كيف ضاعت فرصة بناء دولة الوحدة    للخروج من متاهة "التطرف والتطرف المضاد"    إعلان قضائي    محافظ الضالع يؤكد على أهمية فتح طريق الضالع صنعاء ويبدي استعداده للتفاوض    محافظ الضالع يؤكد على أهمية فتح طريق الضالع صنعاء ويبدي استعداده للتفاوض    القوة الضائعة في العلاقات العربية- الأمريكية    لحج.. وفاة وإصابة 5 أشخاص بسقوط سيارة في المقاطرة    رئيس مجلس الوزراء يتسلّم درع المؤتمر الثالث فلسطين قضية الأمة المركزية    ياسين البكالي... الشاعر الذي نزف شعراً ومشى على حافة الوجع    دشن مهرجان عروض الفنون الشعبية احتفاءً بالعيد الوطني 22مايو.. الوزير اليافعي: سيدافع عن الوحدة الشرفاء الأحرار على امتداد الوطن الكبير    غزة.. تحترق أرضاً وإنساناً    نيجيريا تحرز المركز الثالث في كأس افريقيا    الرزامي ساخرا: تقارير جهاز الرقابة بصنعاء في اجازة زواج    غزة شوكة الميزان ومعيار الإيمان والنفاق    عدد من المشاركين في مؤتمر الطب المخبري الخامس أكدوا ل"26سبتمبر": نحرص على التميز في الطب المخبري    اطالة امد النزاع .. رغبة ام توجه..؟!    ظلٌّ هاربٌ من شمس صنعاء في حضرة الجوع والندم    حماس تنفي مزاعم التوصل إلى هدنة في غزة    مرض الفشل الكلوي (5)    العفرور ... نجم في السماء ظله في الحواري    سريع يعلن استهداف مطار بن غوريون بصاروخين باليستيين وطائرة مسيرة    انطلاق بطولة تعز تحت 15 سنة لكرة القدم    "هآرتس": إسرائيل تجند مرضى نفسيين للقتال بغزة وانتحار 35 جنديا    القضاء المصري يخفف حكم المتهم بقتل ضابط يمني    إصلاح عدن ينعى الدكتور حامد الشعبي أحد مؤسسي الحزب في المدينة    500 شهيد بغزة خلال 3 أيام ومستشفيات الشمال تخرج عن الخدمة    وزير الشباب والرياضة يدشّن مشروع تعزيز الادماج والتغيير الاجتماعي    الرهوي يناقش مع العيدروس سبل تعزيز علاقات التكامل بين الحكومة ومجلس الشورى    الوزير البكري يدشّن " مشروع تعزيز الادماج والتغيير الاجتماعي من خلال الرياضة"    هيئة المواصفات تنفذ نزولًا ميدانيًا لمحافظتي ذمار وصعدة    شاب في لحج يرفض طلب والده ويطعنه طعنتين قاتلتين    نقابة الصحفيين تستنكر ملاحقة المليشيا للصحفي النهاري وتحملها مسؤولية حياته    من هويسين مدافع ريال مدريد الجديد؟    اكتشاف أثري .. ألعاب الأطفال في سوريا كانت تباع قبل 4500 عام    المرتزقة يعلنون حالة الطوارئ في عدن خوفا على المعاشيق    بالاس يقهر السيتي ويتوج بكأس الاتحاد الإنجليزي    اختام بطولة "علم وجهاد" لمنتخبات أحياء المراكز الصيفية بشعوب    انتخاب اليمن رئيساً للاتحاد العربي للرياضات المائية    صحفي يكشف ما استهدفته الغارات الاسرائيلية في ميناء الحديدة    القادة العرب يجددون دعمهم لوحدة اليمن ويشددون على وقف العدوان على غزة    الحكومة: إعلان الحوثيين عن جاهزية مطار صنعاء استعراض دعائي لتضليل الرأي العام    مقتل طفلة في إب    - ماذا تعرف عن مركز عفار الجمركي وماذا يحدث فيه ؟    575 مسافرا غادروا ووصلوا صنعاء في يومنا السبت عبر طيران اليمنية    ياسين البكالي.. الشاعر الذي جسَّدت قصائده وجع اليمن    وزارة الاوقاف تبدأ تفويج الحجاج اليمنيين براً إلى الأراضي المقدسة    البكالي.. الشاعر الذي مات حزينا    احتجاجات لنساء أبين تنديدا بتدهور الأوضاع المعيشية وللمطالبة بتوفير الخدمات    صدمة لفنان مصري بعد إيقاف معاشه الحكومي اعتقادا بأنه توفي    أطعمة شائعة ولذيذة قد تساعد في خفض ضغط الدم المرتفع    مسلح حوثي يحرق مسنًا في إب    المغرب.. مقابر حجرية ونقوش غامضة عمرها 4 آلاف عام    احباط تهريب قطع اثرية في باب المندب    دراسة طبية: المشي اليومي يخفض خطر الإصابة بالسرطان    إب.. ضابط امن يصب الزيت المغلي على بائع مسن    دعوة للمواطنين من دار الافتاء    مكة المكرمة.. و منها دَعا إبراهيم    تدشين أولى رحلات تفويج الحجاج جواً من مطار عدن الدولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلٌّ هاربٌ من شمس صنعاء في حضرة الجوع والندم
نشر في يمنات يوم 19 - 05 - 2025


عبد الوهاب قطران
خرجتُ من بيتي، ظهرًا، في زمهرير القيظ، متجهًا نحو سوق الكويت للقات. كانت الشمس تنفثُ سعيرها، تتوهّج غضبًا كأنها تحاول خرق جمجمة رأسي بلهيبها، في صيفٍ صنعانيٍّ قائظ، جافٍ، غبارُه رمادُ العطش، وهواؤه لظى.
أخذتُ عيدان القات الهمداني من مهيوب، صاحب البلاد، واتصلتُ بصديقي أستعجله، لنغدو سويًا بسيارته إلى غدائنا الموعود. ريثما يصل، بحثت عن ظلٍّ أفرُّ إليه من وحش الظهيرة، ظلّ شجرةٍ وريف، لكنني ما وجدتُ غير السراب.
تذكّرتُ بنجلور، مدينة السيليكون في الهند، حيث الشوارع مظلّلة بأشجارٍ ضخمة تُعبد كأنها آلهة خضراء، حيث لا يُقطع غصنٌ إلا ويُزجُّ بالفاعل في السجن ستة أشهر، وهناك يشيّد المواطن جدار داره على جذع الشجرة لا ليقتلعها، بل ليحتمي بحنوّها وظلّها.
أما هنا في صنعاء، المدينة التي أعشقها رغم قحطها، فهي منفى للخُضرة، وعدوّةٌ للماء، ولا مكان فيها للورد أو الجمال، إلا ما ندر… شارع العدل استثناءٌ فقط.
تلفّتُّ… لم أجد ظلاً. رأيتُ شجرة يتيمة قرب سور مستشفى الكويت، فهرولت إليها كمن يلجأ لصلاة، وجلستُ أستريح، والتقطت صورة، ذكرى لمايو، عيد الوحدة اليمنية المغدورة.

بعد الغداء، عدنا نحو البيت، وعند نزولي من سيارة صديقي، مررنا بجوار البقالة. لمحته واقفًا عند مدخلها، رجلٌ نحيل، أسمر البشرة، وجهه محفورٌ بالتجاعيد، شامخٌ رغم الانكسار، حييٌّ رغم الفقر، يحيّيني بإيماءة وابتسامة تَشُقُّها كرامة.
قال لي:
«حيّاك الله يا قاضي».
اتّزر بالمقطب الأبيض، يلف خاصرته بحياء الرجولة، وبعينيه نظرةٌ تقول أكثر مما تقوله الكلمات. شعرتُ بأنه بحاجة، بأن شيئًا في داخله ينادي.
دخلتُ البقالة ومعي ابني أحمد، أسأل عن فاتورة الكهرباء، وبينما العامل يتصفح الدفتر، لحق بي الرجل بهدوء وقال:
«يا قاضي، لو سمحت، أريد خدمة…»
أجبته بلا تردد:
«ابشر، ما حاجتك؟»
قال وهو يكاد لا ينظر في عيني:
«سَلِفْنِي ثلاث مئة ريال… أشتري بها خبزًا لأولادي».
هزّتني كلماته، جفَّ دمي، وبلهفة مددتُ يدي إلى جيبي الخارجي، فلم أجد فيه سوى مائة ريال معدنية… صُدمت، أين ذهبت التسعة آلاف؟ تذكرت أن أم العيال أخذتها للمصروف اليومي للبيت، والبقية ذهبت للقات.
ناولته المائة ريال وقلت:
«والله ما بقي معي غيرها… سامحني».
أخذها بارتباك، شكرني بعينين منكسرتين، وولّى مسرعًا، كأنما ابتلعه الزحام.
استفقتُ من ذهولي، وبلهفة فتّشتُ جيوبي، دخلت يدي إلى الجيب الداخلي، جهة القلب، فإذا بألفي ريال تلمع في راحتي! صرختُ:
«أحمد، أسرع، الحق به! أَعطه هذه الألفين!»
ركض أحمد في الشارع، في الزقاق، في الأزقة المتفرعة من شارع الزراعة، لكنه عاد حزينًا:
«يا أباه، لم أجد له أثرًا… اختفى!»
كأنما انشقت الأرض وابتلعته. سألته:
«أتعرفه؟»
قال:
«لا».
فأجبته:
«أما أنا، فأعرف وجهه… هو من حارتنا، نلتقي صدفة، نتحايا، لكنه غريبٌ عن اسمي، مثلما أنا غريبٌ عن عنوانه».

منذ العصر، وأنا أقضم تأنيب الضمير كأنه خبزٌ يابس، وأحمل غصّة في صدري كالسكين. خذلتُ رجلاً شهمًا، من حارتي، دون قصد. لم أكن على قدر وجعه، ولا على مستوى حاجته.
يا صديقي الطيّب، يا ابن حارتي الصامت:
لو أجدك الآن، لأجلسك بجانبي، أواسيك، أقتسم معك عشائي وغدائي، وأربّت على كتفك كما يُربّت على وطنٍ منكسر.
سامحني، لقد خذلتك...
أنا موجوع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.