا ما يسهل من تنفيذ عمليتها ». صورة تعبيرية من الارشيف