صنعاء : الحكم باعدام الخائن "احمد علي" ومصادرة ممتلكاته    وقفات شعبية في السبعين بالعاصمة نصرةً للشعب الفلسطيني    الأشول يؤكد استعداد وزارة التجارة تقديم التسهيلات لاستئناف المعارض الصينية باليمن    البنك المركزي يوقف تراخيص 7 شركات صرافة جديدة والريال يواصل التعافي    محافظ أبين يترأس اجتماعا تربويا موسعا لمناقشة استعدادات العام الدراسي الجديد    توضيح للراي العام من اسرة الشهيد محمد يادين بتريم    أمين عام الإصلاح يعزي بن عديو في استشهاد نجل شقيقه    انتقالي أبين يبحث مع السلطة المحلية في خنفر تحسين الخدمات ومعالجة التحديات    الأمور مش طيبة    الصقر يهزم ميناء المخا في افتتاح بطولة بيسان الكروية    توتنهام يفتح مفاوضات متقدمة مع بايرن ميونيخ لضم بالينيا    إصابة 4 من رجال شرطة مرور الطرق بانهيار صخري بذمار    حادثة مأساوية تتسبب في تكبد 10 مركبات في ذمار    مونديال السباحة.. بوبوفيتشي يحرز الذهبية الثانية    محافظ شبوة يستوقف مركبة مخالفة لقواعد السير في عتق    احتجاجات شعبية وعصيان مدني في مديرية القطن لتردي الأوضاع المعيشية    وداعاً زياد الرحباني    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    اللجنة الأمنية بحضرموت تحذر من اختراق المظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع    مبابي على خطى رونالدو.. الرقم 10 بداية الأسطورة الجديدة    انهيار صخري مفاجئ يصيب مواطنين ويلحق أضرارا بشاحنات وسيارات في ذمار    مسلح يقتل 4 أشخاص وينتحر في ناطحة سحاب بمانهاتن    استشهاد 30 فلسطينياً وإصابة أكثر من 300 آخرين بنيران إسرائيلية شمال مدينة غزة    مقتل 4 أشخاص بينهم في اشتباكات بين مسلحين قبليين ومليشيا الحوثي بالجوف اليمنية    قائد الشرطة العسكرية بالمكلا يوضح ملابسات حادثة إطلاق النار بإحدى التظاهرات مساء اليوم    زيلينسكي: حان الوقت لمصادرة أصول روسية    انتقالي الوادي يدين جريمة قتل مواطن في تريم برصاص الأمن    إصابة غريبة لنجم برشلونة السابق بسبب هجوم كلب    صراع نفوذ اقتصادي بصنعاء .. قيادة غرفة الامانة تتحدى من منحها الشرعية وتقرع ابواب البرلمان الذي رفضته توجيهاته    هزات زلزالية جديدة تضرب البحر الأحمر    خبير في الطقس يتوقع أمطار متفاوتة الشدة على مناطق واسعة من اليمن خلال الساعات القادمة    خطاب "شعبوي" صادر عن هيئة التفتيش القضائي يهدد ثقة الناس بعدالة المحاكم    صحيفة دولية: أوضاع حضرموت نقطة خلاف إضافية بين الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية    من الإنقاذ إلى الاستدامة.. خارطة الزُبيدي الاقتصادية تطرق أبواب التنفيذ    قراءة فاحصة لمقال البروف بن حبتور ...عن تحرر المناضل الثوري / جورج عبد الله    بطولة مونتريال.. ماديسون وناومي إلى الدور الثالث    النصر إلى البرتغال    اليمن يرسخ معادلة جديدة بعد قلب الموازين في المنطقة    المكلا على حافة الانهيار..شوارع مغلقة والاحتجاجات تتحول إلى حصار كامل    مصدر أمني: مندسون بين المحتجين أطلقوا النار لتأزيم المشهد    باحكيم : شباب مدعومين من المتحوثين بن حبريش وباراس يمزقون صور الملك سلمان    اطلاق رصاص بعد إقدام مجهولين بإطلاق النار على الأجهزة الأمنية والعسكرية    المنتخب الوطني للناشئين ينهي المرحلة الأولى لمعسكره المفتوح في عدن    "اليونسكو" تدرج 26 موقعا يمنيا جديدا في القائمة التمهيدية للتراث العالمي    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر 77 عاما    لماذا نركز على الاختلافات ونتجاهل المشتركات في غرف المحادثات؟    9 قطع من أثاراليمن تباع بمزاد في إنجلترا في سبتمبرالمقبل    تحذير طبي: وضع الثلج على الرقبة في الحر قد يكون قاتلاً    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    تسجيل صهاريج عدن في قائمة التراث العربي    من يومياتي في أمريكا.. الأرض بفضائي تضيق    المشي الياباني.. فوائد صحية كبيرة بأقل قدر من الوقت    سباق لحماية أطفال اليمن من الشلل و242 ألف لم يتلقوا اللقاحات الروتينية    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    المحرّمي يبحث مع وزير الأوقاف تعزيز نشر الوسطية ومواجهة الفكر المتطرف    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    اجتماع برأسة الرهوي يناقش الاعداد و التحضير للاحتفال بدكرى المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهقة وقهقهة
نشر في يمنات يوم 26 - 12 - 2024


أحمد سيف حاشد
لديّ مشكلة تكررت معي واستمرت، وهي أنني أترك قاتي، وربّما أجلس عليه او أنحّيه من مكانه دون قصد لسبب يكون طارئاً أو عارضاً كأن أحاول في زحام ما، افسح مكانًا لآخر جانبي، أو استقبل آخر للمعانقة أثناء المقيل، أو أكون منشغلاً بمن حضر، أو نحو ذلك من الظروف التي قد تحيط بي، وأنسى إعادة قاتي إلى مكانه، أو يكون هو قد تدحرج بحركتي من موضعه، ثم أجد نفسي أخزّن دون وعي من قات الذي يخزِّن بجانبي ظاناً أنه قاتي، لاسيما حالما أكون شارداً او منهمكاً في حوار جاذب أو مندمجاً في حديث يكون مثيراً لاهتمامي.
مشكلة تترك بعض الأسئلة عالقة في ذهني، وأنا أتخيل الوقائع وتكرارها المثير.. لا أستطيع سبر ما يعتمل في تفكير الآخر الذي أعتبره هنا في مقام "الضحية"، وهو يشاهد ما أقترف بحقه من "اعتداء"، في لحظة خروجي عن الوعي في أمر ما كان ينبّغي أن أجهله، و ولوجي تلك اللحظة فيما يشبه الغياب الذهني حيال ذلك الأمر.
مرّات غير قليلة هي تلك التي وجدت نفسي أخزّن بقات الشخص الذي بجانبي، واجد نفسي فريسة للاوعي.. إنه ضرب من حال ربما أحياناً يطول، وربما يستمر إلى نهاية المقيل.. لطالما اكتشفتُ في وقائع كثيرة أن برمجتي العصبية هي من تخزّن لا أنا.
ويظل السؤال الذي تشغفني الإجابة عليه: يا تُرى ماذا كان يدور في خلد من يراني تاركاً قاتي، وأخزّن من قاته، وهو صامت، ومتمالك أعصابه طول فترة المقيل، ويعف عن تنبيهي، بل وأحياناً يحدث أن أوزع من قاته على زملاء يأتون دون قات، أو أضيف إلى من ينتهي عليهم القات قبل نهاية المقيل.. ويعظم وقع الأمر عندّما يكون من أفعل به هذا ضيفاً لديّ، أو بيني وبينه بعض أوجه الرسمية و"الإتكيت" والحياء الجم.
***
كنتُ معزوم بمناسبة عرس في صالة أعراس في منطقة تقع قرب الجامعة الجديدة في صنعاء، وبعد مباركتي للعريس، عدتُ أبحث عن مكان في القاعة للجلوس والمقيل.. كانت القاعة مكتظة والزحام على أشده.. وجدتُ في القاعة محمد علي سعيد مدير دائرة الأشغال العسكرية، والأخ محمد عبد الغني القباطي مدير جمارك الحديدة، اللذان رحبا بي بحفاوة، وأزاحا لي مكاناً في الزحام إلى جانبهما.. كان هذا على الأرجح عام 2004 إن لم تخني الذاكرة.
وضعتُ قاتي "القطل" الذي كان في "علاقي" إلى جانبي، وفيما أنا أحاول التموضع في ضيق الزحام، كنتُ دون أن أدري قد حسرتُه إلى تحتي في الجهة اليمنى.. دُمته وقطعت أنفاسه خلال المقيل، وهو رازح تحت جسدي الثقيل.. عذّبته مع كل حركة آتي بها عليه، فيما قات صديقي محمد عبد الغني لا يخلو من فخامة.. مُطول ومقطّف ومفروداً أمامه، ومحاطاً بعناية، وبدلاً من أن أخزّن بقاتي، صرتُ دون دراية أو وعي أخزّن من قات صديقي محمد، وأكثر منه أنني ظللت أخزن من قاته حتى النهوض من مكاني وقت المغادرة، وتحديداً من الساعة الرابعة بعد العصر وحتى السادسة قبل المغرب.
لا شك أن محمداً الرجل الطيب والخجول كان يرمقني مع كل مدة يد، وأنا اكرر ما افعله على نحو واثق وحافل بنشاط وهمّه.. يرمقني بصمت، ولكنّه صمت لاشك يخفي تحته كثيراً من العجب والأسئلة، وأشياء أخرى ذات صلة لا أعرفها على وجه التحديد، والأكثر عجباً أن يتمالك اعصابه طيلة مدة مقيلي معه.
أخذتُ ما تبقى له من قات، ونهضتُ للمغادرة وهو لم ينبس ببنت شفه، وحالما انحنيتُ لأتناول تلفوني، لمحت "علاقية" القات التي أخذتها من اذن رباطها وقد صارت مسطحة ومستوية وملتصقة بقطعة القماش التي كنتُ قاعداً عليها، ولون القات قد مال من الأخضر إلى أخضر غامق يخالطه السواد، وعندما فتحت "العلاقية" لأستكشف القات أحسست أنه قد عانى كثيراً، وتعذب أكثر، من جلاد لا يعرف رأفة أو رحمة.
سألت صديقي محمد عبد الغني:
– هذا قات من الذي جلست عليه؟!
أجاب: قاتك
– سألته مرة أخرى: وأنا منين خزنت؟!!
أجاب: من قاتي.. ولا يهمّك.. الحال واحد..
– قلت له: قاتي قطل وقاتك مُطول..
أجاب : ولا يهمك .. نحن واحد.
أعدتُ قاته المتبقي إلى موضعه، وأخذتُ علاقية قاتي، وشعرتُ بحرج وخجل يجتاحني دون أن يمنع ذلك من شهقة دهشة، وخروج قهقهة حاولت كتمها بكل ما اوتيت من تماسك وقوة حتى كادت تخنقني لولا خروج قليل منها إلى خارج فمي رغماً عنّي.
***
ظللتُ بدافع من معرفة وبحث عن جواب أنتظر مقيلاً آخر مع صديقي محمد عبدالغني حتّى تأتّى لي المقيل معه في منزله، وكان أهم ما أردت معرفته، بل وسبب مقيلي معه، هو أن يجيب على أسئلتي التي لطالما ظلت تدور في ذاكراتي:
بماذا كان يتحدث مع نفسه في طي سرّه وكتمانه، وهو يراني منهمكاً، أقتات من قاته بشراهة معزة؟! كيف استطاع يتمالك أعصابه ساعتين، وهو يراني أفعل ما أفعله؟! ما أنا متأكد منه أن شكلي والطريقة التي كنت أتعاطى فيها القات تثير عاصفة من الضحك؟! فكيف استطاع أن يكتم ضحكته طيلة مدة ساعتين تستحق الضحك الطويل، بل وختمتها بأخذ ما بقي له من قات قبل أن أعيده إلى موضعه.
ولكن للأسف لم يجب صديقي محمد الإنسان الصبور والحليم على سؤالي، وإنما عمد إلى التهوين مما حدث.. فعدتُ حاسراً دون جواب.
***
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.