محمد المخلافي اليوم، الثامن من أبريل، يحتفل الفنان التشكيلي والأديب السوري صبري يوسف، المقيم في ستوكهولم منذ عام 1990، بعيد ميلاده التاسع والستين. أسس صبري لنفسه مكانة متميزة في الساحة الثقافية العربية والعالمية، ليصبح صوتًا بارزًا في الأدب والفن التشكيلي. بينما كنت أتصفح فيسبوك، لفتت نظري صفحته وهو يستعرض إنجازاته الأدبية بمناسبة هذا اليوم المميز. كتبت تعليقًا لأهنئه، لكن سرعان ما استوقفني التفكير: "أديب وفنان تشكيلي بهذا الحجم، من الواجب أن أكتب عنه مقالًا يستعرض سيرته وإنجازاته الإبداعية التي وصلت إلى 112 كتابًا". إن مسيرته الفنية والأدبية ليست مجرد تراكم للكتب واللوحات، بل هي تعبير عن تجارب إنسانية عميقة تتراوح بين الفرح والألم، بين الفقد والأمل. في كل صفحة من صفحات كتبه، نجد انعكاسًا لتجربته الشخصية، حيث يتناول مواضيع الهوية والاغتراب، مما يجعل أدبه يتصل بقلوب القراء. إن إنجازاته الأدبية التي تفوق المئة ليست سوى جزء من قصته الغنية بالتجارب. إن الاحتفاء بعيد ميلاده ليس مجرد احتفال بشخصه، بل هو احتفال بفن يجسد التوق الإنساني للتعبير عن الذات. في زمن تتداخل فيه الثقافات، يقدم صبري نموذجًا يُظهر كيف يمكن للفن والأدب أن يكونا وسائل للتواصل بين الشعوب، وكيف يمكن للتجارب الفردية أن تعبر عن قضايا جماعية. دعوني أستعرض جزءًا من سيرته الذاتية؛ وُلد صبري يوسف في عام 1956 في مدينة المالكية (ديريك) السورية، ويُعتبر واحدًا من أبرز الأسماء في المشهد الثقافي، حيث جمع بين الفن التشكيلي والأدب، مُعبرًا عن قضايا إنسانية واجتماعية معقدة. لقد كانت حياته مليئة بالتحديات، لكنها كانت أيضًا مليئة بالإنجازات التي تعكس قوة الإرادة والشغف. تلقى تعليمه في ثانوية يوسف العظمة، حيث حصل على شهادته الثانوية في عام 1975. ومع ذلك، لم تكن مسيرته الأكاديمية سلسة كما كان يأمل. بدأ دراسة الأدب الإنجليزي في جامعة حلب، لكنه لم يُكمل دراسته لأسباب خاصة. ورغم هذه التحديات، استمر في سعيه الأكاديمي حتى تخرج من جامعة دمشق في عام 1987، حيث تخصص في الفلسفة وعلم الاجتماع. أصبحت هذه الخلفية الأكاديمية حجر الأساس لفهمه العميق للوجود الإنساني وتجاربه الاجتماعية. وفي مسار جديد، درس مؤخرًا في قسم الفنون بجامعة ستوكهولم، حيث تخرج منها عام 2012، مضيفًا أبعادًا جديدة إلى تجربته الفنية. في 25 من مايو عام 1987، أقلع عن التدخين، مُعتبرًا هذا اليوم عيد ميلاده الجديد. يحتفل كل عام بذكرى هذا اليوم، الذي يُعده منعطفًا مهمًا في حياته. بعد 13 عامًا من العمل في مجال التعليم، قرر صبري أن يترك التعليم ويبدأ رحلة جديدة. انتقل إلى السويد بحثًا عن فرص جديدة للإبداع، حيث واجه تحديات جديدة في بيئة ثقافية مختلفة. في عام 2007، قدم أول معرض فردي له في ستوكهولم، ضم أربعين لوحة، مما أظهر تطورًا ملحوظًا في مسيرته الفنية. لم يتوقف عند هذا الحد، بل شارك في معارض جماعية وفردية لاحقة، مما ساعده على بناء سمعة فنية قوية في الساحة السويدية. استطاع أن يُجسد قضايا الإنسان من خلال لوحاته، مستخدمًا الألوان والأشكال للتعبير عن مشاعر الفقد والأمل. في عام 2013، قدم معرضًا فرديًا ضم مائة لوحة، مما يعكس عمق إنتاجه وتنوعه. أعماله الفنية ليست مجرد لوحات، بل هي تعبيرات عن تجارب إنسانية عميقة تتناول مواضيع مثل الاغتراب والهوية ومعاناة الإنسان. تتجلى في أعمال صبري قدرة كبيرة على المزج بين التجارب الذاتية والموضوعات الإنسانية العامة. تعكس كتاباته صراعات الاغتراب والفقد، مما يجعلها مرآة تعكس واقع الحياة المعاصرة. يُظهر، من خلال أسلوبه الأدبي، كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الألم والفرح في آن واحد. أسس دار نشر باسمه في ستوكهولم عام 1998، مُطلقًا مشروعًا أدبيًا عميقًا من خلال إصداره لعدة مجموعات شعرية وقصصية. تميزت أعماله بالانفتاح على قضايا إنسانية معقدة، مثل الحرب والهوية والاغتراب. من بين أعماله البارزة "احتراق حافات الروح" و"أنشودة الحياة"، والتي تحوي نصوصًا تتجاوز حدود الشعر التقليدي. تنوعت إصداراته لتشمل أكثر من 70 عملًا أدبيًا، حيث تناول مواضيع متعددة تعكس تجربته الحياتية. أثبتت أعماله أن الأدب والفن يمكن أن يكونا وسيلة للتغيير والتأثير، كما أنها تعكس تجاربه الشخصية كلاجئ وكفنان. لم يتوقف عند حد معين، بل واصل إبداعه من خلال مشروع "حوار مع الذات"، الذي يتكون من عشرة أجزاء، يتناول فيه تجاربه الحياتية بأسلوب قريب من السيرة الذاتية. يعكس هذا العمل رغبته في فتح نقاشات حول الهوية والثقافة، مُظهرًا انفتاحه على التأمل الذاتي. في إطار هذا المشروع، أطلق "ألف سؤال وسؤال"، حيث يتناول في كل جزء من هذا العمل قضايا إنسانية وفكرية، مُعبرًا عن تجاربه الشخصية بطريقة فنية وعميقة. لقد صنع صبري يوسف من خلال أعماله تأثيرًا كبيرًا في المجتمع الأدبي والفني في السويد والوطن العربي. لقد شارك في العديد من الأماسي الشعرية والقصصية والندوات الأدبية في سورية والسويد، مما ساهم في تعزيز الحوار الثقافي بين المجتمعات. أسس عام 2013 مجلة السلام الدولية، وهي مجلة أدبية فكرية ثقافية وفنية مستقلة، تُعنى بنشر الأعمال الأدبية والفنية التي تعكس تجارب المهاجرين. من خلال هذه المجلة، يُعبر عن رؤيته للسلام والفن كوسيلتين للتواصل بين الثقافات المختلفة. إن تأثيره يتجاوز حدود الفن والأدب، فهو يُعتبر رمزًا للأمل والتغيير في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الكثيرون. يبقى صبري يوسف مثالًا حيًا على كيف يمكن للإبداع أن يكون قوة دافعة في مواجهة التحديات. مسيرته تبرز التزامه بالفن والأدب، وتُعبر عن قدرة الإنسان على التجدد والتطور رغم الصعوبات. في كل لوحة وكل كلمة، يترك أثرًا يُذكرنا بأهمية التعبير الفني في فهمنا للعالم من حولنا. إن مسيرته تُلهم الكثيرين، وتُظهر أن الكفاح من أجل الإبداع يمكن أن يكون مصدر قوة وأمل لكل من يسعى لتحقيق أحلامه.