سعد الحيمي في مثل هذا اليوم توقفت السحب عند إشارة المرور الحمراء ، تململت الشمس في سيرها كطالب كسول يكره الذهاب إلى المدرسة ، عقارب الساعة مشلولة كأن عصا موسى لدغتها من خلف الزمان . وحدهم شياطين الشعر وجن سليمان وصبايا وادي عبقر من تسابقوا محدثين ضجة وصخبا وتهافتا نحو صنعاء ووحدهم من سابقوا ( الشاطر ) وطافوا حول عرش الشعر قبل أن يتخطفه الذي عنده علم من الجهل الدفين . غاب هدهد سليمان – غير آبهٍ لوعيدٍ يعلم أن نافثه لم يستطع ترويض كفيف أحاط بالشموخ اليقين – لم يمكث قريبا ولا نقل خبرا وأنى له ذلك وهو يعلم أن : ( ... موتَ المجيدِ الفذَّ يبدأهُ ولادةً من صِباها ترضعُ الحِقَبُ ) غاب هدهد سليمان لم يمكث قريبا ولا نقل خبرا : فالهول أكبر من قلبه ، وتداعي سد مأرب أوسع من استيعابه وتهاوي أكبر جبال اليمن أشمل من احاطته فدهاك غزوٌ مثلما يحكُون عن يومِ النُّشورِ وقبل أن يستيقظ الصبح كان خداع الليل يراوغ أعين الصبح ويهفو لاهثا عجلا لوأد من يعلم أنه لم يمت . توالت برقيات التعازي من كل حدب وصوب وملأت الصحف وترددت على مايكات الإذاعة ، إلا برقية واحدة لم يعلن عنها حتى اللحظة . برقية كُتبت برموش الفجر وحسرة النهار ووجع الضوء وانين النور . برقية صدى نعيها : يتردد في كل شبر ( من أرض بلقيس ) يتحسر على الحادي الذي شق لنا سبل السير ( في طريق الفجر ) يندب الزمان الذي عجز عن إعادة بناء منزل في (مدينة الغد) لمن بذل روحه ( لعيني أم بلقيس ) وأفنى حياته في ( السفر إلى الأيام الخضر) منزل لن يكلف حكومة ال ( وجوه دخانية ) ثمن سيارة وزير من وزراء ( زمان بلا نوعية ) برقية : مداد حزنها يعاف ( أعراس الغبار) واحتفالاتهم الشكلية بالذكرى دون أن تصون ترجمته الرملية حرمة البرزخ المخنوق في خزيمة ، أو تعيد طباعة دواوينه وكتبه ليدنو الزهر وينأى الشوك وتتمكن ( كائنات الشوق الآخر ) من السفر عبر " شارع البردوني " الممتد من الحصبة وحتى المطار . وبعيدا عن ( رواغ المصابيح ) فتلك البرقية ستظل تنعي الشعب أبد الدهر لجحوده وإنكاره لفضل البصير الذي أنار عمانا ، حتى يعيد ل ( جواب العصور ) اعتباره ومكانته ويحقق المطالب التي تستلفي خزي الاهمال و تمحو عار التجاهل ، وتحفظ ضمير الثورة في حدقات المقل ، وحينها سوف تصفق القلوب للاحتفاء الحكومي بعودة الذكرى أو ( رجعة الحكيم ابن زايد ) وحينها نسمع البردوني وهو يقول الآن : أشمّ عبير تاريخي وأسمع نبض عمراني.