رياض السامعي اطلعت على ما ورد في البيان الختامي لمؤتمر الشباب بتعز، وركزت على عدة نقاط أوردها البيان، التي من وجهة نظري، ووجهة نظر القانون اليمني، تُعد تفكيكًا منظمًا لأسس العمل المدني في البلاد. البيان الختامي للمؤتمر الشبابي، الذي اختتم أعماله أمس، كشف عن سلسلة من المخالفات القانونية الجوهرية التي تهدد شرعيته ومصداقية مخرجاته، وتظهر تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرنان حول "التمكين" و"الشفافية" والممارسات الفعلية التي تنتهك صريح القانون اليمني المنظم للعمل المدني (القانون رقم 1 لسنة 2001). وبقراءة متأنية للبيان، يمكن ملاحظة وجود هيكلة تكرس الاستئثار وتلغي التمثيل الحقيقي، وفقًا لما كشفه البيان. وسأتناول هنا أبرز هذه النقاط ومقارنتها بالقانون. أولاً: تفكيك منظومة العمل المدني وتتمثل فيما يلي: 1– الانقلاب على الديمقراطية: ويتمثل في تشكيل "لجنة محايدة" بديلاً عن الانتخاب المباشر، وفقًا لما أعلنه البيان: "اختارت الجلسة الختامية لجنة محايدة لإدارة عملية انتخاب ممثلي الورش لهيئة المتابعة". وتكمن المخالفة القانونية هنا في المادة 20 من القانون، الذي يوجب انتخاب الهيئات الإدارية بالاقتراع السري المباشر من قبل الجمعية العامة أو الجمعية العمومية للمؤتمر. كما أن تفويض "لجنة محايدة" (غامضة التكوين والآلية) لاختيار الممثلين يُلغي مبدأ التمثيل المباشر ويقوض شرعية هيئة المتابعة من أساسها. ويبدو الخطر هنا كامناً في افتعال طبقة وسيطة غير منتخبة تتحكم في تشكيل الهيئة القيادية القادمة لشباب تعز. 2– تمديد غير قانوني: ويتمثل هذا التمديد في تحويل اللجنة التحضيرية إلى "سلطة تسيير"، حسبما أعلنه البيان: "تحولت مهام اللجنة التحضيرية إلى تسيير الأعمال وتقديم الإخلاءات المالية للجهات الرسمية والمانحين خلال أسبوعين". هذا التمديد غير الشرعي مخالف قانونًا للمادة 12 من القانون التي تحدد بوضوح أن "مهمة اللجنة التحضيرية تنتهي فور انتخاب الهيئة الإدارية". ويعد تحويلها إلى هيئة "تسيير" ذات صلاحيات إدارية ومالية (خاصة الإخلاءات المالية) لمدة أسبوعين بعد المؤتمر هو منح صلاحيات غير قانونية لفريق لم يعد له وجود قانونيًا. ونستشف هنا خطورة هذا الفعل على العمل المدني، حيث أن هيمنة غير منتخبة على العملية الانتقالية الحساسة والمال، يعد انتهاكًا للعمل المدني وطريقًا ملتوياً للاستمرارية غير المشروعة. 3– تأجيل انتخاب القيادة الشرعية أو الهيئة الإدارية: يقول البيان: "على أن تلتئم الهيئة خلال شهر وتنتخب رئاستها ولجانها". حيث تتجلى هنا مخالفة قانونية خطيرة للمادة 16 من القانون، والتي تنص على "أن تبدأ الهيئة الإدارية عملها فور انتخابها". إن تأجيل تشكيل الهيئة القيادية لمدة شهر مع بقاء "لجنة التسيير" غير القانونية يخلق بحد ذاته فراغًا قياديًا خطيرًا، كون هذه الفترة الممتدة تتيح للجنة التحضيرية الهيمنة المطلقة وغير الخاضعة للمساءلة، وتسهل تزوير الانتخابات اللاحقة أو التحكم في نتائجها. ويمكن هنا تلخيص ما سبق بمقارنة سريعة لما ورد في البيان الختامي مقابل القانون اليمني: 1 الإجراء المعلن (البيان الختامي) – اختيار ممثلي الورش عبر "لجنة محايدة" النص القانوني (قانون الجمعيات 1/2001) – الانتخاب بالاقتراع السري المباشر من الجمعية العامة. طبيعة المخالفة – إلغاء حق المشاركين في الانتخاب المباشر، هيمنة غير خاضعة للمساءلة المادة القانونية – المادة 20 2 الإجراء المعلن (البيان الختامي) – تحويل اللجنة التحضيرية لهيئة تسيير (أسبوعين) النص القانوني (قانون الجمعيات 1/2001) – تنتهي مهمة اللجنة التحضيرية فور انتخاب الهيئة الإدارية طبيعة المخالفة – منح صلاحيات غير قانونية لفريق منتهي الصلاحية، هيمنة على المال والإدارة المادة القانونية – المادة 12 3 الإجراء المعلن (البيان الختامي) – تأجيل تشكيل الهيئة التنفيذية شهراً النص القانوني (قانون الجمعيات 1/2001) – تبدأ الهيئة الإدارية عملها فور انتخابها طبيعة المخالفة – خلق فراغ قيادي، تمكين لهيمنة "لجنة التسيير" غير الشرعية المادة القانونية – المادة 16 4 الإجراء المعلن (البيان الختامي) – تقديم الإخلاءات المالية للجهات الرسمية والمانحين فقط النص القانوني (قانون الجمعيات 1/2001) – تقديم التقارير المالية للهيئة الإدارية والجمعية العامة للمصادقة والرقابة طبيعة المخالفة – إقصاء الرقابة الداخلية، غياب الشفافية، مخاطر إهدار المال العام المادة القانونية – المادة 25/36 5 الإجراء المعلن (تصريحات) – إعلان "عدم تمثيل" الأحزاب المنسحبة النص القانوني (قانون الجمعيات 1/2001) – الالتزام بالتمثيل المتوازن وعدم إقصاء أي فئة مشاركة دون مبرر قانوني (المواد 5،9) طبيعة المخالفة – تزييف واقع المشاركة، إضعاف شرعية المؤتمر ومخرجاته المادة القانونية – المادتان 5 و 9 ثانياً: انعدام الشفافية المالية يمثل البند المتعلق بالإخلاءات المالية في البيان انتهاكًا صارخًا آخر، فما أعلنه البيان هو "تقديم الإخلاءات للجهات الرسمية والمانحين فقط". وتبرز المخالفة القانونية في هذه الفقرة للمادتين 25 و 36 من القانون اللتين تلزمان تقديم التقارير والإخلاءات المالية أولاً وأخيرًا للجمعية العامة للمؤتمر للمصادقة عليها وإقرارها، بدرجة أساس ومن ثم للهيئة الإدارية المنتخبة. ويمكن الاعتبار هنا أن تجاهل الجمعية العمومية للمؤتمر وإقصاؤها من الإشراف والمراجعة والتصديق على التقارير المالية السابقة، يعد إهدارًا لمبدأ الشفافية الداخلية. كما أنه يفتح الباب أمام سوء إدارة الأموال العامة، ويشكل أساسًا لمخالفات جسيمة تتمثل في الاختلاس وفقًا للمادة 70 من القانون. ثالثاً: تناقض الشعارات أمام الممارسة: من خلال التدقيق في البيان الختامي للمؤتمر، يمكن التأكيد أن البيان أسقط عمليًا الشعارات التي رفعها المؤتمر نفسه والمتمثلة في: 1- رفض "المحاصصة": والتي يناقضها عمليًا تشكيل "اللجنة المحايدة" وممارستها المغلقة في اختيار الممثلين. 2– التأكيد على "المشاركة": تم تقييدها بإقصاء الأحزاب المنسحبة رغم دورها التحضيري، وفقًا للبيان، إضافة إلى تهميش المشاركين عبر إلغاء الانتخاب المباشر. 3– الدعوة إلى "الشفافية": حيث تناقضها تمامًا الإجراءات المالية غير الشفافة وتأجيل تشكيل الهيئات الرقابية، والهيئة الإدارية داخل المؤتمر. رابعاً: مخاطر قانونية جسيمة وعواقب ميدانية – يمكن القول إن هذه المخالفات المنهجية تعرض المؤتمر ومخرجاته ل: 1– البطلان القانوني المتمثل في إمكانية إلغاء قرارات "هيئة المتابعة" و"لجنة التسيير" من قبل الجهات القضائية والرقابية اليمنية لانتفاء صفتها وانعدام شرعيتها، خاصة إذا تقدم المنسحبون أو عدد من أعضاء الجمعية العمومية بدعوى قضائية أو شكوى لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حول هذه المخالفات. 2– المساءلة الجنائية: والتي يبرزها التعامل المالي خارج الإطار الرقابي القانوني مما يعرض القائمين عليه للمساءلة بتهم مالية، كالاختلاس والنصب والاحتيال على الداعمين وإهدار المال العام. 3– سحب الدعم مستقبلًا: والذي قد تقوم به الجهات المانحة الدولية (كالسفارة الفرنسية ومؤسسة إيبرت) والتي بإمكانها التوقف عن تمويل أنشطة تخرق شروط النزاهة والشفافية التي غالبًا ما تشترطها. 4– تقويض الثقة: ويتمثل في إلحاق ضرر جسيم بمصداقية العمل المدني الشبابي في تعز واليمن ككل، وتحويل المؤتمر إلى "واجهة" تكرر ممارسات النظام الذي يفترض أن يعارضه، أو على الأقل يصحح اعوجاجه. خامساً: خلاصة الأمر إن ما كشفه البيان الختامي للمؤتمر الأول للشباب بتعز لا يمكن اعتباره أخطاءً إجرائية وحسب، بل هو تفكيك ممنهج لأركان العمل المدني القانوني والديمقراطي. كما أن تحويل اللجنة التحضيرية المنتهية الصلاحية إلى سلطة، وإلغاء الانتخاب المباشر لصالح "لجان مغلقة"، وإقصاء الرقابة المالية الداخلية، كلها تؤسس لهيكل غير شرعي تحت غطاء شبابي. وعليه، فإن ما حدث يمثل نموذجًا خطيرًا ل "اختطاف" التمثيل الحقيقي وتوظيف شعارات التغيير لشرعنة هيمنة فئة محددة. ولتصحيح هذا المسار، يتطلب الأمر إجراءات عاجلة وجذرية من قبل أعضاء الجمعية العمومية المشاركين بما يتماشى مع القانون، قبل أن تتحول هذه المخرجات إلى وقائع يصعب إصلاحها وستُشوّه مستقبل العمل المدني برمته في مدينة تعز.